*رشيد أركيلة
يموت المبدع إن كان عالما أو كاتبا، لكن نظرياته وقناعاته يكتب لها الخلود.. تخليد يجعل وفاة الراحل مجرد سبات قد يصحو منه بقدرة قادر. فيكتور هوغو، الكاتب الكبير، هو أيضا رجل القناعات، المتأثر بسوء مصير عامة الشعب والضعفاء منهم على الخصوص، والذي وظف موهبته لخدمة الأهداف النبيلة؛ هو أيضا قوة من الطبيعة وعاشق كبير! شخصيته الجديرة بالاحترام، تحصل اليوم على ألبوم لقصة مصورة، تحاكي سيرته غير العادية.
فيكتور هوغو، على حدود المنفى، لإيستير جيل ولوران باتورو يصدر عند دانييل ماغين؛ معرض الفن هذا، ألحق منذ بضع سنوات بدار للنشر، تنشر على الخصوص مؤلفات بالرسوم والصور والقصص المصورة، تعُد في رصيدها القليل من العناوين، لكنها دائما ذات جودة عالية.
حياة وأدب
فيكتور هوغو، على حدود المنفى، حكاية ترسم وجهة نظر مبتكرة حول ذلك الرجل العظيم، حيث تمزج بين الواقع والخيال، الحياة والأدب.
في 1853، كمعارض سياسي شرس لـنابليون الثالث، يوجه له انتقادات لاذعة يضمنها في كتاباته التي يرسلها من مخبئه بجزيرة جيرزي الأنكلو-نورماندية.. هو أيضا، أب يائس لم يحظ بأي نوع من المواساة أو التعازي منذ وفاة ابنته ليوبولدين، فيجري سلسلة من الجلسات الروحية في محاولة للتواصل مع الراحلة.
تظهر له هذه الأخيرة، فتومئ له بأن وفاتها غرقا عندما تحطمت السفينة بعرض نهر السين، على مستوى فيلكيي، قد لا تكون مجرد حادثة.. يقرر هوغو الانتقال إلى مكان الكارثة في محاولة للحصول على المزيد من المعلومات.. قلادة وجدت على جثة شارل فاكري -الذي مات وهو يحاول إنقاذ ليوبولدين؛ زوجته- تجرّ الشاعر إلى تقفي آثار ملاح غامض.
يخاطر بنفسه، لاحتمال إلقاء القبض عليه في أية لحظة من طرف شرطة الإمبراطورية، فينتقل إلى باريس حيث أن سجلات العمالة تتضمن بيانات حول هوية ذلك الرجل: إنه يدعى تينار؛ بالعاصمة يمكن لـهوغو الاعتماد على ليوني داوني، ملهمته وعشيقته، ويحصل بمحاسن الصدف على المساعدة من الشاب غافروش، حين تقوده المغامرة إلى دروب الأحياء المشبوهة؛ لكن دون أن يعلم بذلك، فالشرطة تراقبه في شخص المدعو فرانسوا فيدوك..
فاجعة هادئة
انطلاقا من الجوانب المظلمة التي لا تزال تحوم حول كارثة فيلكيي، إيستير جيل ولوران باتورو ينسجان بذكاء.. هكذا يتخيلان رحلة بحث تقود فيكتور هوغو إلى مصادفة شخصيات مدعوة لتصير مواضيع لرواياته، نستشف من خلالها وجوها رمزية لتلك الحقبة.
نابليون الثالث طاغية متحكم، لكنه أيضا بارون هوسمان، الذي يهدف من خلال أشغال أوراش التعمير، إلى إعادة تهيئة باريس العتيقة وتطهيرها.. وإنشاء شوارع واسعة تتيح للجيش التصدي بسهولة للهجمات المحتملة للثوار، وتحطيم الحواجز التي قد يقيمونها!
بالموازاة مع كل ذلك، نتتبع المسار المأساوي لـجون شارل طابنير، موظف بسيط يعيش في سلام بجزيرة غيرنيسي خلف هذه الواجهة المحترمة، إنه في الواقع رجل نصاب وزوج هوائي لعوب، يُسكن عشيقته وابنهما غير الشرعي ببنسيون السيدة صوجون.
هذه الأخيرة اغتيلت والعمارة احترقت؛ عندما ألقي القبض عليه بمكان الجريمة، سيصبح طابنير المتهم الأساسي، يصدر الحكم عليه بالإعدام شنقا، فيرق قلب فيكتور هوغو لحاله ويتعاطف معه بإصدار عريضة التماس للتخفيف من الحكم.
تتردد الحكومة الأنكليزية، لكن السفير الفرنسي يتدخل بالضغط والتصدي للتأثير الذي قد يحدثه فيكتور هوغو على الرأي العام. يظهر الجانب النبيل للكاتب كمدافع عن حقوق الإنسان، يناضل من أجل إلغاء عقوبة الإعدام.. لكن قناعاته هذه، أليست مهددة بالانهيار إذا ثبت أن حادثة فيلكيي كانت في واقع الأمر جريمة قتل؟
هذا هو التساؤل الذي يطرحه مؤلفا هذه الحكاية المصورة الخطيرة والمأساوية، برسومات أنيقة وجذابة، بصفاء نموذجي يشدّ القارئ باستمرار.. لنغتنم هذه الفرصة لإعادة قراءة فيكتور هوغو!
________
*( العرب)