كوخ بمحاذاة البحر


*بشرى خلفان

“تعرف؟ ..سأذهب غدا لمعاينة قطعة أرض في فنس، أنت لا تعرف أين تقع فنس، طيب سأشرح لك، هي في مكان ما ، ما بين قريات وصور، قرية بحرية صغيرة، قد لا تتعدى بيوتها العشرين بيتا، فيها مسجد صغير، وعلى شاطئها قوارب وليخ وأطفال يلعبون كرة القدم كل عصر حتى أذان المغرب.

في فنس سأقابل سمسارا دلني عليه أحد الزملاء، قال السمسار إن هناك أرضاً بالمواصفات التي طلبتها، ألف متر على جرف يطل على البحر مباشرة، يبعد عن القرية بحوالي ثلاثة كيلومترات”
“إذا أعجبتني الأرض وموقعها سأشتريها مباشرة، وفي المستقبل وبعد أن يكبر الأطفال ويتزوجوا ويرحلوا، سأبني لي كوخا بمحاذاة البحر، سيكون الكوخ عبارة عن غرفة نوم بحمام ومطبخ صغير وغرفة مكتبة لها شرفة واسعة تطل على البحر.
سأضع في الشرفة طاولة وكرسيين وأرجوحة طويلة، وسأغرس نخلة إلى جانب الشرفة، ربما لن تحب النخلة هواء البحر المالح، لكنها بالتأكيد ستحب مكانها إلى جانب الشرفة ، حيث سيتاح لها التلصص على رفوف مكتبتي”
سأزرع في حديقتي الطماطم والخيار والبطيخ والفلفل ،وربما استعنت بمزارع من أهل القرية ليعتني بها،فأنت تعرف جيدا أني مزارعة سيئة وأني لا أعرف حتى كيف أفرق بين أنواع النخيل”
“نعم ، أخطط لقضاء ما تبقى من العمر في ذلك الكوخ، أنا وكتبي وطاولة الكتابة والبحر وحديقتي الصغيرة، سيكون الأولاد قد كبروا وتزوجوا وربما رزقوا أطفالا وعندما سيأتون لزيارتي سيقضون النهار في الشرفة وسأعد لهم الغداء، لكنهم عند المساء سيرحلون وأنا سأشرب القهوة كما أحبها في شرفتي أمام البحر مباشرة”.
“ لا لن أكون وحيدة، ربما تعرفت على بعض نساء القرية، وربما جئن لزيارتي ،وربما ذهبت أنا لزيارتهن أحيانا، وربما شاركتهن في حفلات الزواج أو ذهبت لتأدية واجب العزاء.
وأنت ستأتي، أليس كذلك؟ ستأتي لزيارتي أحيانا لتطمئن علي كما وعدتني”
“ أنت وعدتني بأننا سنكبر معا، لا ، ليس بالضرورة معا، لكننا سنكبر بقرب بعضنا بعضا، أنت مع زوجتك وبناتك وأنا مع أولادي وهري وكتبي، ستأتي لزيارتي بين الحين والآخر، وبإمكانك إذا ما تأخر الوقت أن تنام على الصوفا في المكتبة وفي الصباح سأعد لك الشاي كما تحبه وبالتأكيد سأخبز لك بسكويتا طازجا”
“ وعند المساء، سأجلس على الكرسي مقابل البحر، وأنت ستحل ضفائري البيضاء الطويلة وستمشط شعري الذي ربما صار خفيفا وباهتا”
“ ستعود إلى بيتك بعد العشاء مباشرة فزوجتك التي تحبك كثيرا والتي تحبها أنت كثيرا ستبدأ في القلق عليك، وأنا سأودعك عند الباب، وستقبل جبهتي مودعا كالمعتاد، وستعدني أن تنتبه جدا أثناء القيادة وأن لا تسمح للنوم أن يسرق لحظة منك “
“ ستذهب، ستعود إلى بيتك وزوجتك، تماما كما تفعل الآن، وأنا سأغلق الباب بهدوء خلفك وسأمضي إلى مكتبتي وأحل ضفائري وأبدأ في الكتابة، الكتابة في انتظارك … تماما كما أفعل الآن “.
_______
*جريدة عُمان

شاهد أيضاً

يَنبثُ لِي شارِبٌ.. منَ الصَّمت

(ثقافات) يَنبثُ لِي شارِبٌ.. منَ الصَّمت حسن حصاري منْ يمُدُّ لي صوْتا غيرَ صوْتي الغائِب؟ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *