المدن الملونة


عائشة سلطان *

كنت أستغرب من ذلك التأثير المفاجئ والسريع للألوان على مزاجي الشخصي، وقد اعتبرته أمراً خاصاً بي، مع يقيني بأن الألوان في حد ذاتها رائعة وتدفع للبهجة والمسرة.

كما لم أكن أعي حجم تأثيرها العميق في النفس والممتد في الحضارة الإنسانية، وعبر العالم بمدنه ومتاحفه وأزيائه وجدرانه، حتى وقعت على كتاب صغير يتحدث عن علم النفس اللوني ضمن مجالات علم النفس. يختص علم النفس اللوني أو الرمزية اللونية بالعلاقة بين الفن وعلوم الإنسان، حيث تشير الرمزية اللونية (كما جاء في الويكيبيديا) إلى استخدام الألوان بوصفها رمزا في جميع الثقافات. فدلالة اللون وإيحاءاته تختلف من حضارة إلى أخرى، فدلالة الأسود عند الفراعنة تختلف عنها عند الإغريق أو الهنود، فيما يشير علم النفس اللوني إلى تأثير اللون على المشاعر والسلوك البشري دون أن يعني العلاج بها طبياً. 

الرمزية اللونية وعلم النفس اللوني مبنيان ثقافيًا على روابط تختلف باختلاف الزمان، والمكان، والثقافة، فقد يكون للون الواحد رموز مختلفة جدًا وآثار نفسية متباينة. الرمزية اللونية هي مجال مستمر للدراسة تعتمد على مجموعة كبيرة من الأدلة التراثية القصصية، كما أن النظر إلى التراث الإنساني القديم جداً والحديث والمعاصر يكشف لنا وبوضوح عن علاقة قوية جداً بين الألوان وتأثيراتها على السلوك والمزاج.

ووفقًا للعديد من الدراسات النفسية، فقد تمت الإشارة إلى كل لون وعلاقته بالمزاج البشري، هذا السر الذي كشفه إنسان الحضارات القديمة مُنذ آلاف السنين فاستخدم مجموعة مختلفة من الألوان لطلاء المنازل والجدران، حين لاحظ كيف يتغير مزاج وصحة ونفسية الإنسان بتغير الألوان المحيطة به.

لاحظت أنني كلما سافرت في إجازتي السنوية فإنني والعائلة لابد أن نقصد مدينة صغيرة في مكان قصي يستغرق منا ساعتين للوصول إليه، وهي في الواقع مدينة صغيرة جداً خالية من أي متع تميزها أو مظاهر سياحية يمكن الإشارة إليها ولو بسطر واحد. لكن شعوراً بالبهجة يطل من عيون أهلها لمحناه بوضوح منذ الزيارة الأولى فشاركناهم بهجتهم الخفية التي اكتشفنا بعد فترة من الزمن أنها تعود بعد المناخ الجميل والطبيعة النضرة، إلى الألوان البهية التي تطلى بها جدران البيوت والفنادق الصغيرة، هذا فضلاً عن الطريق الطويل العابق بالألوان وتحديداً الأخضر الذي يقول علم النفس اللوني: إنه يرمز للنماء والطبيعة النظيفة والسلام والتجدد، وكذلك المبادرة، بمعنى: امضِ، أو انطلق، ولذلك استخدم في الحضارة الغربية كلون الانطلاق في إشارات المرور.

وبالمصادفة، فقد كنت في غرفة انتظار أحد الأطباء فوقعت عيناي على عنوان لافت على غلاف إحدى المجلات حول (المدن الملونة)، قرأت الموضوع باستمتاع كان سببه الرئيسي تلك الصور والمعلومات القيمة حول أشهر المدن الملونة في العالم. إن هذه الصفة تطلق- حسب المجلة- على تلك المدن بسبب تنوع ألوان أبنيتها وطبيعتها المحيطة، حيث تشتهر بجدران ملونة ومنازل مزينة تشعر حين تطالعها كأنك تتأمل لوحة فنية خاطفة للعين والقلب معاً، وهذا أحد الأسرار السياحية أو الثقافية التي تجعل البعض يتردد كثيراً على تلك المدن.

من بين تلك المدن، لمحت ما يطابق تلك المدينة التي لا آمل التردد عليها للسبب نفسه، جمالية الألوان الآسرة التي يتفنن أهل المدينة في استخدامها لطلاء منازلهم، لذا فإنني أود وأتمنى بل وأحلم أن يأتي ذلك اليوم الذي نتخلص فيه من طلاء منازلنا بالأبيض والرمادي و”الأوفوايت” فنحن أكثر احتياجاً لمدن ومنازل ملونة.

* إعلامية وأديبة من الإمارات

شاهد أيضاً

فرويد وصوفيا في جلسة خاصة

(ثقافات) فرويد وصوفيا في جلسة خاصة د. صحر أنور جلس سيجموند فرويد أمامها ينظر إلى …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *