*محمد علي شمس الدين
– المعرفة بالمدن
يلزم لمعرفة المدن (دمشق، غرناطة، بيروت…) احتكاك جسدي ونفسي ممض مؤلم لذيّ، تبادل حواس وجوارح، تقلّب في البيوت، في الحوانيت والمقاهي، تشرّد على الأرصفة، تقلّب على الجمر وفي النعمة، يلزم لمعرفة المدن الشرب من مياهها ومن وحولها، حتى الثمالة، وحبّ لا يرضى بأقلّ من الموت.
المدن تلفظ السائح كنفاية، لا تعترف بأبنائها إلا كما تعترف القبور بعظام الموتى، واللغة بين الشاعر ومدينته، هي أقرب ما تكون للغة الآي آي، تلك اللغة التي استعملها يوسف ادريس بين الطبيب ومريضه، كان يلزم أن يحمل طبيب يوسف ادريس في القصة، مريضه على كتفه ليوصله الى المستشفى، ويتبادل معه في ليلة المرض آلام المرض نفسه وهواجسه لكي يصبح مثله ويتكلم بلغته. وهي الحالة ذاتها التي كان قد وصفها أنطون تشيكوف في قصته عنبر رقم 8. طبيب الأعصاب في المصحّ النفسي للمجانين كان يحيّره مجنون عصابي متفلسف غالباً ما يناقشه ويقول له: أنت لن تستطيع أن تعرف مرضي تماماً إلا إذا أصبحت مثلي وأصبت بهذا المرض. ويتبين للطبيب المعالج في نهاية الأمر أن فكرة مريضه التي رفضها في البداية، صحيحة، فهو لم يعرف حالته المرضيّة على حقيقتها، إلا بعدما أصابه المرض نفسه.
عشق المدن هو من هذا القبيل.
-لوركا ـ قباني
الخيط الذي يجمع بين غارسيا لوركا ونزار قباني هو الخيط الذي يجمع كلاً من الشاعرين بمدينته: لوركا بغرناطة وقباني بدمشق، مع تقاطعات تاريخية كثيرة بينهما باعتبار أن غرناطة هي البنت الرحمية لدمشق الأمويين. يستحضر قباني دمشق من خلال الحواس، من يوم ولادته (في 21 آذار مارس 1923 في بيت من بيوت دمشق القديمة.. يقول: «الأرض وأمي حملتا في وقت واحد» لحين موته على سرير المرض في لندن، شبه منفي، ووصيته التي أوصى فيها بأن يدفن في دمشق).
كان نزار في الكثير من أشعاره يبحث عن الرحم. وهي دمشق. وذاكرته لها ذاكرة على الأغلب جسديّة حسيّة، والأدقّ لذيّة إيروتيكية. وقليلاً ما يمتزج ذكره للمدينة، بالألم أو التشرّد على أرصفتها، أو الانجراح بوحشيتها، على غرار ما هو الماغوط مثلاً. قباني شاعر من ذهب برّاق حسّي ظاهري، والماغوط شاعر سوداوي مخلبي ومن وحل معتكر. بردى قباني غير بردى الماغوط. لدى الأول هو أبو النهور جميعاً، حصان يسابق الأيام، نبي ملهم تلقّى إلهامه من ربّه، وأمير بايعته الملايين عليها أميراً عربياً. أما بردى الماغوط فشيخ هرم، سبحته بين يديه، يحوم عليها الذباب، وصوته يخنقه السعال.
يدخل نزار قباني الى دمشق من أبواب الحواس الخمس: الأنف والعين والأذن واللمس والذوق، ويمنح كل باب حرفاً من حروف الأبجدية، فالنظر يمنحه حرف الألِف والألِف امرأة، والشمّ يمنحه حرف الباء والباء بنفسجة، والذوق يمنحه حرف الدال والدال دالية، والسمع يمنحه حرف السين والسين سنونوة، أما اللمس فيمنحه حرف الراء والراء رمّانة ونهد. وهو حين يفتح ثقباً صغيراً في ذاكرته، فإن الذي يتدفّق منها، طفولة من سوسن وسفرجل وخبز وعنب وقطط شاميّة قزحيّة العينين، ونافورة ماء في الدار «تقول الشعر دون أن يعلّمها أحد علم العروض». وخزانة الأمة في الدار، مشغولة بالصدف وأساور مبرومة من الذهب وغابة من رائحة الفانيليا وأسراب السنونو، وهذا هو عنوان إقامته حين يضيع. وهو ابن لوالد كادح يعمل في صناعة الحلوى طوال النهار في «زقاق معاوية» ليعود كل مساء تحت المزاريب الشتوية «كأنه سفينة مثقوبة»، وهو ينتمي من جهة الأب، الى أبي خليل القباني الذي صلبته دمشق حين أراد أن يحوّل خاناتها التي كانت تزري فيها الدواب الى مسارح، ويجعل من دمشق المحافظة الورعة برودواي ثانية، كما يقول. وهو مثل جدّه نبيّ المسرح العربي المطرود من وطنه، طالبت العمائم نفسها التي ظلمت جده، بشنقه، بعد نشر قصيدته الصادمة «خبز وحشيش وقمر» العام 1954، في وصف نزار لدارهم الدمشقية، يختصرها بأنه كان يسكن «قارورة عطر»، وذاكرة الشاعر في شعره كله، موشومة بهذا الوشم الدمشقي الأخضر، وروحه، برغم أسفاره الكثيرة، متعلقة بهذا المهد. حول المنزل ترتفع مآذن الجامع الأموي وقبابه، وقرب المدرسة كانت تلتفّ كالأساور الذهبية أسواق دمشق الظليلة: سوق الحميدية، وسوق الصاغة، وسوق الحرير، وسوق البزور حيث البهارات والتوابل ومملكة العطارين، وسوق الخياطين وسوق القطن، فالطريق الى المدرسة كان مثيراً للأنف واللسان معاً. وشعر نزار استعادة لحواس أو استثارة لها. يرى مارسيل بروست أن الشم هو حاسة الذاكرة، ويرى درويش أن «رائحة البن جغرافيا» أما السيّاب فينسب الذكرى للذوق «لقد أثمر الصمت الذي كان يثمرُ/ بيّن من الذكرى». أما نزار فيوغل في الشعر أو في الحسّ من أبوابه الخمسة. وفي مجال البحث عن المصدر الحسّي لصوره الشعرية، تتقدم الوقائع بقوة، ويخسر أمامها التجريد. فالرجل لم يكن ذهنياً.. أو باطنياً، ولعلني أزعم أنه إمام الشعر الظاهري في بناية الشعر العربي كله، ولا تزال القشرة أمراً جوهرياً في طريقته الشعرية بل في فلسفته للشعر. ولمَ لا؟ فأنت لا تدخل الى الأشياء إلا من جلدها. نزار قباني يعيد دائماً اكتشاف مدينته دمشق مباشرة عارية طازجة بدائية، بحيث يعود الى التماس المباشر مع الأشياء ويقع على المتعة القصوى التي تكتفي بذاتها بماديتها ولا تتعكّز على وهم أو قناع أو تأويل. ومثل هذا الشعر لعلّه يحدث قبل الكتابة.
يعترف الشاعر بأن دمشقيته، على حسيتها، هي نقطة ضعفه وقوته. شعر انطباعي بخفّة الهواء ولطف الماء، ولا يخلو من مفارقات لطيفة، كأنْ، مثلاً، تأخذه حالة التجلّي والانخطاف، حين يصعد درجات أول مئذنة يصادفها في دمشق، فيصعد وينادي «حيّ على الياسمين»، وأن يجد في الشام، «فقه العروبة» والبيان والتبيين… يقود أوركسترا من شجر الصفصاف، ويرى في نبات «الطرخون» على أنه «شيفرة سريّة» ويسكن في بيته الدمشقي في مدينة تقوم هندستها «على أساس عاطفي» كما يقول. فنزار قباني هو شاعر الأكواريل الدمشقي:
«يا دمشق التي تقمصت فيها
هل أنا السروُ أم أنا الشربينُ؟
يا دمشق التي تفشّى شذاها
تحت جلدي كأنه الزيزفونُ…»
إنّ درّة قصائد نزار قباني في دمشق، هي قصيدته التي سماها «القصيدة الدمشقيّة» وهي قصيدة يسيل فيها عشق المدينة في دم الشاعر، لكنّ عناصر هذا العشق ليست سوى عناصر الحواس.. العناقيد والتفّاح، دار فاطمة والكحل الصدّاح، المآذن والأشجار والياسمين وطاحونة البنّ:
«هذي دمشقُ وهذي الكأس والراحُ
إني أحبّ وبعض الحبّ ذبّاحُ
أنا الدمشقي لو شرّحتمُ جسدي
لسال منه عناقيد وتفّاحُ
ولو فتحتم شراييني بمديتكم
فالنهد مستنفر والكحل صدّاحُ؟
مآذن الشام تبكي إذْ تعانقني
وللمآذن كالأشجار أرواح».
^ مداخل لوركا لغرناطة
مداخل لوركا لمدينته غرناطة كمداخل نزار قباني لدمشق، حسيّة على العموم لكنها سرعان ما تتغلغل إلى ما تحت الجلد، وتتصل بالسحر، وبما يسميه هو «الروح المبدع»، ويعرّفه من خلال محاضرة له ألقاها في بيونس أيرس بأنه «القوة الخفيّة التي عرفها باغانيني في الموسيقى. والدراويش المسلمون في غنائهم ورقصهم وصرخاتهم «الله حي». وهو إحساس مشرقي تحسه في شعر لوركا حيث المعرفة ذوق وإشراق حتى ولو كانت مداخلها حسيّة. الروح المبدع يثير في الشعر حماسة دينية، ميتاحواسية». في شعر لوركا كما في شعر قباني غناء للعناصر، لكن العناصر التي يتشكل منها عالم روكا، تنفذ مباشرة من الظاهر إلى الباطن: «فوق شجرة الزيتون/ سماء مهدمة/ ومطر مظلم/ أشجار الزيتون مشحونة بصراخ».
إن حي البيازين الواقع في غرناطة، والذي غالباً ما يصفه لوركا، هو حي في واقع ضبابي غامض. والغناء عنده، كما عند نزار، يتنوع على كل مضارب الحس، لكنه غناء مجروح وأسطوري يلوح كأنه طالع من جوف ناووس. يضرب شعره، مثلاً، على البصر: «المركب في البحر/ والحصان على الجَبَل/ تحت القمر الغجري/ ترنو إليها الأشياء/ وهي لا ترى الأشياء»، ويضرب على حاسة الشمّ «هناك رائحة ملح ودم أنثى» وعلى الإحساس اللوني «عيناها خضراوان، صوتها بنفسجي» أو كقوله «خضراء/ هكذا أبداً أحبكِ خضراء/ الريح خضراء/ الغصون خضراء/ جلداً أخضر/ شعراً أخضر/ وعينين من فضة باردة». ويضرب على المؤثرات السمعية «ألف دفّ من البلّور جرحوا القمر». وتبرز لدى لوركا الصورة القارعة «تحت القمر الأسود/ صرخة وقرن نار/ مناقير الديكة تنقب باحثة عن الفجر»، وأكثر ما يتجلى هذا الحس القارع في إطار تشكيلي في ديوان «التماريث»: «أعطني حزن زنبق بارد/ لقلب من جصّ/ طوال الليل تسهر عيناي في البستان مثل كلبين صغيرين/ طوال الليل أطارد سفرجل السمّ/ يكون الهواء أحياناً من خوف/ خزامى مريضة».
وفي لوركا كما في قباني التصاق جسدي بعناصر الطبيعة، وربما وصل هذا الالتصاق أحياناً إلى ما يشبه المتعة الجنسية، ففي قصيدة «برسيوزا والريح» تتحول الريح إلى ذكر وبرسيوزا هي الأنثى «ترمي برسيوزا الطبل/ وتعدو دون أن تتوقف/ الريح ذكورية تطاردها». ونزار في مجمل شعره غالباً ما يؤنث الأشياء. مطالع لوركا مثيرة، آمرة ناهية «قل للقمر أن يتقدم/ لأني أريد أن أرى دم أغناثيو على الرمال» (مطلع قصيدة «الدم المنثال» في مصرع صديقه مصارع الثيران الأسباني أغناثيو سانثيث ميخاس).
– مسافة شعرية
تلوح قصائد نزار قباني وكأنها تذكّر للرحم: المنزل العائلي في دمشق، الأم، الأب… العلاقة مع الأزهار والأشجار، الياسمين، القطط والطيور، الروائح كما لأول مرة. الجنس كما لأول مرة.
قصائد قباني في حقيقتها قصائد مهد. بل هي نداء للأماكن الأولى والناس الأولين. يقول في كتاب «دمشق نزار قباني»: «حبل مشيمتي لم يزل مشدوداً إلى رحم دمشق منذ 21 آذار 1923 (تاريخ ولادته)، إنها معجزة طبية أن يبقى طفل من الأطفال يبحث عن ثدي أمه سبعين عاماً» (منشورات نزار قباني شباط ـ فبراير 1999 ص 2). فالشعر عنده استذكار للشام. والشام رحم، مهد، أساس وقافية.
هل ثمة صلة بين علاقة نزار قباني بمدينته دمشق، باعتبارها المهد والرحم، وعلاقة غارسيا لوركا بمدينته غرناطة، واعتبارها أيضاً المهد والرحم؟ لا سيما أن ثمة تقاطعات بين الشاعرين والمدينتين. فدمشق هي الرحم الأموية لغرناطة الأسبانية.
يقول الدكتور بيدرو مونتابث عميد جامعة الأوتونوما (المستقلة) في مدريد وكبير المستشرقين المهتمين بما يسميه الشعر الغرناطي، «إن شعر لوركا يبحث دائماً عن الرحم والمنشأ» ويضيف أن «شعر لوركا لمس تلك الخصائص المميزة بين العرب والأسبان، فهناك من ناحية، وضوح وبساطة، لا جدال فيهما، وهناك من ناحية أخرى عمق وتآلف لا مثيل لهما في المشاعر اللاواعية» (تقديم ترجمة ناديا ظافر شعبان لمختارات من لوركا إلى العربية ـ المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر، بيروت 1980).
إن غارسيا لوركا هو ابن غرناطة ويجري في عروقه حنين أكيد للدم العربي في الأندلس، حتى أن اسمه بالذات هو اسم عربي، فلوركا (LORCA)، ورقة هي واحدة من ثلاث مدن عربية في الأندلس: غرناطة ومرسية وورقة. ولوركا في شعره يبدو كأنه يستعيد الدم العربي الإسلامي، في أكثر من شكل، فهو يذكر معظم المدن في أسبانيا، ذات التأسيس الإسلامي، ومن بينها، إضافة لغرناطة، طليطلة وأشبيلية وقرطبة، ويذكر الأماكن بأسمائها العربية: الوادي الكبير، قصر الحمراء، ويصف غرناطة بالذات وكأنها مدينة استرخاء عربية، فهي مدينة المبادرات، لكنها لا تعمل، وهي مدينة الكسل والطمأنينة.
إذاً. هناك ذكريات عربية في كل الجهات. أقواس ضاربة إلى السواد، صدئة، بيوت، دهاليز محدودبة، نساء يبدو وكأنهن هاربات من الحريم، وهناك غموض في كل النظرات التي تبدو كأنها تحلم بأشياء ماضية، وتعب ثقيل. هذا الإحساس الشرقي بغرناطة، يظهر في قصائد لوركا غامضاً وحزيناً. يصفها في إحدى قصائده على انها «صندوق من أحجار ثمينة في أحفاء ذهب غامض» ويقول في مكان آخر إن «غرناطة هي الدم/ دم السماء المقدّس/ دم الأرض الجريمة بإبرة الساقية/ دم الريح الآتية من الجبل الخشن المخدوش/ دم البحر الهادئ/ دم البحيرة الغافية».. فما الذي يريد أن يستعيده لوركا من خلال لغته الغرناطية؟ هل يريد استعادة شمس حضارة غاربة؟ حضارة إسلامية بالتحديد؟ نقول إسلامية، تبعاً لتلميحات لوركا بالذات، ذكره على سبيل المثال لإمام الصلاة في مسجد غرناطة «أعمى من الزعفران/ يتلو الصلاة في سمطين من نساء ومن رجال»، وذكره لأسماء نساء مسلمات «تيمتني ثلاث حوريات: عائشة وفاطمة ومريم»، ويسعى لاستعادة الزمن العربي الآفل في كلمات ذات أصل عربي: الزهر، الفارس، الصخرة (سييرّا، ليمون، زيتون، زعفران، قرمز، قاض…).
هذا الاستدعاء الغامض للزمن الأندلسي تغالبه ذكرى الحب والموت، في سيولة غناء دائمة. في فوات دائم، في زوال. لكأنه شاعر الزوال العربي الكبير في أسبانيا. وهذا هو موضوع أهم دواوينه «قصائد غجرية» أو حكايات غجرية (ROMANORO GITANO)، حيث الحنجرة المطهرة للشعر… «آه يا حزن الغجر/ حزن نقي ووحيد أبداً/ آه يا حزناً سريّ المنبع وفجره بعيد/ …» وهذا الوجه المرتحل في رقص الغجر، وفي تنقلهم وغنائهم الشعبي، هو شكل الغياب الأندلسي الحزين في شعر لوركا، يستكمله شكل آخر للموت والعنف في مصارعة الثيران، حيث يبدو الماتادور في الحلبة، وحيداً أمام قرن الموت القاسي: «في الخامسة بعد الظهر/ كان ذلك في الخامسة تماماً بعد الظهر/ جاء طفل متلفعاً بملاءات بيضاء/ وكان ذلك في الخامسة/ لا شيء سوى الموت الموت الموت/ الموت المنتصر في النهاية/ والثور وحده جذلان القلب» (من قصيدة الجندلة والموت في رثاء المصارع الأسباني أغناثيو ميخاس).
ليس لدى نزار قباني (الدمشقي) هذه العذوبة الفائقة وهذا العمق المحيّر لعلاقة لوركا بغرناطة، أو لعلاقة نزار بغرناطة. يذكر قباني أسبانيا في قصيدة دونا ماريا، حيث يغرق في عينين واسعتين أوسع من بادية، وتذكره بمنزله في دمشق والبركة ورقص الظلال، وأشجار الليمون، والباب القديم الذي نقشت عليه حكاياته الأولى، ويصف شوارع غرناطة في الظهيرة على أنها «حقول من اللؤلؤ الأسود»، ودائماً، وهو في غرناطة، يرى دمشق في عيون امرأة، ومئذنات دمشق مصوّرة فوق كل ضفيرة. أما في قصيدة «أحزان الأندلس» فيلمّ دموعه مع بقايا العرب. وأعجب ما يقوله في قصيدته المسماة «غرناطة» التي يصف فيها لقاءه العابر بامرأة في مدخل الحمراء، حيث يتعارفان، وينتهي اللقاء بعناق بينهما يقول: «عانقت فيها عندما ودّعتها/ رجلاً يسمى طارق بن زياد».
لا تقل في نظري قضية لوركا في علاقته بغرناطة ورحمها دمشق الأموية، عن قضية نزار قباني في علاقته بدمشق وابنتها العجيبة غرناطة. لكن المسافة بين الاثنين مسافة شعرية. إن لوركا العظيم عقد شعره على علاقة الغناء بالموت، وفتح من خلاله باباً على الحكايات الشعبية وأغاني الغجر والغرابة. في حين أن نزار قباني عقد شعره على الرومانسية والايروتيكية. وقد افتقد البعد التراجيدي الضروري لكل شعر عظيم… واستهلكه الزخرف…
ومع ذلك، يبقى لهذه المقارنة، بعض ما يبررها.
________
*(السفير)