*محمد عرش
(ثقافات)
أيوب مليجي، صوت، له فرادته و طعمه الخاص، أتى إلى دنيا الشعر و القصيدة، بطريقة حضارية، و مزاج رائق، لم يأت إليه، لتفريغ ذاته، و الإحتماء بتحقيقها، داخل زجاج القصيدة، لأن جرأته تسبقه، في عوالم أخرى، بل صمم أن يكتوي بلهيب الإبداع، و اختمار التجربة، و رصد الفجوات و النتوءات لملئها، أو تركها …كما هي.
قصيدته أنيقة، كما هو أنيق، و تتجلى هذه الأناقة، في اختيار القاموس الشعري، في اختيار الطرق المؤدية إلى روما الشعر، بصوت تعرفه من بين الأصوات.
و لذلك جاءت هذه الأضمومة الشعرية، موسومة بـ” لن أطيع الشمس”، و فرق كبير بين “لم أطع الشمس”، ما بين النفي، بالنصب، والجزم..تعيش قوم و تموت قوم . كما يقول عامة الناس.
ما بين الطاعة و الشمس، مسافات حرارية، تدبغ الجلد، فما بالك بجلد القصيدة ؟
و “لم أطع”، تعبير فيه ندم، و أسف، على ضياع ما… و”لن أطيع” استمرارية الماضي و الحاضر والمستقبل، لأن شروق الرؤيا، يتطلب صبرا مضنيا، و ركوب رياح القلق، كما صاغ ذلك شيخنا أبو الطيب المتنبي ذات عصر، و هذا ما يخول لي القول بأن قصائد هذا الديوان…عبارة عن تسجيل، كليشيهات، تجد مراتعها في تجارب أخرى…و هذا هم الشعراء الحقيقيين، المهووسين، بعباءة الشعر ..و العيش ضمن أزقة القصيدة !
كما يفعل الرسامون، فالرسام لا يستطيع الإحتفاظ بكل لوحاته، و التنقل بها أنى شاء، فلا بد من وضع”crocky” لكل اللوحات.هكذا حال أيوب مليجي في قصيدة “لن أطيع الشمس” التي وسم بها العمل بكامله، و التي كانت مثار هذا التقديم، يبدأ الحوار بتوجيه الخطاب إلى الأنثى :
أوصدت قلبي..
و كنت هناك
تبكين
تركضين… “ص 42”
مسافات بعيدة، بين الحياة، و بين الشوق، المغلف بالهروب و البكاء ما نتج عنه
انطفأت معك أحلامي
في زرقة المساء
بعيدا عن الأنانية لم يقل “انطفأت أحلامي” بل “معك” ذوبان و انصهار الذات بالذات، وقت بدأت الحياة تبتسم، كان هذا الإنطفاء “في زرقة المساء” و لم “يقل ظلمة المساء”.
إن أيوب رسام بارع بالكلمات، يضع الكلمة في مكانها المضيءن حتى أن كليوباترا دخلت إلى بستان القصيدةن و أشارت عليه بالغناء.
فإذا كان الرسامن يقيس مسافات الضوء في اللوحةن و ارتعاشة الفرشاةن و ما تخلفه في نفسية المشاهد و الرائي فكذلك الأمر هنا :
لست أدري
جوابا
طالما انتظرته طويلا ” ص 44″
و يبقى الباب مشرعا لانتظارالأجوبة، عدا الأسئلة التي تطرحها القصيدة، و تطرحها التجربة الشعرية بكاملها…
قلت : قصائد أيوب مليجي أنيقة، تعكس أناقة صاحبها…لا يلطخ أصابعه بالحبر، و لا يحمم أنفه بصدإ الحدادة…لنقول إنه حداد، فهو لا يخاف من انقضاء الحبر، و كسر الدواة، فغدا أو بعد غد ستأتي القصيدة معطرة، و أنيقة، كما ألفناها.
الأمر نفسه، بالنسبة لقصيدة “سفر إلى الصمت” “ص 39″، و لم يقل “سفر في الصمت” هكذا يتم ضبط أثر السفر في الذات، في العالم، في القصيدة، في الحزن و الأسى، و القلق، يتم البحث عن وجه الشاعر، المقمط بأشعة الحقيقة، ساطعة و مختفية كالشروق و الغروب، كشمس أبي تمام :
فإني رأيت الشمس زيدت محبة إلى الناس أن ليست عليهم بسرمد .
وطول مقام المرء في الحي مخلق لديباجتيه فاغترب تتجدد
إن أيوب يحوم حول المعاني، يخرج من ذاته …بحثا و تنقيبا، عما يعطي لهذه الذات عمقها، و وجودها : بعد الانتهاء
من آخر وصفة للحزن ” ص 40″
ثم يعود.. من حيث أتى، من الصمت و إلى الصمت.
و ليكن الصمن ملاذي الأخير ” ص 41″
لتنبع سيول الشعر..كما يضع لأفراخ و طيور كلماته، أعشاشا، ولا أقول أقفاصا، يترك لأصدقائه الخلص… أمكنة، داخل الكلمات…
هكذا تتجلى جرأة أيـــوب…صبرا و نضجا، واستماعا للذات، في مقابل الآخر..بياضا و شروخا، و تقطيعا، و توزيعا للكلمة إلى حروف، حتى تعبر عن شروخ و جروح الجسد…و لو تطلب الأمر، خلوة.. تكلفه كل شيء …إلا الحفاظ على أسرار القصيدة…
ــــــــــــــــــــ
• الورقة التي شاركت بها ضمن اللقاء المفتوح الذي نظمته جمعية رواق و استضافة من خلاله الشاعر المغربي أيوب مليجي.
___
* شاعر وكاتب من المغرب