(ثقافات)
صدر حديثاً عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر كتاب “الرأسمالية وأنماط الهيمنة الجديدة” للكاتب محمد فرج في 200 صفحة من القطع المتوسط. يتحدث الكتاب عن آليات تطوير المنظومة الرأسمالية لأدواتها لتتمكن من إحكام السيطرة على جمهور عالمي عريض، وإحكام السيطرة على وعيه بالتحديد. ومن ذلك أن عملت على تفتيت الأزمات العالمية الكبرى إلى إشكاليات تقنية بسيطة ، يجري حل كل منها، وتشارك فرق “متخصصة” لتقديم وتنفيذ تلك الحلول. ساهم ذلك في إزاحة الوعي من حيز الحلول الجامعة والشاملة إلى حيز الحلول التقنية غير المجدية. تزامن تفتيت الشامل إلى التقني، مع تشويش مفهومي القديم والجديد، فباتت الحلول الشاملة توضع في خانة القديم، والحلول التقنية غير المجدية في خانة الجديد والمبتكَر حتى لو لم يكن متأصلاً. كل ذلك ولَد حاجة ماسة لحوارات جادة ومعمقة على جبهة المصطلحات، في مفهوم التقني والشامل، في مفهوم الحرية والديمقراطية، وغيرها.
يتضمن الكتاب أربعة فصول: مجتمع الاستعراض (وهو كتاب ألَفه الكاتب الفرنسي غي ديبور)، ويتحدث هذا الفصل عن أوهام مجتمع الوفرة الذي تدعي الرأسمالية تأمينه للناس، في الوقت الذي تؤسس فيه لمجتمع الاستعراض القائم على الوهم والخرافات واستعمار السلعة الكلي للحياة الاجتماعية.
” إذن هي حياة الأفراد وهم يتفرجون على أنفسهم، في مجتمع يصر على أنه القادر على تقديم كل شيء، وإغراق المولات بالمزيد من السلع. مجتمع يصور نفسه وكأنه قادر على إشباع كل الحاجات، كما يصر على توسيط السلع في كل لحظة من لحظات الحياة.رزحت كل الأفعال تحت سلطة الاستعراض، فكل فعل ينجز هو غريب و خارجي، فهو ليس في سبيل إشباع حاجة ما إنما في سبيل إشباع حاجات على أطرافها!”
ناقش الفصل الثاني من الكتاب أدوات الهيمنة الجديدة التي طورتها الرأسمالية في سبيل إحكام السيطرة على دول الجنوب بعد انتهاء حقبة الاستعمار المباشر، وتضمن ذلك الحديث عن التفاصيل الاقتصادية المالية، والعلمية، والعسكرية، والثقافية كذلك.
وعلى جبهة المصطلحات، يناقش الفصل الثالث مفهوم الحرية، وكيف تريد الرأسمالية أن تسوق له تعريفاً خاصاً ملائماً لتكريس هيمنتها، وبما يضمن كبح جماح الفئات الشعبية المحتجة منذ الجولة الأولى “صياغة المطالب والتعبير عنها”.
” من الصناعة إلى التكنولوجيا الرقمية، نلحق بالآلة البسيطة والأنظمة الذكية، يمسي عملنا كدح مكروه، نظن أننا أسياد الطبيعة ونحن عبيد السلع والأشياء”.
يصف الفصل الأخير الرأسمالية باقتصاد المافيا والدعارة والموت، ويعتبر الكاتب أنها (الرأسمالية) منظومة غير قابلة للتشذيب كي تصبح البشرية قادرة على الحياة في ظلها، فالنمط المافيوي هو نمط ملازم للرأسمالية كمنظومة اقتصادية اجتماعية (اقتصاد الكوارث، العلاقة بين السياسي ورجل الأعمال وولادة المافيات الجديدة، سياسات تبييض الأموال، وغيرها). كما تناول الكاتب التلوث البيئي واتفاقية كيوتو في الحديث عن العلاقة بين الرأسمالية والموت.
يخلص الكتاب إلى فكرة مركزية مفادها أن الشمولية هي نمط ملازم للاشتراكية والرأسمالية على حد سواء، ولكن الكاتب يرى في الشمولية الرأسمالية قاتلة و مفكِكة، في حين يرى في الشمولية الاشتراكية (كما عرفها) شاملة وموحدة.