*تقديم وترجمة عن الفارسية: مريم حيدري
لطالما كانت المرأة في المجتمعات الشرقية والمسلمة، فارسية أم عربية، كائنة خلف الستائر وفي الحريم المخبَّأ. فمنذ رابعة العدوية حتى فروغ فرخزاد عانت الشاعرات من التعصُّب والتزمُّت في مجتمعاتهن، ولا تستثنى الشاعرات الأفغانيات من ذلك بل هن أشدّ حرماناً ومعاناة نظراً إلى التزمُّت الديني والثقافي الذي يمارسه المجتمع الأفغاني ضد المرأة وحريتها وحضورها في المجتمع. لكن هذا لم يَسُق المرأة الأفغانية نحو الخضوع والانصياع سواء في مجال النشاط المدني أو الحضور الثقافي والأدبي.
تحاول المرأة الأفغانية – لاسيما في السنوات الأخيرة – أن تطلق صوتها بل صرختها أمام أية مؤسسة تمارس ضدها القمع والكبت، دينية كانت أم عائلية أم اجتماعية، ما يلاحظ حتى في ما تكتبه الشاعرة الأفغانية، فهي تريد أن تعيش كما تطلب فطرتها بحرية، وأن تخرج من خلف ذلك الحجاب والستر والحريم الذي طالما خدش روحها الحرة.
هناك الكثير من الشاعرات الأفغانيات يكتبن الشعر الفارسي على الطريقة الحديثة (التفعيلة وقصيدة النثر)، والكلاسيكية (الشعر العمودي). ولقد تمَّ اختيار خمس شاعرات هنا من الشاعرات الشابات الأفغانيات ممن يكتبن قصيدة النثر، وهن من أبرز الأصوات الشعرية الحديثة في أفغانستان.
خالدة فروغ
دائماً في الساعة
الخامسة مساء
عبثاً
تشطب الخطوط البنفسجية نظرتي
هناك من يكسر مفرداتي
هجاء هجاء
بقلم سحابي
لكي لا أقرأ بيتاً من الحب
قطعوا صوتي
فبتّ أسجِّل الحب على شريط القلب
بالرغم من أنه دامٍ
ومجروح
لكن اليأس أقوى
خطواتي لا تألف التقدُّم أماماً
والحركة هي ذَنْب العمر الذي لا يُغفَر
لطالما نصحوا مرآتي
بالجلوس والانكسار والصمت
وساعتنا
دائماً الخامسة مساء
لم تكن الخامسة فجراً يوماً ما
لم يمّحِ عن غدير ذاكرتي
أن الحركة ذَنْب العمر الذي لا غفران له
رائحة الغروب تحزنني دائماً
يتجسد في تمثال لجبل
ينهار كل ليلة
إثر بكاء طويل
المدينة صراخ صدئ
ومتعبة
وحديث بيتنا كئيب
إنه يبوح للجدار
يقظته التي لم ينلها.
هذه المرة
يهب المطر
حول الريح
ويرمي أيدي الأشجار على الأرض
دون اكتراث
ناي..
ينبغي أن نعزف ناي الوحدة.
حقيقة الحب البيضاء
حين أفكر بأحزان الليل
أتذكر جدائلي
إذ كانت تفوح رائحة الغربة والنكسة
من سلم سلالاتها المضطربة
والآن وإذ وضعت وسادة صمتي تحت إبط الليل
لن أطأ أزقة النوم
ومن الآن فصاعداً
سأرافقك يا حقيقة الحب البيضاء
فالأرض لم تحتمل ملحمة صوتي
بلغت حدّ تفكر الغيوم
وصوتي أصبح شلال القمر
فأخذ يسود وجه غبطة العطش.
ليلى صراحت
شظايا صراخ
عارية أنا
عارية
عارية
كحدائق كرم «بروان»
غطِّني بشال نظرتك الدافئ
صراخي..
تسمعه شظية شظية
وضعوا خنجراً على نحري
وأنا واقفة في مهبّ الريح
بلا زمن
وبلا تقويم
أخاف
أخاف
أين مروج عينيك الخضراء
لأختفي
لا تدعني أمتزج مع الريح
ومع التراب
لا تدع شظايا صراخي تضيع
في عاصفة اللاشيء اللولبية
ارفع الخنجر من نحري
بيديك العاشقتين
وبعدئذ
انفجار الألم
وبركان من الصراخ
الصراخ
الصراخ.
الضياع
وكنا
ضائعين
نحن كنا ضائعين
كنا
ضائعين في الزقاق الخامس
وكان هناك قلق
في منعطفات الزقاق
قلق من الاغتراب
ومن الضياع
واضطراب فينا هائم ومتشرِّد
اضطراب
في التشرُّد
وفي الضياع
منعطف بعد منعطف.. آه..
لم تكن هناك نهاية للزقاق
الزقاق آهة..
الزقاق محاط بالضجر
ونحن محاطون بالزقاق
أنفاسنا متضايقة
واللحظة واقفة
اللحظة نسيت
جريان أفكارها الذي يمتد إلى اللانهاية
كان يجري فينا الضياع فقط
يجري الضياع فينا فقط
عباءاتنا منطلقة
في خدر أسود
وجدائلنا حائرة
كما حلم مشوش
المجانين
المجانين
كنا مجانين
علّ
عابراً يشعل نظرته بلهيب آه
وَهَبَنا عابر شهاباً ثاقباً من ابتسامته
وتمتم متسائلاً:
عم تبحثون؟
فرددنا بأجفان منكَّسة
وبصوت منخفض:
عن بيتنا
جاشت ابتسامة مرة بين شفتي العابر وجفَّت
…
حين كنا ضائعين
في الزقاق الخامس
كان مطر الهول يهطل
وفيضان الليل يجري متجاسراً
…
النجمة نظرة الليل
كان الليل آنذاك بلا نظر
والنجوم باتت عمياء
بخنجر الصاعقة
وكنا ضائعين
في الزقاق الخامس..
…
وقد تركنا الزقاق الخامس
مطر الهول فينا
وفيضان الليل
وبعدئذ
نبتت فينا
حمّى هذيان آخر
وكان الوهم السميك المظلم
يقتاد سفينة لحظاتنا المصابة بالحمّى
وهروب
هروب
كنا نهرب
من منعطفات الزقاق الخامس
دون نظرة واحدة إلى الوراء
نهرب
من مطر الهول
ومن فيضان الليل الذي يسكننا
نهرب
من الاغتراب
من التشرد
ومن الضياع
وجدنا الغابة والبحر
وجدنا الغابة والبحر في الليل
الغابة والبحر في الليل
كانا مدهشين
تخلت الغابة عنا
فالتحقنا بالبحر
وجدنا حلقه يابساً حتى الأقصى
من دون أي صراخ
فغطسنا
في حلق البحر اليابس
نحن الذين كنا ضائعين
في الزقاق الخامس.
ناديا انجمن
الإنسان، الحجر، الحديد
في هذا الحصار الفولاذي
لجسد الجدار قرابة خالدة مع جثة الباب
قرابة لا تقبل الانحلال
يا حارس الباب!
كفّ، فلا فائدة من ضربك بالحجر
هاهنا هو المفتاح ولكن القفل يفور في المرمى
اذهب أيها الحارس
وَدَعْ ذهني يرتاح للحظة
فقد ألفت هنا فصائل الحجر والحديد
لي عقدٌ مع الحجر على الصبر
فدعني أواكبه على أرض الصبر الحجرية
لست أخشى زمهرير الموت
ضربات يد الطوفان على روحي
ليست حدثاً مؤلماً
لا تحدثني عن كيمياء المياه
ولا عن الأزرق اللامتناهي
فقد تعلَّق قلبي بسماء المستنقع القاتمة
وجذوري هنا
في أرض حديدية ستحدث فيها إعصاراً
تلك السحب الرصاصية في سماء الفولاذ
انسني
فكل لحظة تنبت السلاسل في أغصاني
اذهب أيها الحارس
اذهب ولا تؤلم يديك بضرب هذا الفولاذ
أنت لن تستطيع كسره
غير أني أعرف أن الإنسان والحجر والحديد
يسيرون يداً بيد حتى نهاية طرق الألم
ولن يخففوا من طغيان الأهوال وجَوَلان الظلمات
اذهب أيها الحارس
فيداك ليستا فارغتين
تحمل فيهما أسطورة عالمي الثقيلة
فاذهب واحكِ قصتي في أرجاء المدينة
قل إن وراء هذا الجدار الحجري
هناك فتاة لها عقد خالد مع الحجر
وقد التحقت بفصيلة الحديد
في أعماق المشقات.
فتيات هذا القرن
يا فتيات انزواء هذا القرن
أيتها الراهبات الصامتات الغريبات بين الناس
يا من ماتت الابتسامات بين شفاهكن
وقد زحفتن صامتات إلى زاوية الاغتراب
بسلالة الذكريات النائمة بين آلاف الحسرات
إن وجدتن الابتسامة بين ثنايا الذكريات
قلن لها:
ليس للشفاه شهوة التفتُّح كالأزهار
ولكن
بين همساتنا المضمَّخة بالدموع
ليتها بين حين وآخر
تضيف لوناً ولو باهتاً للحديث.
هدية يزدان ولي
قصائد قصيرة
تنطلق عيناي
من النافذة
وأبقى في الأسر
عمياء
***
بتروا
الأيدي
وتركوا لنا
الصخور
تعال نتلمَّس ذواتنا!
***
سفَّت الريح بذورنا قرب بعضها
فأصبحنا شجرتين خضراوين
كل ليلة
تهزّ الريح أغصاننا
كل يوم
جذورنا تشرب الماء معاً
ولكن
يا للحسرة
ظلالك
أخذت الشمس مني
***
قيل:
لا ثواب أن تكون مسلماً قلباً
فيا لسعادتي!
أنا الكافرة قلباً!
***
فناء بيتي نضر ونظيف
أطفالي أنقياء ونظيفون
مائدتي شهية ونظيفة
أُبعِد مخّي
أخشى
أن يتلوث كل شيء
إثر انفجاره
***
الليلة
ولا أعرف لماذا
أحب أن أتابع رجلاً
يتمشى في الجانب الآخر من الطريق
ولا يراني
قد لا يراني
إن استمر كذلك
ولن يمكنه أبداً
أن لا يحبني
***
على الدم أن يفور
على النهار أن يكون المحشر
على الليل أن يكون مظلماً
في عروقك
عندما تمرّ من النهار
لتصل إلى الليل
وتكون نجمة
معي
***
شككت في صدق المرايا
منذ تواطأن
وقلن لي:
قبيحة!
***
ينبغي أن نحول العاطفة
من يد إلى أخرى
وإن لم نفعل
فلن تصل
إلى العالم الآخر
***
وصية الشجرة:
احرقوني
بعد موتي
ولا تدفنوني
في تابوت من جسد الإنسان
***
أنظر إلى السماء الغارقة في النجوم
وأعرف أن هناك في البعيد
البعيد
البعيد
بعيداً جداً عن هذه الأرض
هناك كوكب
يسكنه أشرف الخلق
***
أضع علم التسليم على رأسي
عندما تقولون لي:
اقرأي!.
مارال طاهري
أفكِّر بسعادة رجل
– 1 –
ليس الحق عليّ إن متّ بشكل آخر
الملاحف تلفظ الوجهَ جهة الشارع
وأنا فارغة من الذرائع أكثر من منديل أمي الأحمر
ومع رفيقي الذي لا اسم له
نوقّع بأصابعنا
أن نضيق مكان أحد ما.
– 2 –
أفكر بسعادة رجل
يقذف كل يوم
زهرة
نحوي
من شباك مستشفى المجانين الصغير
ويدعوني للرقص.
* – تلبس البنات عباءة بيضاء حين يذهبن إلى المدرسة.
________
* شاعرة من إيران
مجلة (الدوحة)