*أحمد الحناكي
يرصد كتاب صدر في القاهرة مؤخرًا العلاقة بين الموسيقى كفن، وكتابة التاريخ والقضايا الاجتماعية والثقافية المتعلقة بأثر الموسيقى في المجتمع المصري. واحتفلت المؤسسة الثقافية السويسرية “بروهلفتسيا” الثلاثاء الماضي في “بيت السناري” الأثري في القاهرة القديمة التابع لمكتبة الإسكندرية بإطلاق كتاب “التاريخ والموسيقى” من تأليف الدكتور محمد عفيفي، أستاذ التاريخ بكلية الآداب جامعة القاهرة، والدكتورة نهلة مطر.
الخبر أعلاه بثته وكالات الأنباء، وعند مراجعتي له اكتشفت أن إحدى الحالات المهمة التي ناقشها الكتاب باستفاضة هو المطرب الشعبي المعروف أحمد عدوية.
وعدوية -لمن لا يعرفه من هذه الأجيال- هو ظاهرة برزت في السبعينات بأغانيه الشعبية الخفيفة التي انتشرت بالكاسيت كالهشيم، لدرجة أن الفنانين الكبار في ذلك الوقت -كعبد الحليم حافظ- شعروا بالاستياء، ويحق لهم ذلك؛ فكيف لمطرب يتغنى باللهجة الدارجة -وبكلمات سوقية أحيانًا- يسحب البساط منهم وهم عمالقة الأداء والفن والكلمات الشعرية العذبة من كبار الشعراء المصريين والعرب ؟
يربط الكتاب بين الانفتاح في مصر الذي يرى أنه أدى إلى وصول المجتمع المصري إلى تقبل هذا النوع من الفن. وبرأيي أنها تظل وجهة نظر من الصعب إثباتها، ففي جميع دول العالم تنتشر الموسيقى بنوعيها الرائع والرديء، علمًا بأن المفهوم للتقييم يعود إلى ذائقة المستقبِل.
غير أن التاريخ أو الزمن أثبت أن الموسيقى الجميلة هي من تُخلد، فأم كلثوم وفريد وعبد الحليم لا زالوا أساطير خالدة في وجدان الشعب المصري و العربي، بينما ظهر ت أصوات كالفقاعة التي تنفجر سريعًا، سواء كان عدوية أو شعبان عبد الرحيم، أو سعد الصغير، وغيرهم.
إلا أن لي ملاحظة على مسمى “شعبي” فهي مقتبسة من الشعب، أو الشعبية، بينما المقصود بها هي المحلية المغرقة، بحيث لا نكاد نفهم الفنان المحلي في المغرب العربي أو في السودان إلا قليلاً، بينما يصبح الأمر سهلا عندما نستمع إلى نظرائهم في مصر ولبنان وسوريا؛ بحكم الطغيان التعليمي سابقًا والتلفزيوني حاليًّا.
عمومًا لكي لا نظلم الفن الشعبي، فهو يختلف عن المحلي، أو بشكل أدق يتفرَّع منه شقان، أحدهما الكلمات الدارجة، والأخرى الشعرية، ولو أخذنا مثالاً واضحًا في المملكة تجدنا نطرب للفنان محمد عبده في الشعبي أو السامري، في الوقت الذي لا يفهمه العرب خارج الخليج العربي.
والطريف أن الفنان أحمد عدوية أبدى استياءه البالغ من الفنانين الشعبيين في مقابلة أجريت معه مؤخرًا، واعتبر ما يقدمونه شتائم وإسفاف وابتذال ويسمونه فنًّا شعبيًّا. وعندما قال من أجرى معه المقابلة: إن هذا ما ذكروه عنك في السبعينات قال: (الأمران مختلفان تمامًا، في بداياتي هاجم البعض أسلوب غنائي، واعتبروه لونًا ركيكًا من الفن، في الوقت نفسه كان هناك كثير من المعجبين بصوتي وألفاظ أغنياتي. أما الموجودون الآن على الساحة الغنائية فلا صوت ولا كلمات ولا ألحان لهم، ولا أي شيء يشفع لسماعهم، وأعتقد أن هذه النقطة لا يختلف معي فيها كثيرون؛ فالأغنيات الشعبية الآن وصلت إلى آخر مستوى من الابتذال).
ولربما كان عدوية محقًّا في انتقاده، إلا أن المؤكد أنه ساهم مساهمة كبيرة في انتشار الأغنية الرديئة، وإلا لماذا نسمي أغاني كلماتها مثل: (السح اندح امبو، أو الساعة إلا ثلث ومعادي معاه ثمانية، أو على فين على فين على فين ولفين رايحيين على فين، أو ما تاخدوناش في الدوكهة واتعلموها بقة)، وجميعها أغنيات لأحمد عدوية ؟!
الموسيقى جزء من الفن مثلها مثل السينما والمسرح، والمجتمع المصري -كأي بلد آخر- يوجد به جميع أنواع المتذوقين، لكن من يعبر عن الآخر هذا هو السؤال.
_______
*صحفي وإعلامي سعودي>
مجلة(المجلة)