“المطاردة”.. نساء السي آي إيه يتعقبن بن لادن!


*أمير العمري

يقدم الفيلم التسجيلي الطويل “المطاردة”(Manhunt) للمخرج غريغ بيكر، الرواية الأخرى من الداخل، أي وجهة النظر الاستخباراتية، لتعقب زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن حتى قتله، على أيدي عملاء وكالة المخابرات المركزية الأميركية.

ويورد الفيلم -الذي عرض بمهرجان لندن السينمائي مؤخرا- وأثار نقاشات طويلة، بين المخرج والجمهور تفاصيل كثيرة لم ترد في الفيلم الروائي الشهير “ثلاثون دقيقة بعد منتصف الليل” Zero Dark Thirty للمخرجة كاثرين بيغلو، حول بن لادن، والذي عرض العام الماضي ورشح لعدد من جوائز الأوسكار.
يتخذ الفيلم (مائة دقيقة) شكل القصة الدرامية البوليسية المشوقة، رغم اعتماده على الكثير من الشهادات الحقيقية والبيانات والأرقام والتواريخ، التي نراها على شكل رسومات توضيحية على سبورة سوداء من بداية الفيلم، كما يستخدم الفيلم وثائق سرية مصورة بالفيديو، ويعيد زيارة الكثير من المواقع الحقيقية التي كانت مسرحا لأحداث تلك القصة التي استغرقت نحو عشرين عاما.

يبدأ الفيلم بظهور الرئيس أوباما للإعلان للشعب الأميركي عن نجاح القوات الخاصة الأميركية في قتل بن لادن في أوائل مايو/أيار 2011، ثم نرى لقطات لـ بن لادن يمتطي صهوة حصان في مكان مجهول، ونسمع صوتا يقول “لقد نجحنا في إسقاط الإمبراطورية السوفيتية، فلماذا لا ننجح مرة أخرى”؟!
ويستعرض الفيلم من خلال مجموعة نساء عاملات في قسم الأبحاث بالمخابرات المركزية الأميركية(سي آي إيه)، كيف أنهن كن يشكلن مجموعة بحث أو “وحدة” يطلق عليها وحدة “أليك” Alec داخل المخابرات، تختص فقط بالتحري عن نشاطات بن لادن وجمع المعلومات والأدلة.
هذه الوحدة تكونت عام 1995، وكانت تعمل بالتعاون مع ضباط العمليات الموجودين على الأرض خارج الولايات المتحدة، تزودهم بالمعلومات، ويتابعون هم العمل بتعقب الأشخاص واعتقالهم واستجوابهم للحصول على مزيد من المعلومات، التي تؤدي تدريجيا إلى تحقيق “الهدف”.
دور “الأخوات”
يركز الفيلم على دور النساء، أي نساء المخابرات، في التوصل من خلال تحليل المعلومات إلى احتمالات قيام تنظيم “القاعدة” بتوجيه ضربة للولايات المتحدة، قبل وقوع هجمات 11سبتمبر/أيلول 2011، ولكن التقارير التي قدمتها وحدة المعلومات للرئيس، قوبلت بالتجاهل أو بالرفض من جانب مستشار الرئيس الأميركي للأمن القومي، الذي كان يستبعد الفكرة تماما باعتبارها غير واقعية لا تستند إلى أساس حقيقي.
ولكن دور “الأخوات” (وهو الاسم الذي أطلق داخل أروقة المخابرات على مجموعة النساء العاملات في جمع وتحليل المعلومات)، يطرح في الفيلم باعتباره مناقضا لدور “الرجال” الذين يميلون إلى التشكك وإغفال بعض المعلومات المهمة أو التقليل من شأنها، وهو ما تسبب في صدمة 11 سبتمبر.
يتكون الفيلم أساسا من مجموعة من المقابلات المصورة مع فريق “الأخوات”، ومسؤولين سابقين في المخابرات، على أعلى مستوى يظهرون بأسمائهم الحقيقية في الفيلم (منهم المدير السابق للوكالة مايكل هايدن، ومدير مركز مكافحة الإرهاب في الوكالة خوسيه رودريغيز)، وبعض الصحفيين والكتاب، منهم من أجروا مقابلات تليفزيونية مصورة مع بن لادن، مثل بيتر أرنيت الذي صور مقابلة لحساب شبكة سي إن إن الإخبارية الأميركية عام 1997.
وإضافة إلى المقابلات التي تشمل أيضا خمسة نساء من قسم تحليل المعلومات بالوكالة، هناك مقتطفات متعددة من الأفلام التي كان يصورها تنظيم القاعدة ويبثها طوال سنوات، ويظهر فيها بن لادن متكلما في معظم الأحيان.
وهناك لقطات سيريالية غامضة ليلية لشوارع المدن في العراق أو غيره من بلدان الشرق الأوسط، وذلك في نسيج بصري شديد الجاذبية والإثارة، بفضل شريط صوت يثير الترقب ويضفي غموضا على الصورة، والانتقالات المحسوبة بين الفصول المختلفة للقصة، مع العودة بين وقت وآخر إلى تلك السبورة التي تضيف إليها إحدى الباحثات في المخابرات، صورة جديدة لمشتبه فيه جديد، أو اسما جديدا.
وهي تكشف الطريقة التي كانت تعمل من خلالها الباحثات في قسم الأبحاث طوال سنوات، في صبر ودأب، لوضع التفاصيل معا، والعثور على صلة تربط بين الأسماء والشخصيات، إلى أن تم التوصل إلى الرجل الذي كشف في النهاية اسم مساعد بن لادن، أو الشخص الذي كان يقوم بنقل رسائله، ومن ثم تمكن رجال المخابرات من اعتقاله والتوصل إلى محل إقامة بن لادن في أبوت أباد بباكستان.
موضوع التعذيب
لا يهتم الفيلم كثيرا، بعملية قتل بن لادن، على نحو ما نرى في الفيلم الروائي الشهير لكاثرين بيغلو، بل يبدو اهتمام مخرجه الأساسي متركزا على الطريقة التي تم التوصل من خلالها للكشف عن مكان اختباء بن لادن.
وفي سياق هذا الاهتمام تبرز الكثير من التساؤلات التي تتعلق بكيفية الحصول على المعلومات من المشتبه فيهم، الذين كان يتم اعتقالهم. هنا يأتي موضوع “التعذيب” الذي شاهدناه يمارس بوضوح في الفيلم الروائي.
أما هنا فثمة محاولة واضحة من جانب رجال المخابرات الذين يتحدثون في الفيلم، للتقليل من شأنه، أو للإشارة إليه بطريقة غامضة، بحيث لا يمكنك أن تتأكد مما إذا كان قد تم تعذيب شخص ما أم لا، وما إذا كان التعذيب قد تم بأياد أميركية أم على أرض أخرى بأيد “أجنبية”.
تعترف “ندا باكوس”، التي التحقت بالمخابرات المركزية عام 2000، وعملت في التحريات على الأرض في العراق، بأن أحد مساعدي بن لادن المغربي حسن الغول، استجوب في كردستان بشمال العراق، بدون أن توضح نوعية هذا “الاستجواب” الذي تم هناك، وكيف دفع الغول إلى الاعتراف باسم المسؤول عن نقل رسائل بن لادن، الذي أوقع به فيما بعد واعترف بمكان بن لادن.
المشرف على الاستجواب في قسم مكافحة الإرهاب رودريجيز، لا يبدو وكأنه لا يأبه كثيرا بالأمر، فهو لا يستبعد فكرة اللجوء لأي وسيلة من أجل “حماية الولايات المتحدة”.

غياب التوازن
في الفيلم معلومات هائلة تتدفق في سرد جذاب، وصور تتعاقب، ووثائق ربما تكون قد شاهدتهاعلى شاشات التليفزيون من قبل، إلا أنها في السياق الذي تظهر فيه، تبدو وكأنها تعرض للمرة الأول، أما ما يعيب الفيلم فهو افتقاده الواضح للتوازن.
فالمخرج الذي يدير المقابلات مع الشخصيات المختلفة من العاملين بالمخابرات الأميركية، لا يوجه أسئلة كاشفة، أو يواجه رواياتهم المختلفة بتساؤلات يمكن أن تكشف الجانب الآخر من الرواية على نحو ما تفعل الصحافة الاستقصائية الجدلية.
وبالتالي يتساءل المشاهد عما إذا كان المقصود “تجميل” وجه أجهزة المخابرات الأميركية، وتصوير عملية “اصطياد بن لادن” باعتباره انتصارا كبيرا، تحقق أساسا على أيدي مجموعة من الأفراد يتمتعون بالذكاء والفطنة والصبر. وقد وجهت الاتهامات بالفعل إلى الفيلم.
وليس معروفا ما إذا كانت وكالة المخابرات المركزية قد سمحت لمجموعة “الأخوات” بالظهور في الفيلم، وما هي حدود ما سمحت لهن بقوله وما أوصت بحجبه. لكن فيلم غريغ بيكر، وهو مخرج تسجيلي مرموق، يستحق المشاهدة دون شك، وسيظل موضوعه لفترة طويلة مصدرا لاهتمام الكثيرين حول العالم.
_______
*الجزيرة

شاهد أيضاً

“أثر على أثر” معرض لمفاضلة في المتحف الوطني

(ثقافات) “أثر على أثر” معرض لمفاضلة في المتحف الوطني برعاية العين د. مصطفى حمارنة ينظم …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *