رحيل لوركا الكردي


*سالار أوسي

غيّب الموت ،الأحد، الشاعر الكردي الأشهر شيركو بيكه س، في أحد مستشفيات العاصمة السويدية ستوكهولم، بعد معاناة مريرة مع المرض.

ولد شيركو بيكه س في عام 1940، في مدينة السليمانية – كردستان العراق، وهو إبن فائق بيكه س، أحد الشعراء المعروفين في ثلاثينيات واربعينيات القرن الماضي.
بدأ شيركو بيكه س كتابة الشعر في سن مبكرة، وأصدر أولى مجموعاته الشعرية في نهاية ستينيات القرن الماضي بعنوان “هودج البكاء”.
في عام 1970، أصدر مع مجموعة من الأدباء الكرد، بياناً شعرياً سمي “راونكَه” (المرصد)، دعوا فيه إلى الحداثة الشعرية والأدبية في النتاج الإبداعي الكردي.
تميّز بيكه س بغزارة كتاباته الشعرية، وأصدر ما يزيد عن ثلاثين مجموعة شعرية، نذكر منها: “شعاع الشعر”، “قصائد بوستر”، “مرايا صغيرة”، “مضيق الفراشات”، “إناء الألوان”، “ساعات من قصب”، “باللهيب ينطفئ ظمأي”، وغيرها.
وفي السنوات الأخيرة، إنكبّ على كتابة القصائد الملحمية، وأصدر في هذا الجانب “إنشودتان جبليتان”، و”الصليب والثعبان ويوميات شاعر” وغيرهما، وعايش عبرها الكرد شعرياً في كل تواريخهم من سجن وتعذيب وقتل وتهجير وتشريد.
إمتدت تجربة شيركو بيكه س في الكتابة والنشر، نحو ستين عاماً، وحظيت كتاباته الشعرية بأهمية بالغة في الدراسات النقدية الحديثة، بإعتبارها أسست لرؤية جديدة، أعادت تركيب ميثولوجيا الشعب الكردي، فقصائده الطويلة اتسمت بتشكيل سرد درامي شعري، إمتزجت فيها الأسطورة بالمعاصرة، تحت سياط مفردات وجمل وتراكيب ساحرة.
وصفه بعض النقاد بمحمود درويش الكردي، وذهب آخرون إلى وصفه برسول حمزاتوف العراقي.
ترجمت منتخبات من قصائده إلى اللغات الانكليزية، الفرنسية، الألمانية، الإيطالية، السويدية، الدانماركية، المجرية، الفارسية والتركية. كما ترجمت له حوالي عشرة مجموعات شعرية إلى اللغة العربية، منها “إناء الألوان” و”مضيق الفراشات، ومرايا صغيرة” وغيرها.
حاز الشاعر شيركو بيكه س، جائزة “توخولسكي” السويدية العالمية، عام 1988،من نادي القلم السويدي. 
يقول الناقد صادق إسماعيل “أن ثيمة الحرية في قصائد شيركو بيكه س هي الأجلى والأعظم، وهي الرأس في مسيرة حروفه وتشكيل جمله القصيرة المنتقاة بدقة لا حدود لها. فهو لم يكتب قصائده على أنغام التانغو، ولا على طبول الزنوج، بل استمدها حرفاً حرفاً من عذابات الآخرين، وهم يحملون صلبانهم فوق ظهورهم، وهمومهم المكدّسة في أعماق القلوب المتعبة أبداً في الدروب…..”.
في المرة الأخيرة التي إلتقيت فيها مع شيركو بيكه س، في السليمانية، لم يكن وضعه الصحي يبعث على الإطمئنان، وهو الذي كان يعاني من أكثر من مرض في السنوات الأخيرة، لكنه كان لا يزال يمارس طقوس حياته بطريقته المعتادة، من دون أن يسمح للمرض بإجراء أية تعديلات عليها، فلم تكن السيجارة المشتعلة تفارق يديه، رغم نصائح الأطباء المتكررة له في هذا الشأن.
كانت بصمات الزمن واضحة على محياه، وحشرجة صوته المترافقة مع سعال متكرر، كانت تكشف مدى التعب المتعشش في أنفاسه، رغم تعمده إخفاء ذلك بإظهاره ما يشبه إبتسامة مجهضة، أمام زواره.
رحل شيركو بيكه س، وترك لنا جمال حسه وسحر كلماته وعذوبة أشعاره، لنقاوم بها الخراب الذي يلفنا من كل الجهات.
________
*(المستقبل)

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *