رحيل شيموس هيني صاحب “نوبل” الآداب والشاعر غير المؤكّد




مات الشاعر الطفل والملك المترنّح على كرسي هزاّز. مات قبل ساعات الإيرلندي الجميل الحاصل على “نوبل” الآداب في 1995 شيموس هيني أو “شيموس الشهير”، كما راق لأحدهم تسميته مرة. في كلام مقتضب لخّصت أسرة هيني، في بيان اليوم، مسيرة بارزة لخّصت الإنسان والشاعر في آن “خطفَت المنيّة شيموس هيني. توفي الظافر بـ”نوبل” الآداب في احدى مستشفيات دبلن في اعقاب مرض وجيز”، كأنها تقفل حلقة الكلام على كل ما سيلي.

غاب الصوت الشعري المسموع عن سن الرابعة السبعين، صوت لم يخشَ لعبة الغفلية. نشر قصائده الأولى متدثرا بشخصية “انسورتوس”، المرادف اللاتيني لـ”غير المؤكّد”، كأنه اراد لنا ان نتفهّم تردّده في الإفصاح عن تفاصيل تاريخه الشخصي. كان هناك نشأته أولا في احدى المزارع حيث لم تحتسب سوى الموهبة في تحريك المحراث، وكان هناك أيضا انتماؤه المذهبي وهو الكاثوليكي في إيرلندا الشمالية ذات الغالبية البروتستانتية. مع قدوم الإحتفاء، تأقلم هيني الخفِر مع واقع بلوغه حلقة الشعراء المكللين بجائزة “نوبل” الجائزة الأدبية الأرفع. بدءا من “موت طبيعي” (1966) ووصولا الى القول الشعري الأحدث، كان ثمة مطرح للمعاناة الأخيرة عنده، المرتبطة بتروما إيرلندا الشمالية التاريخية والنفسانيّة. لكنه اراد لقصائده ان تتقدّم خارج كل التزام. عند انبثاق مرحلة “الإضطرابات” الدموية في ايرلندا الشمالية، اقام في بلفاست حيث اعتاد شراء السمك ورقاقات البطاطا من محل هناك. في احدى الليالي تعرّفت إليه احدى العاملات وسألته “ألست الشاعر الايرلندي؟”. قبل أن تستدير صاحبة المتجر لتصحّح كلامها: “أنت مخطئة تماما. انه أحدنا، مواطن بريطاني يقيم في اولستر”، لتواصل متوجهة الى هيني: “لا بدّ انك سئمت من أن تنعت بالشاعر الايرلندي”. تفادى هيني يومذاك، الإجابة عن الاستفهام المحرج مباشرة، وهكذا فعل في الكتابة أيضا، وإن أتت مجموعته الشعرية “نورث” (1975) بمثابة انطباعات عن ايرلندا الشمالية لتصير مرجعا في رصيده.
هيني شاعر ريفي وتفكيري تحرّك بين الإنسان والتفصيل الطبيعي ليخرج الأمثولة من كل حاجة بسيطة. سَخِر من الشعر المتبجّح، فجاء بقصيدة مبهجة ولكن غير مُسكرة. في مجموعته الشعرية “السلسلة البشرية”، في 2010، عاد هيني طفلاً في عالم الحاجات، تجرّ انتباهه اغراض مألوفة، من قبيل أكياس الفحم. كأنه آنذاك بدأ يحضر للنهاية عبر الرجوع الى البداية. في بعض القصائد حيطة وصفيّة ألفناها لديه تأسُر شيئية الأشياء بدقة، الى مقتطفات غنائية. شكل “السلسلة البشرية” كتاب الموتى الخاص بهيني، نص الحزن والفقد. كتب مرة “ستحمل بشرتُك فيما تذبل/ علامات البثرات الرمادية الكئيبة/ وحليب الهندباء الأبيض”، ليضيف في القصيدة عينها: “كان الباب مشرّعا والبيت مظلما”. سيبقى بيت هيني الشعري مُشرعا وإن بات بيت حياته مغلقا.

– النهار

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *