* كرم نعمة
وصفت رئيس تحرير صحيفة الغارديان الطبعة الاسترالية انتقال الصحافة الورقية إلى الرقمية، بأنه أشبه بالتحول من الحالة الصلبة التي تقدم الكتب والصحف المطبوعة إلى التدفق الحر في حالة سائلة، مع إمكانيات لا حدود لها وبسرعة هائلة تكاد لا تصدق.
وعرضت كاثرين فاينر في محاضرة مطولة لها في مدينة ملبورن رؤية تاريخية ومستقبلية عن مصير الصحافة في العالم.
واعتبرت مقاومة الصحفيين التقليديين للتغيير المتصاعد مضرا بالصحافة نفسها، مطالبة الصحفي اليوم بأن يدرك أن دوره كصانع للحقيقة وشارح لها قد ولى.
ورفضت اعتبار التدفق الحر للصحافة على الانترنت مجرد قيام “المواطن الصحفي” بنشر قصصه الشخصية، بل هو بصدد إعادة رسم تصور دور الصحفي في المجتمع وعلاقته الأساسية مع الجمهور، ومعرفة كيف يفكر القراء.
وقالت فاينر التي التحقت بالغارديان منذ عام 1997، وتشغل حاليا منصب نائب رئيس تحرير الطبعة العالمية إضافة إلى رئاسة تحرير الطبعة الاسترالية إن الإنسان منذ أن بدأ باستخدام اللغة كان صحفيا بطريقة ما، عندما كان يتناقل الأمور بروايات وحكايات ونميمة، ثم جاء عصر الطباعة قبل 500 عام ليعطي الانطباع بالحسم وتقديم القول الفصل.
وشددت بقولها ان الانترنت أعاد “صحافة القيل والقال” بمشاركة المواطن الصحفي في تحرير وبث الإخبار، بعدما كان أقصى ما يفعله إرسال رسالة إلى محرر الصحيفة الورقية بصفته قارئ وينتظر أن تنشر.
وأوصل الانترنت القارئ السابق للصحيفة الورقية إلى أن يكون مشاركا يتحدث ويرد ويجادل، بل ويحارب وجهة النظر التي تتبناها الصحيفة.
ودمر الانترنت التسلسل الهرمي الذي كان يضع المحرر في مستوى مرتفع عن القراء، وكان في أفضل الأحوال يعرف علاقته مع القراء عبر الرسائل التي يتلقاها منهم وقد ينشرها أو يرفضها.
واتفقت مع الآراء التي تعيد تسمية القراء بـ”الجمهور السابق” في عهد الصحيفة الورقية، على اعتبار كان هناك القليل من الكتاب والكثير من القراء، وأصبح اليوم من الصعوبة بمكان معرفة الفرق بين الاثنين، بعد أن غير “الجمهور السابق” مكانه من مجرد الجلوس وقراءة الصحيفة الورقية، بالمشاركة في التحرير من أي مكان يكون فيه.
وذكرت في المحاضرة التي نشرت نصها صحيفة “الغارديان” البريطانية كاملة، إن القراء غالبا ما يعرفون أكثر مما كان متوقعا سابقا، مشيرة إلى دورهم في عرض مجموعة من الحلول لمعالجة تسرب النفط في المياه العميقة في خليج المكسيك عام 2010، بعدما عرضت الصحيفة مساحة لمشاركة القراء للحد من التسرب.
وقالت إن أفكار القراء ساعدت الغواصين المحترفين والمهندسين البحريين، في معالجة التسرب. وكان دور الصحيفة آنذاك إخضاع تلك الأفكار للتدقيق والنشر لتخرج بقصة إخبارية غنية ومفيدة.
واستنتجت بأن الصحفيين اليوم أكثر عرضة للمسائلة حول دقة معلوماتهم، بفضل تسارع المعطيات على الانترنت من قبل “المواطن الصحفي” واستقلاليته وحيويته في نشر الأخبار، الأمر الذي يدفع الصحفي ليقوي أدواته وتقديم مادة بلا ثغرات.
وعرضت فاينر مجموعة من الأمثلة التي صادفت هيئة تحرير “الغارديان” وكيف غيرت بعض المواد بعد ساعة من نشرها بفضل معلومات من القراء وليس من مصادر الإخبار.
وقالت لا شيء يحدث من هذا لولا لم تكن الغارديان مفتوحة على شبكة الإنترنت.
وأكدت على أهمية مساهمة القارئ في صناعة القصص الإخبارية للجريدة بعد ان يفشل المحرر في إيجاد معلومات عن موضوع ما، عندما تنشر الجريدة على موقعها الالكتروني سطرا واحدا وتنتظر مساهمة القراء في تنمية القصة المقترحة.
وطالبت في نهاية محاضرتها الموسعة بإعادة صياغة النقاش حول معضلة الصحفي اليوم، والتخلص من وهم فكرة مستقبل الصحافة الآمن، رافضة الخلط بين فرص عمل الصحفي وبين جذب المزيد من الإعلانات التجارية للتمويل، ومتسائلة “كيف يمكن لمستقبل الصحافة أن يكون آمناً، بينما التمويل يأتي من خارجها؟”.
واقترحت تعريفا جديدا للصحفي لترك الفكرة الكلاسيكية السائدة عنه، والإشارة بوضوح لمعرفته التكنولوجية، وعدم الخجل من علاقته العدائية بالحكومة.
واختتمت محاضرتها بالقول “لا يمكن اختصار الثورة الرقمية بالتغير التكنولوجي وحده، بل في تحول السلطة، وقدرة شبكة الإنترنت المفتوحة أن تكون مساحة ضخمة الديمقراطية”.
________
*( ميدل إيست أونلاين)