*إدريس أنفراص
( ثقافات )
تتميز رواية”طريق الغرام” للقاصة والروائية المغربية”ربيعة ريحان”، بتقابل واضح بين بدايتها ونهايتها، إذ أن مايسترعي إنتباه القارىء عند الوقوف على نقطة نهاية العمل الروائي هو هذا التقابل بين شيئين متضادين هما البداية والنهاية، إذ أننا مع مفتتح العمل الروائي، وهي بدايتها,نقف على حالة افتراق، تمت بين”فوزية” أو فوز، وبين زوجها “سمير” بعد رحلة في رحاب الجامعة للدراسة تنتج عنها علاقة تعارف تؤدي إلى علاقة حب وعشق ثم زواج,ليعيشا تحت سقف واحد,هذا السقف الذي لن تطول تحته المعاشرة والعيش الثنائي,حين تكتشف”فوزية” عنف زوجها ولامبالاته وبروده تجاهها,منذ الأسابيع الأولى للمساكنة والعيش المشترك,,ولن يطول بها الوقت كثيرا وهي تعيش على المعاناة اليومية والمستمرة، حتى تكتشف ما هو أفظع وأكثر زلزلة لكيانها ويقينياتها في زوجها سمير، فتتبعثر روحها وتتهدم أمام هول الصدمة حين تعرف شذوذ الزوج وميولاته الجنسية إلى صنف الرجال,حيث يقضي الليالي في البحث عن اللذة لإطفاء نار غريزته الشاذة حين يكون تحتهم..وفي هذه العتبات الأولى من صفحات الرواية,نقف على حالة الطلاق ونهاية حياة زوجية,فنرافق الساردة في التعرف على الأحداث والوقائع السابقة التي أدت إلى هذه الوضعية المحزنة,وهي تلتجىء إلى بيت جدتها من الأم,والتي تجد فيها السند الكبير والحضن الأدفأ والعقل المتفتح والذي سيعرف كيف يتعامل مع حالة الحفيدة المنكسرة,بحنو وتمرس وخبرة أكسبتها الكياسة وحسن التصرف,وهي تحاول ترميم نفسية الحفيدة المنهارة، والتي تعيش في عزلة وظلمة,بعيدا عن الناس، مخافة أن يصيبوها بسهام كلامهم على حالتها كفتاة مطلقة,زيادة على أن هذا الطلاق تم بسرعة كبيرة ولم يعمر طويلا,مما يساعد على تأجيج كثير من الأسئلة في عقول من يعرفونها أومن هم حولها..وإذا كنا نقف مع بداية أحداث الرواية على نهاية حياة زوجية ,ونتعرف مع مصاحبتنا للصفحات القادمة منها على ظروف نشوء العلاقة العاطفية وعلى الأسباب التي أدت إلى انتهائها نهاية مدمرة،فإننا بالتوازي نترافق مع نشوء أحداث علاقة تعارفية جديدة,لكنها تجري في عالم الإفتراض وسرعان ماستتطور وتنمو لتصل إلى حد علاقة عشقية وغرامية أخرى,ففي الوقت الذي كانت فيه “فوزية” تقتل بقايا الألم النفسي العالق بذاتها كمخلفات من الماضي,وتعمل على وأده ودفنه للتخلص من آثاره المدمرة,فإنها في نفس الوقت تجد لنفسها فسحة لترميم تشققات روحها,بالحب نفسه الذي كان عاملا في كسر خاطرها وتحطيمها كأنثى وزوجة,وكأنها تعمل بهدي شطر البيت الشعري الشهير”وداوني بالتي هي الداء”، إلا أن الحب الذي تداوي به جروحها النفسية هذه المرة، كان فقط كلمات وجملا وأبيات شعر تأتيها طائرة من لندن حيث يقيم العاشق الجديد، فتراها تتراقص على شاشة زرقاء فتتراقص معها مشاعرها وخيالاتها,فتقرر مع مرور الزمن أن تنغمس فيه وتذهب إلى النهايات سيما وأن مفعول هذه العلاقة العشقية كان كالترياق والعلاج النفسيين اللذين سيساعدان فوزية على الخروج من عزلتها ومن محنتها ,بالإضافة لما بذلته الجدة بحضورها وكياستها لجبر الخاطر ومداواة الجروح..
أما مانقصده بانتهاء الرواية على بداية،أو ببداية، فهو الحدث الذي تنتهي به الرواية وتقفل عالم حكيها وسردها به,حين هاتف الصديق الشاعر العراقي المغترب في لندن,صديقته وحبيبته “فوز” ليعلمها بأنه قد وصل إلى المغرب قادما إليها للتعرف عليها,وليتوج معها علاقة طويلة ابتدأت فصولها من رحم الإنفصال والإنتهاء من فصول زواج بات من ذكريات الماضي,ولتبدأ فصول حكاية غرام جديد في الواقع والإنتهاء مع زمن الرسائل المتبادلة في العالم الإفتراضي، إنه دفن لزمن ينتهي,لينهض من ثناياه ومن عمقه زمن آخر جديد يولد، فالزمن هنا لايمضي إلا بعد أن يكون أمدنا بزمن آخر جديد على أنقاضه,إنه الموت الذي يهب الحياة من أحشائه,سينتهي عالم الإفتراض ويأتي عالم الواقع، بهاتف يصل إلى مسامع فوز التي تقفز,لتقطع الطريق,، وتتمنى,أن تطوى بأسرع وقت ممكن,لتصل إلى الرجل,الذي أحياها بعد “ممات” ورمم روحها بعد تشققات وانكسارات,لتقف أمامه,أخيرا وتحضنه,بعد حياة عاشاها معا على كلمات,تسافر من لندن إلى آسفي,وتعود قافلة منها إلى لندن، لتستقر في النفس وتحمل كل واحد منهما على أن يرسم في خياله للحبيب صورة يراها مؤتلقة ومتألقة في ذهنه..وهاقد جاءت اللحظة المنتظرة بشوق وشغف عارمين,وبزخم عاطفي ينتظر لحظة انفلاته من عقاله للتعبير عما يجيش به القلب.وفي المسافة التي تقطعها “فوز” بعد توصلها بخبر وصول “يوسف” الآتي من ضباب لندن ومن غياهب الفيسبوك إلى شمس مراكش وواقع الحقيقة,كانت فوز في رحلتها هذه المشوقة تسحب عاطفة القارىء,يجري وراءها,أو بجانبها للحاق بمكان اللقاء وبمحطة العناق,حيث يقف يوسف ينتظر في الظل كما أجابته وطلبت منه فوز التي كانت في الطاكسي منتشية,تطلب من السائق أن يسرع قليلا وينهب المسافات أكثر.
” رن جرس المحمول فجأة في حقيبتي، فصرت أبحث عنه وأنا أهدىء من روعي، إنه رقم يوسف.
.ألوووو
.هلا عمري..
.على السلامة يوسف وصلت؟..
.أنا في المكان الذي وصفته لي من قبل.
.أنا قريبة منك.إنتظرني في الظل.
اكتملت الدورة في مايبدو وهاروحي ترقص من الخوف والفرح,تماما كما يحدث لكل الشجعان.قلت لسائق الطاكسي أن يسرع قليلا ,فهمهم بشيء لم أسمعه.
كانت الساعة تشير إلى الواحدة بعد الظهر تقريبا,لحظة الذروة والنشاط المحموم”ص 188.
هنا تنتهي رواية”طريق الغرام”,على سطر أخير يوحي بما يوحي,ويشير إلى الحركة الدائبة,في الخارج وضمنا إلى ذلك الجيشان والعنفوان اللذين يصطخبان في الداخل,داخل روح فوز,وهي في الطريق إلى الحبيب يوسف المنتظر في الظل,وهذه النهاية في الرواية،هي بداية أخرى، لعلاقة أخرى. لأحداث أخرى,لعوالم عشقية أخرى..كيف ستيدأ؟ كيف ستكون؟ وكيف ستنتهي؟ ربما تلك حكاية أخرى تنضج في عقل “فوز” لتحكيها لنا كقراء في رواية تابعة,نتمنى ألا تكون طريق الغرام فيها مكسرة الحواف,وألا تنكسر فيها الأحلام الجديدة مرة أخرى على يد العاشق الجديد\القديم الذي جاء محملا بأسراره الخاصة من عالم الهجرة،على فوز أن تكتشفها وتسبر أغوارها دون أعطاب في الروح والوجدان بحيث ربما ستكون استفادت من خبرات الماضي وتجاربها المريرة مع “سمير” زوجها السابق……
“طريق الغرام” رواية مغربية تنبىء على أن المبدعة ربيعة ريحان ليست قاصة فحسب بل هي أيضا روائية قادمة تحمل إضافات غنية ونوعية لما تراكم من منتوج روائي ,في الساحة الثقافية والإبداعية المغربية… ويكفي هنا الإشارة إلى شيء واحد يتجلى في تعامل الروائية مع حضور الفيسبوك في حياتنا الحديثة والتغيرات التي يحملها لسلوكاتنا اليومية ولتفاعلنا مع الحياة ومع العالم…لقد تعاملت ربيعة ريحان مع العالم الإفتراضي باقتدار متعاطيي هذا الجهاز والمتعاملين مع عوالمه وأساليبه….
طريق الغرام: رواية طبعة أولى2013 عن دار توبقال للنشر بالمغرب
_________
*كاتب من المغرب.