( ثقافات )
أحيا الشاعر العربي العراقي عبود الجابري في (محترف رمال) في عمّان، السبت 5/10/2013، أمسية شعرية أهداها إلى أرواح أصدقائه الراحلين من الشعراء والفنانين; حيث فقدت الساحة الثقافية العربية الكثير من رموزها بشكلٍ مباغت خلال فترة قصيرة.
فاجأ الجابري الحضور ، بأن قرأ : “الغرفة الحادية عشرة (تمجيد الغرف الخاوية)”، و “قميص لايمتُّ لك بصِلة”، و” شارعُ في بغداد”، و ” هناك من يشعل ناراً” ، و ” تلوين الأعداء” ، و” رصاصٌ كثير ولا أغنية”، و” في تأويل الرنين “، و “مراسمُ تنصيبٌ بابلية”، وهي أحدث قصائده، التي لم تنشر بعد، ولم يشارك فيها في أمسيات سابقة، الأمر الذي لاقى تفاعلًا كبيرًا من الجمهور الذي جاء رغم الجو البارد، في أمسية بدأت بألحان المؤلف الموسيقي عامر محمد، و سيطر ت عليها المتعة الخالصة.
الشاعرة لانا المجالي التي قدّمت الأمسية ، اختارت أن تعرّف عليه من داخل قصائده،قالت:
( يرتّبُ النّجوم حسْبَ أعمارها، يُمسِكُ بأطراف الأرضِ كلحافٍ قديم. حزنُهُ صديقٌ للبيئة، وأوجاعُه قَديمةٌ جداً، ولا أحد يساومهُ عليها. يلوِّنُ الأعداء بالفحم/ يا الله، لا أعداء لهُ . و حينَ سقطَ لَم يُحدِث رنينًا، ولكنَّهُ ، على عكس ما توقّع، لَفتَ انتباهَنا جميعًا.
هو الذي لا يسجدُ بجبينٍ مبتلٍّ على التراب المالح. بائعُ التُحفِ ،حبيبتُهُ ابنة الله; يتركُها تستريحُ في الحُلم قليلًا ، ريثما ينامُ الموتُ و يُعدُّ لها الوطنَ كاملًا . يضعُ العيدَ تحت مخدتهِ ، عندما ينام، آملآ، أن يلبسَه ُ دونما تجاعيد …. ينكسرُ من جهة القلب فقط، فأريحوا معاولكم التي تحفرُ في رأسهِ، فهو لا يحفَلُ بالهزائم، ولم تأخذهُ في الخوفِ لومةُ نائم; لأنّهُ ليسَ واحدًا من هؤلاء ..هو جميعُهم ) .
وتحدثت عن تجربته الغنيّة قائلة:
( قصيدته ، تُحلِّقُ في سماءِ الشعرِ عاليًا، بعد أن احتفى بتفاصيل صغيرة التقطها من الحياة العابرة أو من أعماقه الكثيفة، و خلّصها من فائضِ لغةٍ ، ثم قام بتأثيثها بمشهديّةٍ عاليّة ، إذ تُشكِّلُ في مُجمَلها لوحةً تشكيليّة تُحرِّضُ على الجمال ،متسلحًا بمخزونه الثقافي ومرجعياته المتعددة، سَعياً نحو ‘ رؤيةٍ’ و ‘ رؤيا’ ، تُلمِّحُ أو تُصرٍّحُ -كما هي غاية الشعر الحقيقي- بنبوءةٍ ما) .
ثمّ أضافت إن : “(عبود الجابري صاحب ” “فهرس الأخطاء” و “يتوكأ على عماه” و “متحف النوم” ، من الشعراء العراقيين الأكثر زهدا بالأضواء ، وهو و إن كان يقيمُ في عمّان منذ عشرين عامًا ، إلَا أنّه ما زال يخشى أن يشتمَهُ الفُرات، إن توضَّأ بماء الآخرين، وهو لا يعرفُ سبلا إلى الكتابة سوى تلك التي تمرُّ بالبلاد .البلاد التي لم يعشقها إلا عندما أنّثَ الوطن، وهو المُصاب بإعادةٍ الأشياء إلى أسمائِها ).
من الجدير بالذكر، أن ّ ( محترف رمال) الذي يقع في جبل اللويبدة ، ويطلق رواده عليه لقب ” وزارة الثقافة الشعبيّة” ، بدأ منذ فترة بتنظيم مثل هذه الأمسيات وتوثيقها بالصوت والصورة ضمن أنشطة رائدة أخرى بإشراف الفنان عبد العزيز أبو غزالة وأخلد نواس ، سعيًا منه نحو تنشيط الساحة الثقافيّة ، مبتعدّا عن الشللية التي شاعت في الوسط مؤخرًا .
من أجواء الأمسية ، تنقل لكم ( ثقافات ); التي كانت هناك ،هذه المقتطفات من قصيدة الجابري ” هناك من يشعل ناراً”:
يا ألله
هناكَ منْ يُشْعِلُ ناراً في الجَّبلِ البعيدِ
أكادُ أراهُ يفتِّشُ عنْ حجَرينِ،
ليقدَحَ شرارةً في مديحِ الخَشَبِ اليابسِ
وإنْ شِئتَ وصَفتُهُ لكَ،
بعينَيْ عاشقٍ
أكادُ أراهُ يفركُ يديْهِ،
كمنْ ينظف راحتَيْهِما منْ سوادٍ قديمٍ
النّارُ يا ألله
أحاولُ أنْ أتقصّى سببَ لهفتِهِ إلى الدفءِ
فلمْ أبصِرْ امرأةً ترتجِفُ هناكَ
لمْ أُبصرْ طفلاً يلتصِقُ بإهابِهِ
لم أُبصِرْ منَ الدَّوابِ مايسرَحُ في قمَّة الجَّبلِ
لكنَّهُ سيُشعلُ ناراً
في الجَّبلِ البعيدِ
___________
اجلِسْ قريباً منَ الأرضِ
حينَ تعتريكَ رغْبةٌ في البُكاء
اجلِسْ كيْ لاتَنكَسِرَ الدَّمعةُ،
حينَ تسقُط ُعلى الأَرضِ
لعلَّكَ تعودُ يوماً،
فتبصرُ شجَرةً
وتقولُ :
يا أللهْ ، ليَ دينٌ قديمٌ
في رقبةِ هذهِ الشَّجرة …
_____________
الطِّفلُ الَّذي فكَّرتُ بالكتابةِ عنْهُ
كَبِرَ فجأةً بينَ السُّطورِ
ولمْ أتَعرَّفْ على ملامِحِهِ ،
كنتُ أريدُ الكتابةَ عنْ صوتِه
قبلَ أنْ يُسافرَ في خشونةِ الأغاني ،
عنْ بكائِهِ النّاعمِ في جيوبِ أُمِّهِ
صارَ ينظُرُ إلى الأطفالِ،
يمسكونَ بأيْدي النِّساءِ ويفكِّرُ:
أينَ يَمضي هؤلاءِ الصِّغارُ
بأحزانِ أُمَّهاتِهم
حينَ يكبرونَ
ولا يجِدونَ سطوراً
ينامونَ بينَ حروفِها …؟