رزان نعيم المغربي *
( ثقافات )
كتبنا وما كتبنا … وياخسارة ماكتبنا
كتبنا مية مكتوب ولهللأ ماجاوبنا
تلك الطفلة الصغيرة، لاتتجاوز السابعة من عمرها، تقف على الشرفة ، في لحظة نادرة، تجعلها متسمرة ، دون ان يصدر عنها الضجيج المعتاد، ذاك الصباح البعيد ، كنت هناك، في الطرف المقابل و فيروز تغني ، عن الكتابة والمكاتيب التي لايرد عليها ..
ذاك وقت مبكر ، على قدرة الاستيعاب، لكن القصة التي ، لايمكن نسيناها أبداً، أن هذه الأغنية الأولى، التي علقت في الذاكرة، كان وعي حاد، في تلك اللحظة ، كنت احدث نفسي، بأن ما اسمعه أغنية حقيقية ، وكل ما سبقه من ألحان سمعتها في الأفراح، أو تلك التي الأغاني غير المفهومة المعاني، بصوت والدتي ، ترددها في البيت وهي منهمكة في الغسيل والطبخ ، والجلسات النسائية مع صاحباتها ، يطلبن منها أن تتغنى، بموشحات وقدود وتختمها بالعتابا والميجانا، بعد زمن انتبهت لتصنيف الألحان، لكن حتى لحظة وقوفي، على الشرفة، ومذياع الجيران يرسل لي صوتاً ملائكياً، لم أكن انتبه إلى الغناء ..
كنا نبعتلو مكتوب يبعت مكتوبين … شو صايرلك يامحبوب مغير من شهرين ؟
حرقني هذا السؤال في تلك الطفولة ، اتصور الصبية العاشقة ، وهي تكتب الرسائل (المكاتيب) ثم تذهب نحو البريد وتضع عليها طابعا، وتجلس لايام طويلة منتظرة رداً لا يأتي، فيروز تغني وأردد وراءها مثل كورس حقيقي ، وازدادت دهشتي ، عندما اكتشفت انني حفظت اللحن وكلمات الأغنية.. وصارت شغلي الشاغل طيلة ايام ، يومها سمعتني جدتي ارددها، في الليل كانت الحكاية مستمدة من الواقع ، عن البنت التي تكتب الرسائل إلى حبيبها ، ثم تقع الرسالة في يد شقيقها الأكبر ، وتنال نصيبها من التعنيف !! لم أكن مسرورة ، بهذه الحكاية التي تكرر على منوالها الكثير ، ومبكراً اكتشفت مصيدة حكايا الأرهاب، تلك التي تقف في المرصاد لكل قصص العشاق، وكان لابد من تمرير حكاية شخصية، أن من بين اسباب عدم تعليم البنات ، في المدارس ، هي منعهن من كتابة المكاتيب!!!
ارقتني فكرة المكتوب ، وازدادت الفكرة عمقا، كلما خرجت من البيت ، وقرأت اللوحة المعلقة بمحاذاة بيتنا (مكتب البريد) ، كنت أدخله ، لمراقبة مكتب والدي المميز ، وكيف يحترمه كل العاملين ، لأنه المدير ، كان هناك عصبياً ينهر كثير منهم ، وعندما يعود في الساعة الثانية ظهراً، تعود معه البشاشة والطيبة ، وأنال كثير من اهتمامه، وحرصه على تعلم القراءة ، ليس من كتب المدرسة بل ، من مجلة الأطفال التي صارت تصلني مطوية وملفوفة بورقة في منتصفها كتب عليها (الآنسة رزان) ، ثم صارت ترسل إلى مدرستي ، وتأتي معلمة الصف الثاني بها إلى صفنا، وتقرأ بعضاً من قصصها ، بينما أتلفت حولي ، أراقب وجوه زميلاتي وزملائي، هل انتبهوا أنني احظى بتلك الميزة الرفيعة أم لا؟
… وعم أكتبلك ها المكتوب تا يروح ويوصلك … ومابعرف يامحبوب شو رح ائدر ائلك .. وتضرب باصابعها جوجيت صايغ على الالة الكاتبة … تغني : لو كان خطي مليح بكتبلك بالريشة …. وتتابع صور ارسمها من كلمات الأغنية … سطور الرسالة التي تبكي العاشقة وخوفها من ضياع الرسالة …
كلمات الأغاني هي ماجذب انتباهي، وتلك الصور ، لفتيات عاشقات ، ليس لهن سوى الكتابة مساحة للتعبير ، بينما تطاردني حكايات الجدة عن رسائل مصادرة، من الأب والأخ الأكبر ، كنت استعجل الوصول إلى مرحلة كتابة الرسائل ، في داخلي تحدي ما ، من فكرة التحريم ، بينما والدي في مكتبه ، يأمر وينهي ، يعطي خطوط الهاتف للمحظوظين ، ويوقع على أوراق تسليم أكياس كبيرة لونها بيج قاتم ، لسيارة تأتي يوميا وتقف بجانب المكتب، ذات السيارة كانت وسيلة مواصلات شخصية لوالدي ، فهو المدير المسؤول عن كل الرسائل التي تحتوي كلمات الغزل والغرام المحرمة ، بعرف جدتي.
انتهت الدراسة، ونجحت إلى الصف الرابع ، بترتيب ممتاز، كنت امتلك صفحات فارغة من كراسة المدرسة، استلقيت على بطني ، وتحتي فراش خفيف ، في بداية العطلة الصيفية، راسي يقترب من الورق المسطر وبيدي قلم ، وكتبت عليها : ابن عمي العزيز ناصر … لااتذكر كل ما كتبته يومها ، لأن والدي قاطعني : ماذا تكتبين ؟
– مكتوب ..لابن عمي ، سوف اخبره بنجاحي !
– جيد سأقرأ الرسالة ولا أريد أي خطأ إملائي فيها !
تدخلت جدتي هنا وطلبت أن اكتب سلاما منها إلى عمي، بينما والدتي تسألني، هل تعرفين كيف تكتب الديباجة ؟
هذا كل ما أتذكره، عن تحريري لأول رسالة إلى شاب صغير، أرسلتها وحظيت بمباركة الجميع ..
* أديبة من ليبيا