“لو ضرباني الآن،لوقّعت على أي ورقة يريدونها”


الطبعة الحديثة التي صدرت عن دار “بينغوين” عن الكتب الكلاسيكية، تقدم نسخة أنيقة من رواية “ظلام في الظهيرة” التي كتبها آرثر كوستلر غيّرت المناخ الثقافي في القرن العشرين وتحمل على غلافها لوحة تمثل فرانسيز بيكن في عمل شهير بعنوان “رجل كئيب” رسمت عام 1984: رجل يرتدي بدلة، جالس عند منضدة.

والخطوط العامودية للستارة، من خلفه، تبدو وكأنها قضبان غرفة في السجن، وربما يواجه التحقيق، والأمر الذي أثار الدهشة أن وجهه قد أتلف وتم مسحه، فماذا يمثل هذا الرجل الذي تم إتلافه!
إنها صورة مهيبة ترافق رواية آرثر كوستللر، إنها صورة مهيبة على غلاف رواية آرثر كوستللر، عن رجل ينتمي إلى البلاشفة، يتم اعتقاله ومحاكمته من قبل السلطة، وفي النهاية “يعترف” ثم يقتل.

وفي ملاحظة كتبها في مقدمة روايته التي تعتبر من اشهر الروايات السياسية في القرن العشرين، يقول كوستلر إنها تتطابق مع حياة عدد غير قليل من الرجال الذين كانوا ضحايا لما عرف بمحاكمات موسكو، والكتاب يستحق القراءة فعلاً.

وعلى الرغم من عدم ذكر اسم ستالين، فان القائد الذي يطل عبر لوحته له تحتل الكثير من الجدران والتي تدعى (رقم-1)، و”ظلام في الظهيرة” تتحدث عن خيانة المرحلة الستالينية في الاتحاد السوفيتي للحلم الاشتراكي، كما كتب أوريل: “ان كوستللر يتحدث عن الظلام، ولكنه ظلام يحدث في الظهيرة، وحتى إن حاول القارئ تقليب صفحات الرواية، فإنه سيجد كلمات “الظلمة” و”الظلام” يترددان باستمرار لتأكيد الحالة السيئة للبلاد، ففي البداية، عندما يعتقل روباشوف في منتصف الليل بناء على أمر من الشرطة السرية ويقول احدهم، “لقد قيل لنا انه يحتمل الظلام.. وعندما تم نقله إلى السيارة كان ما حوله ما يزال مظلماً، والقمر يتدلى باهتاً وبارداً.
ومن المثير أن آخر صفحتين، تتحدثان عن روباشوف، المنكسر يسير إلى زنزانة موته، ويتساءل، “أين الأرض الموعودة” وبعد ان ينهالوا عليه بالضرب على رأسه، يقول: “لقد جاءت الظلمة وأن البحر يؤرجحه على السطح”.

وما أن يشم رائحة الحزام الجلدي للمسدس، ويرى شخصاً غير محدّد الجسد، فوقه يسأل قبل ان تهدأ كافة الأمور، “بأي اسم ترفع المسدس الأسود” ؟!
وكوستللر نفسه كان قد سجل اسمه في سجل “الماركسية-اللينينية” وفي عام 1931، كان هناك صحفي هنغاري في المانيا، قدم نفسه للعضوية في الحزب الشيوعي وتأثر جداً من انجازات الاتحاد السوفيتي في أوائل الثلاثينات، وبدأ يكتب الدعاية للحزب، وبعد تمرد فرانكو، ذهب إلى إسبانيا في خلال الحرب الأهلية وتم سجنه آنذاك بعد انكشاف أمره، ومثل راباشوف، وضع منفرداً في غرفة بالسجن، ينتظر إطلاق النار عليه “ولكن سراحه أطلق بسبب انتخابات جديدة”. وكان تراجعه عن الشيوعية سريعاً، وقد ترك الحزب، مع ترؤس ستالين، وفقد الكثير من إيمانه مع توقيع اتفاقية بين النازية والشيوعية.

كتب كوستلر روايته باللغة الألمانية عندما كان يعيش في باريس التي هرب منها عام 1940 قبل دخول الجيش النازي إليها.. وقررت النحاتة دافيني هاردي، صديقته، ترجمة الكتاب إلى الإنكليزية ولكن كوستللر فرّ إلى البرتغال، حيث سمع هناك عن سفينة تتوجه إلى إنكلترا وعليها هاردي وهي تحمل مخطوطته معها.. ولكنه سمع بعد ذلك عن غرق تلك السفينة، فأقدم على الانتحار “أخذ أقراصاً من أحد الأشخاص” ولم يمت..

وفي خلال الطريق كان قد تناول الغداء مع توماس مان وتناول المشروبات مع ديلان توماس، وأصبح صديقاً لجورج اورويل. وفي الأربعينات أطلق سراح كوستللر من مخيم الاعتقال بفضل جهود نويل كوارد، وفي الخمسينات أسس مع آخرين مجلساً لحرية الثقافة، وفي السبعينات كان يلقي المحاضرات التي تترك أثراً على مستمعيه ومنهم سلمان رشدي. ومازالت رواية، “ظلام في الظهيرة” مع رواية أورويل، “مزرعة الحيوان”، ورواية “لقد اخترت الحرية” لفيكتور كرافشينكو، لها الأهمية كونها دراسة عن الخوف وقسوة الدولة.

ويقول كوستللر في روايته: “ينام راباشوف على سريره ويحدث في الظلمة.. يرى دخول اثنين بملابس رسمية.. لقد تمنى فقط أن يتم الأمر سريعاً.. إن ضرباني الآن، فإني على استعداد لتوقيع أي شيء يريدونه”.
________
عن الغارديان

شاهد أيضاً

العهدُ الآتي كتاب جديد لمحمد سناجلة يستشرف مستقبل الحياة والموت في ظل الثورة الصناعية الرابعة

(ثقافات) مستقبل الموت والطب والمرض والوظائف والغذاء والإنترنت والرواية والأدب عام 2070 العهدُ الآتي كتاب …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *