*توفيق عابد-عمّان
تقدم رواية “أصل وفصل” للروائية سحر خليفة صورة بانورامية للوضع الفلسطيني في أواخر العهد العثماني مرورا بمرحلة الانتداب البريطاني حتى بدايات النكبة، وتتوزع أحداثها في ثلاث مدن رئيسية هي نابلس وحيفا والقدس وأماكن فلسطينية أخرى كأحراش يعبد.
وفي رؤية نقدية بعنوان “اليهودي الطيب.. الإنجليزي الجنتلمان”، تساءل الناقد والشاعر عبد الله رضوان: هل كانت الروائية سحر خليفة أمينة على الفترة التاريخية والأحداث التي اختارت أن تقدمها روائيا؟
وحسب رضوان، تشوره الرواية صورة الفلسطيني في علاقته مع اليهود وكأنهما ليسا في حالة حرب ومقاومة استيطان، فالسيد “رشيد” ينشئ شركة استيراد وتصدير عبر البحار مع شريكه اليهودي إسحق شالوم، ويقومان معا بتهريب السلاح والمستوطنين.
النموذج اليهودي
وتعمل الروائية جاهدة على إعلاء هذا النموذج ليكون أنموذجا للفلسطيني التاجر، فلماذا التشويه؟ يتساءل رضوان.
كما يلاحظ أن الشخصيات النسوية الفلسطينية -باستثناء التربوية أم أحمد وليزا وعليا صديقة وداد في المدرسة- سلبية ومتخلفة ورجعية، ويلمس رضوان “إعلاء مفتعلا” لليهودي الطيّب عبر اليهودي العراقي المليونير خضوري الذي تبرع بإقامة معهد زراعي للفلسطينيين في طولكرم وآخر لليهود في مستعمرة كفار طابور.
كما لمس الصورة الحضارية الإنسانية المتميزة للمندوب السامي البريطاني “الجنتلمان” “المتعاطف مع العرب، والذي يعمل سرا ضد اليهود ويحب جلسات العرب”. فهل نسيت الروائية ابنة نابلس أوامره بنسف بيت آل عرفات النابلسي لأن جنوده وجدوا فيه عددا من الطلقات “الفشك”؟ يتساءل الناقد رضوان.
وحسب رضوان، هناك تشويه مقصود لإضراب 1936 الذي رأته فاشلا وتسبب في تجويع الشعب الفلسطيني، وللشيخ عز الدين القسام حيث قدمته بصورة الشيخ البسيط واعتبرت رفاقه لصوصا وقطّاع طرق كجماعة “الزيبق”.
ويتفق الناقد إبراهيم خليل مع رضوان حيث يرى أن الرواية ألقت بعض الشكوك على ثورة القسام وجعلت مقاتليها مجموعة من اللصوص وقطاع الطرق.
“وفضلا عن أن هذا غير صحيح”، فإنه يسيء للشعب الفلسطيني الذي ما زال يقاوم المشروع الصهيوني، حسب خليل.
لماذا هزمنا؟
وفي ردها على قراءة رضوان، قالت سحر خليفة إن هدفها بحث أسباب الهزائم المستمرة العائدة إلى عدم الاستعداد الكافي وغياب التخطيط، قائلة إن أحدا لا ينكر أن القسام أخذ معه إلى الجبال 18 رجلا -معظمهم عمال بسطاء وفلاحون أميون- سحقهم جنود الانتداب بعد اغتيالهم ضابطا يهوديا.
وقالت إن ما أوردته في الرواية مثبت تاريخيا وإنها لا تتحمل مسؤولية أن من يشعرون بالإهانة لا يقرؤون التاريخ، مضيفة “واقعنا كان كذلك.. وبرأيي لن نستطيع اقتحام آفاق الغد دون الاعتبار والتعلم من أخطاء الماضي”.
وحول اتهامها للفلسطينيات بالسلبية، اعتبرت نفسها رائدة تحرير المرأة وأنها تعرضت لانتقادات من اليساريين بهذا الخصوص، وقالت إن شخصياتها النسائية أقوى من الذكورية.
ورأت خليفة أن هناك حاجة إلى “مراجعة علمية لتاريخنا حتى نستطيع كتابة وصفة لأسباب هزائمنا ومن المسؤول عنها”، قائلة إن “من يزعم أنني أتهجم على إضراب 1936 فليقرؤوا مذكرات المرحوم أكرم زعيتر وغيره من الذين اعترفوا بأن الإضراب كان غلطة”.
وتساءلت “كيف يدافع بعض الكتاب عن عائلات متنفذة أنا سليلتها وأعرف مشاكلها ودورها التاريخي؟”.
وقالت “بسبب قلة الثقة بأنفسنا وضيق الأفق نخجل ونخاف من تحليل ودراسة مشاكلنا خوفا على السمعة الزائفة واحترامنا لأنفسنا بشكل زائف”، واعتبرت أنها تتحدث عن التاريخ دون محسوبية لأي عائلة.
كذبة كبرى
بدورها ترى الناقدة الدكتورة رزان إبراهيم أن الرواية تظهر أن اليهود أتوا بالأموال والمعارف والمهندسين واستوطنوا بينما كان العرب في غفلة، قائلة إن هدفها الرئيسي هو كشف أسباب فشل الثورة وليس الإساءة لأي طرف فلسطيني.
وقالت إن الرواية تحمل مشاهد تعد تعزيزا لمظاهر التحضر الإسرائيلي، وفي حال اقتطاعها من سياقها يمكن أن تسيء للفلسطينيين، من قبيل مشهد “كيبوتسات” يهودية بزرع أطول وأنضر مما لدى العرب، حيث يفهم منه أن شجر الزيتون زرع وترعرع في عشر سنوات بأيد يهودية.
لكنها نبهت إلى أن أي قراءة متمعنة تربط النص بسياقه ستظهر أن الروائية أرادت أن تقول إن هذه كذبة كبرى، وإن الزيتون كبير في السن منذ عهد المسيح.
أما عن طيبة اليهودي، فتقول الناقدة إن خليفة طرحت تساؤلات مستترة من قبيل: كيف يكون طيبا من يحمل للعربي نظرة دونية ويصور القروية الفلسطينية بأنها دابة تحبل وتلد أو غولة بلا رقة أو أنوثة؟ وكيف يكون طيبا وهو الرافض لأي مشروع يفترض تعامل العرب واليهود على قدم المساواة؟
وختمت بالتأكيد أنه “لا يجوز الانطلاق من جزئية معينة أو جملة لنقول هذا رأي الكاتب”.
_________
*(الجزيرة)