*حوار : حسن عبدالموجود
”من الكتاب المثيرين للجدل”، هذا أول ما سيطالعك في الصفحة التي خصصتها له “ويكيبديا”، وهذا حقيقي إلى أبعد درجة، فالكاتب الستيني الكبير صنع الله إبراهيم، ليس من نوع الكتاب النمطيين، لا في أعماله الأدبية، ولا في أرائه.
يبدو صاحب “بيروت بيروت”، و”اللجنة”، و”نجمة أغسطس”، ميالاً إلى العزلة. عزلته اختيارية، لا يقطعها أبداً إلا لحدث مهم، وعلى فترات متباعدة، ومن الصعب أن تجده مشاركاً في نشاط رسمي، وليس ضيفاً دائماً علي منتديات المثقفين، وهو تسبب في صدمة كبيرة لوزارة الثقافة في عهد فاروق حسني، وجابر عصفور، حينما رفض جائزة الرواية عام 2003، لأسباب تتعلق بالانحدار العام الذي تسبب فيه النظام “المخلوع”، مؤكداً أنه لا يقبل جائزة من وزارة تتبع ذلك النظام، ومنذ ذلك التوقيت بدأت الوزارة، وقلدها في ذلك، حتى، المؤسسات الخاصة، في إجبار المتقدمين لجوائز، أو حتى من ترشحهم جهات، على تقديم ما يفيد بقبولهم الجائزة في حالة فوزهم بها، حتى ترفع عن نفسها حرجاً مشابهاً للحرج الذي سببه صنع الله.
ومؤخراً أدلى الكاتب الكبير بحوار، هاجم فيه الدكتور محمد البرادعي بعد تخليه عن الثورة في توقيت حساس، واستقالته من منصبه كنائب لرئيس الجمهورية المؤقت، ورأيُ صنع الله الحاد لاقي احتفاءً من كثيرين ضايقهم موقف البرادعي، غير أن هناك من أكد أن صاحب “شرف” ذبحه وأجهز عليه تماماً. في هذا الحوار يتحدث صنع الله حول كثير من القضايا، ما الذي ينقص الثورة، والإعلام، والتخبط الحكومي، وأيضاً تأثير الأحداث السياسية الملتهبة على مقروئية الأدب وعليه شخصياً، والبرادعي مرة أخرى..
صنع الله هو من اختار أن يبدأ من “الإعلام”. كان لديه كلام ليقوله في هذا الشأن:
– “وضع الإعلام اليوم لا يسر، هناك سيطرة لأذناب النظام السابق بشكل أو بآخر، في كل مكان، في القنوات والصحف، ثم أن الملكية ذاتها مسألة تستحق التفكير والمناقشة، بمعنيى.. من يملك ماذا؟ كل الناس الذين “طبَّلوا” وكانوا يمسحون الجوخ لمبارك وأذنابه موجودون كما هم، سواء في الصحف أو القنوات، ولكنهم في الفترة الأخيرة بدأوا يُظهرون أدمغتهم أكثر من خلف الجحور، وهكذا يستضيف أحد البرامج “فأراً” حقيراً ليتحدث حول علاقته بمبارك، وكيف كان يتصل به، لأنه رئيس تحرير. شيء مخز ومؤلم.
ونحن لو نظرنا بدقة إلى صحفنا سنجد أن المهنية منحدرة جداً، سواء في صياغة الأخبار أو في تغطيتها. أنت تقرأ أحياناً وتعجز عن فهم ما يُقال، أو ستجد شيئاً متناقضاً، أو ناقصاً، وهكذا، وهناك أمر يتعلق بالوضع الاقتصادي لمن يعملون في الجرائد بالذات، وخصوصاً في الصحف المستقلة، فلو نظرت ستجد أن هناك عدداً محدوداً من الأشخاص يحصلون على مرتبات عالية جداً، فيما يحصل الباقون على ملاليم مقارنة بهم، وهذا طبعاً يدفعهم إلى العمل اضطرارياً في أكثر من مكان حتى يعيشوا، وبالتالي هذا يقلل من درجة أدائهم، وما يمكن أن نستخلصه من هذا أنه لا بد من إعادة النظر في اللوائح المالية الخاصة بتلك المؤسسات، وأيضاً إعادة النظر فيما يحصل عليه شباب الصحفيين، وبالمناسبة هذا يجعلني أحيِّي ما حدث في “أخبار الأدب”، وأعتبره نموذجاً لما يجب أن يحدث في كل مكان، وهو أن هيئة التحرير، أو المحررين الذين تحملوا عبء الجريدة منذ أن صدرت يتولون أمرها. كانت هناك محاولة حدثت في جريدة الأهرام بعد الثورة لانتخاب رئيس مجلس الإدارة وانتخاب رئيس التحرير والهيئة التحريرية من الموجودين، ولكن يبدو واضحاً أنها لم تنجح، وعموماً أنا ضد فكرة استقدام شخص من الخارج، لأي اعتبارات، وهذا مطلب أساسي يجب أن يحدث تمسك به.
الشيء الآخر أنه يجب البحث أو التفكير في صوت يمثل الجانب الآخر، الثوار، والشباب، ولكن هذا الصوت غير موجود. كل الصحف المستقلة والقنوات يملكها أصحاب رؤوس أموال وغالبيتهم الساحقة نشأوا في عهد أنور السادات واغتنوا وسمنوا من القروض التي حصلوا عليها من البنوك في عهد مبارك، وبالتالي لا بد من البحث عن مصدر آخر بعيداً عن قنواتهم، وعلى سبيل المثال هناك ضرورة لوجود قناة فضائية مستقلة عن كل هذا، بمعنى.. هل جبهة الإنقاذ وكل هذه الأحزاب والتنظيمات والحركات الثورية عاجزة عن إنشاء قناة؟ وعلى أسس رأسمالية كاملة؟ لا بد أن تكون هناك صحيفة مستقلة أيضاً، ويتم تكرار تجربة “البديل” بشكل أو بآخر، لقد كانت تجربة فيها جانب مشرق، وأيضاً كانت بها بعض العيوب، أدت إلى نهايتها، ولكن هذا لا يمنع من وجود محاولة أخرى لخلق جريدة مختلفة عن الصحف الموجودة، وقناة مختلفة عن القنوات السائدة، ومن ضمن الأمور التي أدت إلى فساد المهنة هو الدور الذي تلعبه الإعلانات، فهناك عدد كبير جداً من الصحفيين تحولوا إلى مندوبي إعلانات، وهذا مؤسف للغاية.
النقطة الأخيرة في هذا الموضوع أيضاً، ما تعرضت له شخصياً في الفترة الأخيرة، حيث أدليت بحديث، وفي هذا الحديث سُئلت عن رأيي في ترشيح عبدالفتاح السيسي لرئاسة الجمهورية فقلت إنه رجل وطني، ولكن هذا موضوع سابق لأوانه، وفوجئت بعد ذلك بنشر الحوار بعنوان يؤكد أنني أدعو وأؤيد ترشيح السيسي، ثم تلقفت صحيفة أخرى الموضوع وقالت إنني دعوت إلى ترشيح السيسي، وهو ما يعني أن الموضوع بدأ “يتضاعف” وأنا هاتفتهم فنشروا تصحيحاً ولكنه خبيث جداً، يقول إنني لم أدع إلى ذلك بشكل مباشر. هذا شيء مخجل في الحقيقة، وأنا أتصور أن جزءاً مما حدث يرجع إلى المهنية، شخص ما حاول صياغة عنوان ساخن، وهكذا فإن الأمر الأساسي الذي يقف خلف ما حدث ويحدث هو الآفة التي نعاني منها، وهي التزلف، والنفاق ومحاولة مسح جوخ للقوات المسلحة وللسيسي على أساس أنه النجم الصاعد وهكذا.
هناك كثيرون فعلاً في الجرائد انقلبوا من التطبيل للإخوان للتطبيل للسيسي..
هذا يعود كما ذكرت للتزلف. كل واحد يريد أن يكرر تجربة هيكل مع عبدالناصر، وموسى صبري مع السادات، كل هذا في صحف ليست قائمة على اقتصاد سليم، ولكن نشأت بشكل طفيلي ما، وفي بلد فقير ومتخلف وكان محتلاً.
* أليس لديك تخوف من أن يصب كلامك في مصلحة الإخوان الذين يصورون الإعلام، من دون تفريق، باعتباره إعلاماً مغرضاً، وفلولياً، ويقلب الحقائق، وعلى رأسها أن ما جرى في 30 يونيو انقلاب وليس موجة ثورية جديدة؟ وما القنوات والوكالات التي تتابعها، إذا كان ذلك هو رأيك في الإعلام؟ هل تتابع الوكالات التي يشهد لها المثقفون، رويترز علي سبيل المثال؟
- (ضاحكاً) رويترز تكذب بسهولة، يا خبر أبيض، كنا طوال عمرنا نسمع من يهتف: “الـ BBC قالت”، وأنت تقول للشخص: “يا حبيبي الـ BBC مستحيل تكون بريئة تماماً، ولكنه يرد عليك قائلاً إنها “محايدة والعاملون فيها إنجليز ومستقلة”. هذا كلام فارغ. أنا معك أنها مستقلة، ولكنها تخضع لتمويل. حينما تذهب إلى البنك لتحصل على قرض لا بد أن تقوم بأشياء، ولا بد أن تكون هناك ضمانات. لا توجد أشياء محايدة أبداً وبالذات في العالم الرأسمالي، ولا حتى عندنا. فيما يتعلق بي شخصياً أنا أتعب جداً في محاولة استخلاص الأخبار، حيث أشاهد كل القنوات وأقرأ كثيراً من الصحف، وأقارن الأخبار، وأرى ماذا قال هذا الشخص، وماذا حاول الشخص الآخر أن يُخفي، وتاريخ هذا الشخص، ولحسن الحظ أنني عشت من أيام الملك وعبدالناصر والسادات، وأتذكر تاريخ من يتحدثون حالياً جيداً، وحينما أجد أحدهم، في آخر لحظة، قبل وقوع 25 يناير، ينعق في التلفزيون دفاعاً عن مبارك، وأجده اليوم يتحدث بمنتهى الراحة، فهذا أمر غريب، وهذا أيضاً ينطبق على شخص آخر كان مندوب السفارة الأمريكية، وأصبح يتصدر المشهد الآن. الناس لا ينسون، وإنما لكل حادث حديث.
والأخطاء المرعبة التي تحدث وانقلاب مواقف هذه الشخصيات وغيرها يلقي بظله على مصداقية الأنباء والتحليلات، فالتحليلات، على سبيل المثال، فيها أمور غريبة، بمعنى أن هناك من يصدعنا كل لحظة ويقول لنا إنه خبير استراتيجي، أنا شخصياً لا أعرف ما الذي يعنيه مسمى “خبير استراتيجي”. هذا لغز لا أستطيع فهمه. كلمة خبير بمفردها “ماشي”، فأي شخص قد يكون خبيراً، ولكن ما الذي تعنيه كلمة “استراتيجي”؟ هل تعني أن خبرة هذا الخبير استراتيجية، أي أنها ستكون في المستقبل؟ أم أنه خبير في الشؤون الاستراتيجية؟ وما تلك الشؤون الاستراتيجية؟ هذا ضحك على الناس بطريقة غير معقولة، أي شخص تافه يمكن أن يقول عن نفسه إنه “خبير استراتيجي”، ويظل يُفتي ويقول، ولكن هذا لا ينفي أن بعضهم يعمل مع المخابرات والأمن ولديه معلومات فعلاً. هذه هي أهميتهم، ولكنهم ليسوا خبراء استراتيجيين، وإنما خبراء أمنيون.
*وفيما يتعلق بالإخوان؟
-هذا لا يعني ما يزعمه الإخوان. إنهم يستغلون الأخطاء والبرامج ويتحدثون عن أن المعلومة المقدمة مزيفة. لا، ليست مزيفة. نحن نشاهد صوراً ونقارن، وهناك عشرات المصادر، ومن المستحيل أن يكون كل هذا الإجماع على أن هناك شيئاً بعينه حدث في منطقة ما، ثم لا نصدق ذلك، بالإضافة إلى أن الشعب أصبحت لديه ثقة في قواته المسلحة وفي قيادتها الحالية. هذه الثقة لم تكن موجودة بالنسبة للقيادة السابقة، وهذه الثقة خُلقت من خلال الدور الذي تلعبه القيادة الحالية بوعي وبحكمة وبتجرد وإحساس وطني عال.
*وما الضمانات لأن لا تتحول هذه القناة إلى صوت موجه لجبهة الإنقاذ أو للأحزاب أو للتيار؟
-ما الضمان لأي شيء في مصر اليوم؟ إنه ميدان التحرير، والشارع، علينا أن ننشئ هذه القناة فوراً فلا يوجد ضمان آخر. ودعني أسأل أيضاً: ما الضمان لأن السيسي لن يقوم غداً بانقلاب عسكري؟ ما الضمان ألا ينقل نفسه من مكان إلى مكان؟ إنه الشارع.
*زرتَ بيت عبدالناصر وقلت إنك تعمل على رواية عنه، فأين وصلت في تلك الرواية؟ وبمناسبة عبدالناصر هل ترى أن مصر في حاجة حالياً إلي زعيم؟
-أولاً.. أنا لا أتحدث عن أي شيء أعمل عليه. ثانياً.. مصر تحتاج إلى قيادة وطنية واعية، تواجه الظروف المعقدة التي يمر بها البلد، من وضع اقتصادي سيئ، وهجمة رجعية متمثلة في الإخوان المسلمين، إلى تحالفات معقدة ما بين الدول، وهي تحتاج إلى نوع من السلاسة واليقظة الشديدة في التعامل معها.
نحن نحتاج إلى قيادة عصرية حديثة، وأعتقد أن هذا هو مفهوم الزعامة، إنما الفكرة يجب ألا تتحول إلي شيء آخر نحن والعالم أجمع تخطيناها، وهي عبادة الفرد، وفكرة القائد المنزل المنزه، كان هذا موجوداً في الخمسينيات والستينيات في مرحلة التحرر الوطني، واحتياج الشعوب لبابا، سكارنو في أندونيسيا، غاندي في الهند، كيندي في أمريكا، وعبدالناصر في مصر، وغيرهم، كان هذا في مرحلة انتهت لأن الشعوب نضجت واكتشفت أن هؤلاء الآلهة لم يكونوا آلهة ولعبوا دوراً معيناً خلال فترة معينة والظروف ساعدتهم، وأعتقد أننا شُفيِنا من مرض عبادة الفرد والبحث عن زعيم ملهم، ومرة أخرى.. نحن نحتاج إلى قيادة واعية، وإذا انحرفت عن مسارها يمكن تغييرها بسهولة كما شاهدنا وعاينَّا.
*هل هناك أسماء من الموجودين حالياً ينطبق عليها كلامك.. أم أنك تتحدث عن شخصية افتراضية؟
-لا أتحدث عن شخصية افتراضية، أي شخص من الموجودين يتصدى للمسؤولية ويكون لديه برنامج واضح وحس وطني يستطيع أن يفعل ذلك. أسوأ شيء قام به السادات ومبارك الانفتاح و99٪ في يد أمريكا. كل هذا كان “كوم” والشيء الذي كانت تريده أمريكا وإسرائيل كان “كوم تاني”، وهو تغيير سيكولوجية الشعب المصري، والحس الوطني، ومن أجل هذا مُنعت الأغاني الوطنية طوال فترة السادات، ومن أجل هذا أيضاً تغير النشيد الوطني، كان ذلك أحد شروط أمريكا، وهكذا استحضر النظام اللواء الدكتور محمد عبدالوهاب ليلحن بلادي بلادي، ويعمل لحناً رخواً، قارن هذا بـ “والله زمان يا سلاح” ستجد أن الفارق شاسعاً جداً. هذا هو ما عملوا عليه طوال أربعين سنة، فترتي السادات ومبارك، حتى أوصلوا الناس إلى التفكير في الهجرة قبل 25 يناير. الوطنية والإحساس بالهوية ومصالحها وإرادتها انتهت وأصبح الناس يسعون إلى أن يكونوا خدامين عند الأجانب، وهذا هو ما تغير في 30 يوينو، أصبح هناك اعتزاز بأنك مصري تستطيع أن تُعارض وترفع صوتك عالياً، وأسقطت شخصين في عامين، هذا هو ما سيبقى الإحساس بالوطن وبالتالي يجب أن نعمل على تقوية ذلك ليستمر.
*هجومك على محمد البرادعي أحدث صدى كبيراً ما بين مؤيد ومعارض لكلامك.. هل تابعت ذلك وكيف ترى من يقولون إنك ذبحته؟
-أنا كنت حاداً قليلاً، لأن تصرفه كان سيئاً، وضاراً، وتكشفت خلفيات بالتدريج حول ما كان يجري من محاولة ترتيب اتفاق مع الإخوان على أساس أن يأتي رئيساً للحكومة. كانت هناك أشياء مريبة جداً تحدث، بالإضافة إلي أن هناك نوعاً من الناس كانت لديهم بقايا رغبة قديمة في أن يكون هناك “بابا”. واحد فجأة نزل المطار، ووجد الناس تجري لمقابلته سعيدة جداً بأن رجلاً محترماً وحكيماً وله سمعة دولية وحاصل على جائزة نوبل قد ظهر، إنما مثل هذا النوع من الناس أصبحنا غير محتاجين له، إن لم يكن لديه نوع من المثابرة على الموقف. كان البرادعي يظهر ويختفي، يأتي ويذهب، ماذا كان يفعل؟ لا أحد يدري، وصاحبه في الوقت نفسه، خلال عام 2010، ظهور عدد من الناس، شخصان أو ثلاثة، أصبحوا نجوماً حالياً، تفتح أي قناة أو جريدة ستجدهم، يتحدثون ويحكون ويحللون ويُفتون، وهم يفعلون ذلك بشكل جميل جداً. إنهم خبراء في الحديث والرغي، الشهادة لله يعني، ظهر هؤلاء فجأة ومنهم من دخل لجنة سياسات مبارك، ومنهم من له علاقات بمراكز أبحاث أمريكية، ومنهم ومنهم. ما الحكاية؟ هل تعتقد أن الأجهزة الغربية وعلى رأسها المخابرات الأمريكية نائمة؟ لا. إنهم تعمل، ولكن ماذا تعمل؟ بالطبع تقوم بتنفيذ سيناريوهات، وخلال ذلك يتم إعداد ناس وتحضيرهم، ومنهم من يُكمل، ومنهم من يختفي، ومنهم من يغير مواقفه فجأة، مثل صاحبنا أبوذقن الذي غيَّر موقفه من أكبر عميل في المنطقة لأمريكا إلى شخص يتحدث ضدها، وضد هيمنتها.هناك من وصف البرادعي بأنه “الأب الروحي للثورة”، إذن وما “كفاية”؟ كانوا أعضاء الحركة يخرجون في الشارع ويتعرضون للضرب من قبل أن يفتح أي شخص فمه، في سنة 2004، رأيتهم أول مرة وكانوا خمسة شباب يمسكون بلافتة مكتوب فيها “لا للتوريث”، ثم بدأت الحركة تتمدد وتتعرض للاضطهاد. هذه الحركة هي الأساس فيما حدث.
البرادعي صنع ضجة، ووجه ضربة قوية جداً في الوقت المناسب للثورة، ثم ذهب إلى بروكسل، فلماذا فعل ذلك؟ لماذا ذهب إلى بروكسل؟ ماذا سيفعل هناك؟ إنه شخص مستقيل، وطردوه من جبهة الإنقاذ أو قطعوا علاقتهم به أو لا أدري، فباسم من سيتحدث؟ باسم مصر، إذن علي أي أساس؟
* حالة الإنكار الإخوانية متي تنتهي في تقديرك؟ وهل أنت مع المصالحة التي يدعو إليها البعض حالياً؟
-لا يمكن التصالح مع قتلة. هؤلاء لا يُصنفون سوى في هذا الباب، هناك خارطة طريق وشبه إجماع عليها، ولا بد أن نُكملها، ونحن نتحرك في اتجاهين، أمني وهو القضاء علي أي بؤرة إرهابية، وعلي أي محاولة للعنف واستخدام السلاح، مع التأكيد علي أن العنف صادر فقط من جانب الإخوان وحلفائهم لا أي جانب آخر، والجانب الثاني سياسي، وأنت حالياً تشعر بأن شعبية الإخوان تقل، بسبب العنف، وفي اللحظة التي تحقق فيها مطالب الثوار والثورة أكثر فأكثر ستتلاشي تماماً أي شعبية للإخوان، وبتلك المناسبة دعني أسأل: أين العدالة الاجتماعية؟ أين الحدان الأقصى والأدنى للأجور؟ كم مر علينا الآن منذ قامت 25 يناير؟ لماذا ليس باستطاعتنا عمل الحد الأقصى والأدنى للأجور؟ أنا أعلم أن تشكيل الحكومة الحالية قد يمثل عقبة ما، لأن الحكومة فيها أشخاص لهم علاقة وثيقة بالبنك الدولي، وبالغرب، ولكنك في ظل قانون الطوارئ تستطيع عمل أشياء كثيرة، ومن الجيد أن أحد الوزراء تخلص من مستشارين كانوا يكلفون الدولة نصف مليون جنيه في الشهر، هذا ما يجب أن يحدث، أن تتم السيطرة على أصحاب المبالغ العالية وأن نحدد حداً أدنى للأجور، ألفاً، ألفاً ومائتين، هل نحن عاجزون عن ذلك؟، ولكن حينما تقول ذلك أو تطالب به يخرج عليك واحد من “بتوع” البنك الدولي ويقول لك “لا توجد أموال”، حسنٌ إذا لم تكن هناك أموال فأحضر الصناديق الخاصة، وامنحني الأموال التي يحصل عليها المستشارون، وأموال الإخوان. الجيش أصلح ما أفسده الإخوان في رابعة فما شأنه بهذا؟ كان الأولى إجبار الإخوان على فعل هذا، هناك أشياء يجب أن تتم بحسم باستخدام قانون الطوارئ، وفي اللحظة التي يشعر فيها المواطن بأن هذه الدولة الجديدة التي خرج في الشارع من أجلها لديها رغبة جدِّية في أن تحقق له مستوى أعلى من الحياة، والدليل على ذلك ليس كلامها، وإنما أشياء ملموسة قامت بها، سنكون حققنا هدفاً مهماً من أهداف الثورة.
*هل القبض على قيادات الإخوان كفيل بالقضاء على الجماعة نهائياً.. وكيف تفسر الابتسامات على وجوه المقبوض عليهم.. هل هي محاولة للإيحاء بتماسك مفقود؟
-الجماعة تعرضت لضربة قوية، وهي تحتاج إلى وقت لتعيد طريقة التفكير، أو يحدث لها إعادة تربية كما يقولون، ولن يحدث هذا بالكلام وإنما بالفهم، عليك أن توضح للإخوان إمكانية أن يكون هناك وضع اجتماعي أفضل، ومن الممكن أن تخرج المرأة إلى الشارع وهي ترتدي “فستاناً بنص كُم”، وتوضح لهم أن هذا شيء عادي كما كان عادياً في الستينيات، والسبعينيات.
*وهل أنت مع مقاطعة الدول التي تقف موقفاً معادياً للثورة مثل قطر وتركيا؟
-ممكن، ولكن هذا ليس الأساس، فأنت عليك أن تسير بقوة في طريقك، ولكنني عموماً أشعر بالخجل من أي مصري، تحت أي ادعاء، يخرج في قناة الجزيرة، ولا تقل لي أي شيء بخصوص هذا، لا تقل لي إنك قبلت الظهور في تلك القناة المسمومة لتفند ادعاءاتها ولترد عليها. هذا كلام فارغ ومحاولة للعب على جميع الحبال، لا بد من مقاطعة الجزيرة. هذا واجب على كل مصري. لا أحد يشاهدها ولا أحد يظهر فيها. على العاملين فيها أن يشعروا بمصريتهم.
*كيف ترى دور المثقف بعد الثورة.. هل علينا أن نعيد التفكير في فكرة أنه هو المنوط به قيادة التغيير في المجتمع؟
المثقف قبل الثورة مثله بعد الثورة، ليس هناك جديد، كما أن الشعب مثقف، والمثقف ليس شرطاً أن يكون حاملاً للدكتوراة، وأنا على استعداد لأن آتي ببائعة فجل من أول الشارع تفهم أكثر منا.
أخيراً.. هل ترى أن مقروئية الأدب تأثرت بالأحداث السياسية.. وفيما يتعلق بك هل حدث ذلك التأثير؟
ممكن طبعاً، نحن نتابع الأخبار والأحداث وهذا يستغرق الوقت كله.
______
* عن مجلة (أخبار الأدب) المصريّة