قراءة في “لأني أحبك” للشاعرة صبحة بغورة


* كفاح جرار

( ثقافات ) 

قد نختلف ونتفق على أشياء كثيرة، ولكننا سنتفق دوما على أهمية الحب وضرورته، وأن من فقد الحب فقد ضيّع إنسانيته وحقيقته ووجوده، وهنا قد يقع الخلاف في تعريف الحب وتصريفه، وقد يكون في توصيف الحب وحالاته، ولكنه أبدا لا بد منه ليس كشر مفروض ومحبوب، بل كأعلى وأسمى ما يميز الإنسان ويرفعه إلى سماوات الحق.
وإن حصرنا التعريف والتصريف، للسؤال ضرورته بما يتعلق بالمرأة نفسها، وهي الطرف الجميل في العلاقة الخاصة بين الجنسين، وبالتالي هل يعيب المرأة بوحها وكسرها لحواجز الصمت المرهقة للعواطف والأعصاب؟ أي الاعتراف بحبها والتشبب فيه أيضا، ثم تحميلها لعناصر الطبيعة برمتها لهفة وشوقا، كأن ترسل بعض نبضها مع طير شارد ونجم هائم، وشعاع عابر، بل وهبة نسيم تحمل شذى الحبيب، تذكر تلك المرأة الناعسة به.
ما من ضير عليها إن فعلت، فليس أجمل من عملها هذا، رغم اعتراض بعضنا على ذلك بحجة الخجل والحياء والخفر، ولكن هل يعترف الحب بمثل هذه الحالات، وجميعنا يعرف أن المرأة أشجع من الرجل بكثير إن هي وقعت في الحب، فالرجل هو من يحمر وجهه ويخجل، أما الطرف الثاني فلا يمكنه إلا أن يهاجم ويندفع وتلك إحدى حسنات الحب وعلاماته، ولولاها لما تواصل رجل مع امرأة، وتلك رحمة ونعمة لا يعرفها إلا العشاق.
وفي المعاني السالفة، يأتي ديوان الشاعرة صبحة بغورة الذي يحمل عنوان “لأني أحب” وكم تمنيته لو كان “على خطوط القلب” ولكن الشاعرة أرادت لديوانها الجديد، اسم القصيدة الثانية مع كل التحفظ على التسمية، وللأمر ما يستحق قوله هنا، مع أن خطوط القلب أيضا كان اسم بوح آخر لها هو قصيدها الثالث، وقد جاء الديوان في خمس وعشرين قصيدة، تتطاول أحيانا وتقصر أحايين أخرى.
القصائد جاءت متسلسلة مرتبة، كما هو الحدث، فقد بدأت بسؤال من يدق الباب..دعنا نبدأ في كل يوم حكاية/ ننسجها بخيوط من حرير/ في خيالنا.. حتى وصلت إلى الفتح بعد الطرق فقالت: أفتح لك سيدي/ قلاع أسفاري/ وأكتب لك على/ عتباتها/ عنواني ..وأسفاري، والحق لست أدري ماهية وأهمية التقسيم الذي اعتمدته في الكتابة، وليتها كتبتها بشكل نص نثري مترابط، لأتحفتنا بنصوص في الحب النسوي قل نظيرها، ثم دخلت بعدها في توصيف حالات الحب وأنواعه وأشكاله، ورسمت أمواجه وانكساراته أيضا، فتارة يعلو ويعنف بل ويحطم، “عودي يا عرائس عشقي/ إلى ثورتي عودي/ تتركني القصائد/ ولعينيك أرتب ما تبقى/ من وعودي” وقولها، أنت / فارس من بحر/ زفك الموج إلي/ وأعلن رقصاته الفضية/ فتمدد ما شئت على سفح الأغاني..، ومرات يخبو ويهدأ ويستكين كقولها، لمن أغني في ذا المسا/ وهذه البلابل/ وأسراب الجرح/ في القلب تمر..” وتارة يأسرها الشك ويساروها الخوف، في عينيك صورة امرأة أخرى/ امرأة تعشقها/ تنتظر ردها/ تلاحق ظلها/ في عينيك صورتي تنكسر..، لكنها في النهاية تعرف أنها امرأة معشوقة كما هي عاشقة، فلا يكسرها الهجر وإن أضناها الحنين، فتقول: أكيد ستأتي/ فأنت حب أشرق على/ شرفاتي، برعمت له كل أحلامي/ وأنيرت شوارعي بكل الأمنيات، ومن صور الحب المنكسر عندما تغيم سماء القلب، تقول الشاعرة صبحة: غادرتك/ وكأني أغادر نفسي/ أصبحت مفصولة كمرفأين/ كأن لم يكونا/ أحجية/ تسامر بها البحارة..، وهي هنا وفي جميع ما كتبت ليست شهرزاد التي تشتري حكايتها بالقص والحكاية، وإنما فيها من دنيازاد الشقيقة ومن ليلى الأخيلية من كل شيء شيء، فلا تقول الشعر لتسري عن نفسها أو عن قلب الحبيب، وإنما جاء سردها، ولا أقول قصيدها، كنوع من بوح الحرمان، أو هو بعض نبض المرأة عندما تقع في الحب، وهي قد وقعت حقا وتعشق هذا الوقوع، وربما قلّة من سألوا أنفسهم لماذا نقول وقع في الحب؟ ولا نستخدم كلمة أخرى وفي جميع اللغات واللهجات، وكأن الحب حفرة سقطت فيها شاعرتنا الرقيقة وهي مطمئنة راضية، ربما لأن الوقوع هنا رغم ملامسته لشغاف القلب، يبقى عاطفة مطلوبة فيها نحيا ونستمتع بطعم الحياة، ومن لم يطرق الحب قلبه فلا شك أنه لم يعرف معنى العيش.
لا تستعجل الرحيل/ لك جسدي المغموس بالعشق/ رضابه زهور برية/ لملم أشلائي/ احتوي/ واحات قلبي العذري/ هذه لوعتي واشتياقي/ شفافة أنا/ مغرمة، ذاك بعض ما قالته في “لا تستعجل الرحيل” هو كلام كالشعر في رقته وعذوبته، ولكنه ليس شعرا كالذي نعرف واعتدنا أن نقرأ ونكتب، فقد تجاوزت صبحة بغورة الموسيقى والوزن والإيقاع، ولحقت سلاسة الكلمات وانسيابها، لذلك ربما كانت القصيدة الوحيدة التي كتبتها هي التي يحمل الديوان اسمها، لأنني أحب، فقد حملت معنى القصيدة ومبناها، وشروطها وخصائصها، وإن افلتت أحيانا وكسرت التفعيلة والوزن، فلأنها تكتب الشعر الحر، وبالتالي لا حرج عليها، طالما كانت موسيقى القصيد الداخلية تحكم مسار الكلمات ورناتها، تقول: يسيل الكلام على شفتيا/ شهيا طريا/ وشهد مصفى حنيا نقيا/ لأني أحب/ يسيل الكلام على سطح روحي/ كطلة صبح ..كنسمة فجر/ كحبات عطر..كقطر/ كنجم تدلى فطورا..توارى/ وطورا أطل.. كماء تندى، وتلك إحدى صورها الرقيقة كرقة عرق الأنثى وثورتها العاشقة، فالكلام يسيل والنجم يتدلى والغيوم أيضا تنكسر، وهي إن حدث تلاشت واندثرت، تقول: فيخضر صوتي/ وتبتل أغنيتي بالمطر/ أخاف إذا أنا يوما صمت/ إذا لم أغني/ غيوم حبي فوقي تنكسر،.
الديوان الصادر عن دار هومة، يقع في 78 صفحة بغلاف رقيق لامرأة راقصة، أو تراقصها عاصفة، يضم بين دفتيه 25 نصا، فيه العذوبة والرقة والشفافية.
_______
*كاتب من الجزائر

شاهد أيضاً

“المثنوى”و”شمس” من كُنوز مَولانا الرُّومي

“المثنوى”و”شمس” من كُنوز مَولانا الرُّومي منال رضوان     المثنوى المعنوى، وديوان شمس لمولانا جلال …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *