كأننا نشيّع بعضنا بعضاً


*حسين نشوان

فيا عاطف الجميل،
وداعاً..
بالأمس رحلتْ رفقة دودين ودُفنت في مسقط رأسها بالكرك، واليوم يفر عاطف الفراية بجناح من الشعر إلى غموض القصيدة.. ويعود ليحضنه مسقط رأسه؛ الكرك.
يا لأحزان أيلول،
وأحزان الجنوب التي تقع مرة واحدة كالمطر،
تصيب قلوبنا بالأسى والحزن مرة واحدة..
يا لأيلول،
كم يرفق بورق الأشجار والورد، ولا يرفق بالأرواح..
يا للحظة تصيب أصابع الفؤاد بنار الغياب المفاجئ..
ولا نجد الوقت للوداع، ولو على عجل
قبل أيام كان عاطف في عمّان وكأنه جاء مودّعاً، كان يريد أن ينجز كل شيء دفعة واحدة؛ البيت ومنزل العمر، مدونات الأعمال الشعرية الكاملة، وإحياء أمسيات شعرية في كل البلاد يقرأ فيها أوجاعه وغربته التي خذلت قلبه.
كأنه جاء يودّع الأصدقاء، وعمّان، والكرك، ويرحل هناك إلى قلبه الذي خذلته حصاة من الدم بالكاد ترى على ما يتسع قلبه وشرايينه من حب وأحلام.
كان في عمّان عندما أعلن فوزه بالجائزة الأولى لمهرجان المسرح بالفجيرة، وكنا فرحين بفوزه بجائزة المونودراما، ولفرط حبه للنص كان يريد أن يقرأ أجزاء منه لكل الأصدقاء، وكان شعلة من النشاط خلال انتخابات رابطة الكتاب، وكان له موقف حول سياسات الرابطة وبرامجها، ورأيٌ في الشعر والكتابة والسياسة يجهر به من خلال مدونته ونقاشاته، كان مشاكساً، لكنه على حق حتى لو اختلف معه الآخرون.
كانت قصيدته التي تنتمي للقمح والتراب مثل أنثى قروية جميلة، رغم ما تحمل من حزن، ومسرحه على ما يحمل من وجع، لا يخلو من رقة، وكان على قامته الباسقة مثل زيتونة في أول الشتاء، يتنقل كفراشة، ويرشّ عطر الفرح على الجميع، كأنه كان يريد أن يقول: إنّ «تعبي وشقاي» لقيَ التقدير وإن كان متأخراً.. لكنه تحقق ولقي التقدير، وإن صدى كلامي ونصي وقصيدتي التي حملتها عقوداً أينعت وأزهرت، وحتى لو كانت في تربة غريبة، لكنها أزهرت وطرحت عذقها حلواً.
كانت روحه على جهامة حصّاد أرقّ من بتلات الورد الأبيض، كطبع أبناء الحراثين الذين ترقق قلوبهم الحياة على قسوتها.
كان عاطف الذي أنجز كل ذلك الشعر سَبلاً يموج في سهول الكرك، وشامخِ جبالها، كان مخلصاً لذلك الانتماء في النص والموقف، مخلصاً لمشروعه الإبداعي، ومخلصاً لوطنه الحلم، يتعفف المغانم، ولا يشغله سؤال اليومي إلا لتعميق فكرة النص وجوهر الكتابة..
عاطف الذي كانت أرضه الشعر وبيته القصيدة، رحل فجأة إلى غموض النص تاركاً الأصدقاء في وعر الحياة.
________
*(الرأي)

شاهد أيضاً

في اليوم العالمي للشعر: كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !

(ثقافات) كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !  هذا ما قاله المكسيكيّ خُوسّيه بَاشِيكُو …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *