خمس قصائد من صباح الجليل


*نمر سعدي

حيفا تشبكُ شَعرَها بيمامةٍ عطشى

. . . منذُ متى وأنتَ تصُب رغوةَ بحرِها وشذى نداها في دمائكَ
تقتفي ما يتركُ اللبلابُ في شرفاتها من شهوةٍ عجلى
تُؤثثُ ليلَها بشفاهِ “ليليتَ” التي لم تأتِ إلا عندما
فخختَ عطرَ قصيدةٍ بالموجِ؟
منذُ متى وأنتَ تقيسُ أبعادَ التأملِ في روايةِ حُبها الأزلي؟
كيفَ يشيخُ قلبُكَ في طفولتها
وتلمَعُ في أنوثتها شظايا مائكَ الكحلي؟
لوزُ البحرِ مرمي على يدِها
ودمعُ طيورها البيضاءِ يلمعُ في خطاكَ
فهل تُرى تهذي بموسيقاكَ في جَسدٍ
وهل كالأقحوانةِ في الصدَى تهوي؟
تَرى حيفا من الأصدافِ تخرجُ مثلَ “أفروديتَ”
تُشعلُ ماءَ بسمتِها
وتُسندُ قلبَها المثقوبَ بالنعناعِ والدامي
على نجمٍ من الصَوانِ
تشبكُ شعرَها بيمامةٍ عطشى
وتنتظرُ البرابرةَ المسائيينَ . . .
منذُ متى وأنتَ تحبها وتصُب رغوةَ عشبها
أو نارَ غيمتها المطيرةِ في دمِكْ؟
لا تشتبِه بعنات
خففِ الوطءَ
إن الأديمَ الذي لستَ تمشي عليهِ سوى بعيونِ الظباءِ
كما قالَ عنهُ المعري يوماً
دمُ العاشقاتِ القديماتِ فوقَ الرذاذِ تيبسَ
لا تنتبهْ لخطى الآخرينَ
ولا تشتبهْ
بعناتَ التي قطرتْ كحلَها في البنفسجِ
أو في سرابِ الترابِ الذي شح فيهِ الندى
ونداءُ الجنودِ القدامى
هنا نمَشٌ غائرُ الضوءِ
وردٌ من الثلجِ
تُلقي بهِ الشمسُ في قلبها
خففِ الوطءَ
إن الأديمَ الذي تتقراهُ بالفَمِ
غيمٌ تنقشهُ زرقةٌ واخضرارٌ وشهدٌ فسيحٌ جريحُ
لأعينِ من كُن رباتِ هذي السماءِ الفقيرةِ
كالأقحوانةِ يجترُها شفقُ الرملِ
خففْ إذنْ وطءَ عينيكَ
حينَ تهبانِ كالطائرينِ الغريبينِ
في أُفُقٍ هو من عبَقٍ لا يُرى
لا يُشمُ ولا يُشترى
من دمِ العاشقاتِ القديماتِ
أو من شفاهِ الهواءْ
غجريات يوسف
النسوةُ الغَجرُ اللواتي انصَعنَ للتفاحِ
في فردوسهن الآخرِ الأرضي
أو لفُتاتِ شمسِ غزالةٍ عربيةٍ في شِعرِ لوركا . .
النسوةُ الغجرُ الجميلاتُ الطويلاتُ الرشيقاتُ
انتبَهنَ لنأمةٍ في الماءِ
حينَ حمَلنَ غيمَ صليبهن على الأكُف
وسِرنَ في المعنى . . . . .
أحُب حريرهن الرخوَ والذهبَ المقطرَ في جدائلهن
أو في مسحةِ النمشِ الخفيفةِ حولَ أعينهن . . .
كيفَ انصعنَ للدُلبِ المعذبِ بالحنينِ إلى الوراءِ؟
النسوةُ الغجرُ الخرافياتُ لا يُسْبَينَ بل يَسْبينَ
يستنهِضْنَ حبارَ الرميمِ من الأديمِ
يكادُ من فرطِ الغرامِ يضيءُ
يستوقفنَ من يبكي عليهِ دماً سُدىً طلَلُ الفراغِ
ويستعدنَ البرقَ من رُكَبِ النساءِ الأمازونياتِ
أو شبقِ المجازِ
حفيفهن يخض أوردتي ونارَ دمي
فكيفَ انصَعنَ للتفاحِ أو لأظافرِ الأفعى
التي شابَتْ من الآثامِ
أو قطعنَ أيديَهن حينَ رأينَ يوسُفَ في المنام؟
صبية
الصبيةُ تلكَ التي حنتْ الشمسُ غرتها
بالنعاسِ البريءِ وبالأرجوانِ السخي
الفتاةُ الخجولةُ كالشاعراتِ الصغيراتِ في زحمةِ الآخرينَ
وفي لهفةِ الماءِ أو شغفِ الآسِ
والمستقيلةُ من قمَرٍ ذابلٍ ناحلٍ مثلها
الفتاةُ التي راحَ ينبضُ كالماسِ في قبضتي شعرُها
ويُلوحُ من آخرِ الكونِ أو لوعةِ اللونِ لي
ثُم يتركُ في القمحِ، أو أولِ الصبحِ شقرتهُ الأبديةَ
أو شفقَ الزعفرانِ الملطخَ بالغارِ والزيزفونِ
الفتاةُ الصبيةُ تلكَ التي . . . .
من تكونْ؟
امرأةٌ لا تموت
تفحمتْ أوصالُ ذاكَ العنكبوتِ الأسودِ القبيحِ والدامي
ولم يذبحْ مرايا تلكما الحوريةِ الحوراءِ
تلكَ المرأةِ . . العصفورةِ . . الغزالةِ . . الفراشةِ . . الوردةِ
بل أسمعُها تشهقُ في قاعِ البحيراتِ
ولا تعصبُ عينيها سوى بالضوءِ أو بخرقةِ الدمعِ
الذي يطفرُ من ضلعي ومن أصابعي هناكَ
أو من عطشِ المرجانِ في كاحلها الناري
فيما قلبُها كالسَمَكِ المهتاجِ أو كالقمَرِ الصغيرِ
راحَ يذرعُ السماءَ في الأسفلِ
كانَ صوتُها يخضر أو يرتد من
أقصى شغافِ الصدَفِ المائي
فيما خصرُها يشق نجمةً إلى نصفينِ
هل كل طيورِ دمِها استعصَتْ على
خناجرِ الجلادِ أو رصاصهِ الأعمى؟
وهل نحيبُها الشبيهُ بالنسمةِ أو برفرفاتِ اللوزِ
كانَ في مدى محارةٍ يرتد كالموجةِ في قلبي؟
مسَستُ جسمَها فاستَنزَفَ الشهدَ
أكل امرأةٍ من حمصَ فيها ذرةٌ خضراءُ
من شمسِ رمادِ وردْ؟
_______
*شاعر من فلسطين(الخليج)

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *