رحيل الأديب السوري عبد النبي حجازي


*ماهر منصور

أعلن في دمشق عن رحيل الأديب السوري والسيناريست عبدالنبي حجازي، الذي وافته المنية في دمشق اليوم الأحد، عن عمر 76 سنة. الراحل شغل مدة 9 سنوات مديراً للهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون، كما شغل مناصب عدة في اتحاد كتاب العرب، ورئس اتحاد إذاعات الدول العربية في تسعينات القرن الفائت، وكتب الرواية والمسلسل التلفزيوني إضافة إلى الزاوية الصحفية.

على مدار سنوات تجربته الإبداعية، قدّر للكاتب حجازي أن يتولّى إدارة التغيير في موقعه، لكن التغيير الأبرز كان في إدارته للتلفزيون السوري، ورغم ما يُسجل باسم الرجل من إنجازات، إلا أن إنجازه الأهم كان في دوره الرئيسي في إرساء قواعد لانطلاقة الدراما السورية نحو الفضائيات العربية في التسعيينات، على يد عرّاب “السينما المتلفزة” المخرج هيثم حقي، ورفيقه في تلك المرحلة المخرج مأمون البني، إضافة إلى مخرجي التلفزيون وقتها، هشام شربتجي، ومحمد فردوس أتاسي وبسام الملا، وفي مرحلة تالية المخرج نجدة أنزور.
تلك الفترة كان القاسم المشترك في الأعمال هو الراحل عبدالنبي حجازي، سواء كاتباً درامياً، حيث أنجز مع المخرج حقي، الملحمة الدرامية السورية “هجرة القلوب إلى القلوب”، التي تعد فاصلة في تاريخ الدراما السورية، بعدها لا يشبه ما قبلها، أو مسؤولاً يجلس على رأس مؤسسة التلفزيون، الجهة المنتجة للدراما السورية آنذاك. وفي عهده، تحرك القطاع العام ممثلاً في التلفزيون لعقد شراكات إنتاجية مع القطاع الخاص السوري والعربي، وعبرها غزا الدراما السورية، وخلال هذه الفترة سجل باسم الدراما السورية إنجاز مسلسلات “هجرة القلوب إلى القلوب” و”دائرة النار” للمخرج هيثم حقي، و”أبو كامل” للمخرج علاء الدين كوكش، و”أيام شامية” و”العبابيد” للمخرج بسام الملا، و”شبكة العنكبوت” للمخرج مأمون البني، وسواها الكثير، وهي الأعمال التي مهدت المناخ ليحمل القطاع الخاص مسؤولية الدراما السورية، فكان مسلسل “نهاية رجل شجاع” و”أخوة التراب” و”الجوارح” للمخرج نجدة أنزور، إضافة إلى ما سجله المخرج حقي في “خان الحرير” و”الثريا”، ومخرجون آخرون بشكل متزامن مع هذا الأعمال. 
كل ذلك يجعلنا نعتقد أن الراحل عبدالنبي حجازي هو من مؤسسي انطلاقة الدراما السورية نحو السوق العربي، وهو راعي الفترة الذهبية لدراما القطاع العام الدرامي السوري، قبل أن أن يتقهقر، ويتراجع لصالح القطاع الخاص.
درامياً يعد السيناريست عبدالنبي حجازي الأكثر إخلاصاً لبيئته، وتاريخ سورية، لم تسقط أي من التحولات التي شهدتها سورية من نصوصه الدرامية، ولعل في أعماله الكثير ما يصلح أن يكون منصة لإعادة قراءة ما حدث، تمهيداً لتأسيس لما يجب أن يحدث.
شيخ المخرجين السوريين هيثم حقي، اعتبر، على صفحته الشخصية في “فيس بوك” أن الراحل حجازي “أحد أهم كتاب الدراما والرواية السوريين”، واستذكر المخرج حقي تجربته مع الراحل حجازي، قائلاً: “تشاركنا معاً في اثنين من أضخم المسلسلات الدرامية السورية “هجرة القلوب إلى القلوب” و”الأيام المتمردة “، والفيلم التلفزيوني “نقطة ببحر”، وكان بيننا مشروع لم يكتمل لنقل روايته التي أعتبرها من أهم الروايات السورية “صوت الليل يمتد بعيداً” إلى السينما والتلفزيون”.
وأكد المخرج حقي أن الراحل عبدالنبي حجازي “آمن بقدرة سوريا على إقامة صناعة تلفزيونية واتخذ قرارات جريئة تحمّل مسؤوليتها بصفته مديراً عاماً للإذاعة والتلفزيون في سبيل المساعدة على نهضة هذه الصناعة. واستفاد من وجود وزير متحمس للإنتاج الوطني ليقدم الإمكانيات التقنية التي لم يكن يمتلكها سوى التلفزيون الرسمي لتكون نواة انطلاق القطاع الخاص الذي قام بدور كبير في انتشار هذه الصناعة الهامة ، وتبوئها مكانتها المرموقة التي نراها عليها اليوم”.
كتب عبدالنبي مجموعة من الروايات السورية التي احتفى بها الوسط النقدي بما تستحق، ويسجل باسمه أول رواية صدرت في اتحاد الكتاب العرب هي “قارب الزمن الثقيل” التي نشرها اتحاد الكتاب العرب مع ديوان للشاعر الراحل محمد الماغوط، والتجربة الإبداعية الروائية للراحل تستحق دراسة معمقة، أتركها للمختصين بالنقد الأدبي.
يتفق الكثيرون أن الكاتب عبدالنبي حجازي، لم يضع اتجاه بوصلته خلال الأحداث الصعبة التي تعصف بسورية اليوم، ولعل الرجل الذي التحف الصمت في كثير من الأحيان، كان أكثر بلاغة ممن امتهنوا الكلام. وفي صمت عبدالنبي حجازي، تكمن تراجيديا الحدث السوري اليوم، كما لم تلتقطها نشرات الأخبار، بكل ما تختزنه من حزن وألم.
رحل صاحب “هجرة القلوب إلى القلوب”، لعله كان يأمل أيضاً قبل الرحيل أن تهجر قلوب السوريين نحو قلوب السوريين مجدداً، كم نحتاج اليوم أن تلتقي القلوب.
________
*24

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *