الدمار يطال مواقع سوريا الأثرية واليونسكو تدق ناقوس الخطر




*إيليزابيت غراينر/ هشام الدريوش

لم تسلم المواقع التاريخية السورية من الدمار بسبب الحرب. وأمام الأضرار الكبيرة التي تلحق بالتراث الثقافي السوري تطالب اليونسكو أطراف النزاع بحماية المواقع الأثرية والحفاظ عليها، لأنها جزء مهم من تراث الإنسانية وحضارتها.

يولي المجتمع الدولي اهتماما كبيرا بالضربة العسكرية المحتملة ضد سوريا وبالضحايا الذين يتساقطون يوميا جراء الحرب الأهلية الدائرة هناك، بالمقابل لا تحظى الخسائر المادية بما في ذلك تدمير المواقع الأثرية باهتمام كبير.
ويعتبر تدمير الإرث الثقافي في سوريا خسارة كبيرة للإنسانية وهو ما جعل المديرة العامة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة، يونسكو، إرينا بوكوفا، تدعو إلى ضرورة مراعاة البعد الثقافي للأزمة في سوريا وأن ذلك لا يعني غض الطرف عن المعاناة الإنسانية للشعب السوري: “تدمير الإرث الثقافي هو جزء من الكارثة الإنسانية في سوريا”.
دمار ونهب
من جهته يعبر فرانسيسكو باندارين، نائب المدير العام لليونسكو، عن قلقه العميق من الأضرار التي خلفتها الحرب على المآثر التاريخية السورية. ويقول بهذا الخصوص “الوضع في سوريا كارثي جدا وأسوأ مما يمكن تصوره”.
وتتعدد الأضرار التي طالت التراث الثقافي في سوريا: فمن جهة تعرضت المدن الأثرية ومنشآتها للدمار جراء الاشتباكات المسلحة، ومن جهة أخرى تم تدمير المباني التاريخية في بعض المدن مثل حلب وحمص. وكمثال على ذلك احتراق سوق حلب الذي ظل منذ 4000 عام ملتقى للتجار من مختلف أنحاء العالم.
وحلب واحدة من بين ست مدن سورية مصنفة ضمن لائحة التراث الثقافي العالمي من طرف اليونسكو، بالإضافة إلى البلدة القديمة في دمشق وبصرى الشام والقرى القديمة في شمال سوريا وقلعة الحصن، التي يرجع تاريخها إلى عهد الحروب الصليبية، وقلعة صلاح الدين وأطلال واحة تدمر. وقد عانت هذه المواقع الأثرية بدورها من ويلات الحرب الأهلية السورية مما جعل اليونسكو تضيفها مؤخرا إلى قائمة التراث العالمي المهدد بالدمار.
وعلاوة على الأضرار التي تطال هذه المباني جراء القصف، فإنها أصبحت أيضا هدفا للصوص، حيث تم حتى الآن سرقة محتويات ستة متاحف على الأقل. لكن لحسن الحظ، تم الاحتفاظ بـ 77 ألف تحفة أثرية في مكان آمن حتى لا تتعرض بدورها للنهب.
حفريات غير مشروعة وانتشار الجريمة المنظمة
كما تتسبب الحفريات غير القانونية في تدمير المواقع الأثرية. وهو ما يعتبره باندرين مشكلة كبيرة “فعندما يتم تدمير مئذنة الجامع الأموي في حلب فإنه يمكن إعادة البناء من جديد يوما ما، أما إذا قام بعض الأشخاص بسرقة قطع أثرية، فإننا لن نحصل عليها مجددا”.
من جهتها تؤكد مديرة الحفريات في المعهد الألماني للآثار في دمشق، كارين بارتل، بأن جميع الباحثين التابعين لمعهدها غادروا سوريا منذ بداية الاضطرابات السياسية عام 2011. وتضيف بأنه منذ عامين لا يوجد باحثين أجانب للآثار في عين المكان.
وفي مقرها الجديد في الأردن تحصل بارتل على معلومات حول الوضع من زملائها السوريين وأيضا عن طريق الإنترنت. وتقول في رسالة إلكترونية بعثتها إلى DW “المواقع الأثرية التي يشرف عليها معهد الآثار الألماني لم يطلها النهب، لكنها تعود وتؤكد على وجود “تخريب كبير للتراث الثقافي في سوريا”.
وبالتعاون مع ممثلين آخرين لمراكز البحوث الأثرية، قامت بارتل بإطلاع اليونسكو على المواقع المهددة بالنهب، خصوصا في ظل تعرض الكثير من المواقع الأثرية للسرقة.
وتظهر صور الأقمار الصناعية التي التقطت لأطلال أفاميا قبل وبعد الحرب حجم الدمار الذي طال هذه الأطلال. ويبدو المكان وكأنه تعرض للقصف، لكن الحفر الموجودة هناك هي نتيجة للحفريات غير القانونية. وقد أطلقت الحكومة السورية حملة باسم “سوريا وطني”، تدعو من خلالها المواطنين إلى حماية المواقع الأثرية.
من جهته يؤكد فرانسيسكو باندرين بأن أعمال التخريب هذه ليست عفوية ولا يد لسكان المنطقة المحليين فيها، وإنما هي “جريمة منظمة تقف وراءها عصابة”. فهناك سوق كبيرة لتجارة التحف المهربة. وعن إمكانية التصدي لهذه الأعمال الإجرامية يقول باندرين “نحن غير قادرين على إيقاف هذه الجرائم، فإمكانيتنا ضعيفة. لكننا لن نستسلم وسنحاول مواجهة ذلك”.
الحياد السياسي لحماية الثراث الثقافي
قامت اليونسيكو بتطوير برنامج لمنع المزيد من الدمار ووجهت نداء إلى أطراف النزاع للالتزام بمعاهدة 1954 التي تنص على الحفاظ على التراث الثقافي في حالة الحرب، وكانت سوريا أيضا من الدول التي وقعت على هذه الاتفاقية.
وبالرغم من صعوبة الالتزام بهذه الاتفاقية في خضم تبادل إطلاق النار، إلا أن المعارضة والحكومة السورية عبرتا عن استعدادهما لمنع تدمير التحف الثقافية. ويتعاون المدير العام للآثار والمتاحف، مأمون عبد الكريم، مع اليونسكو ويزودها باستمرار بتقارير حول وضع المآثر الثقافية في سوريا. وفي أحد تقاريره طالب عبد الكبير باتخاذ موقف محايد وبالالتزام بالحياد السياسي من أجل حماية التراث الثقافي السوري.
وحسب باندرين فإن الحكومة السورية كلفت عبد الكريم بالتفاوض مع الثوار بخصوص حماية المواقع التاريخية. وقد طالب الثوار بحماية الآثار الثقافية في الأماكن الواقعة تحت سيطرتهم ويبدو أنهم استجابوا لهذه الدعوة.
غير أن محاولة تأمين حماية دائمة للمواقع الأثرية تبوء في بعض الأحيان بالفشل لأسباب تنظيمية. فعلى سبيل المثال لا يسمح الوضع المضطرب في البلاد بتحويل الأموال إلى الأشخاص الذين يحرسون الآثار. كما أن حماية 10 آلاف موقع أثري يبقى أمرا صعبا من الناحية العملية.
جهود كبيرة لكنها غير كافية
ومن الإجراءات الأخرى التي تقوم بها اليونسكو لحماية التراث الثقافي السوري هي التعرف على التحف الأثرية التي قد يتم تداولها في السوق السوداء. بالإضافة إلى ذلك تتعاون اليونسكو مع شركاء دوليين مثل الإنتربول والشرطة والجمارك في الدول المجاورة. وهي تدابير شبيهة لتلك التي كانت موجودة في العراق وأفغانستان ومصر وليبيا.
وبفضل هذه الجهود تم العثور على بعض التحف الأثرية السورية وإرجاعها إلى مكانها. وتشجع هذه النجاحات، رغم قلتها، اليونسكو لمواصلة عملها في المنطقة كما يقول باندرين “لا يمكننا تغيير الوضع القائم في سوريا، وما نقوم به هو مجرد غيض من فيض، لكن رغم ذلك من الضروري مواصلة ما نقوم به”.
_____________
DW.DE*

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *