وعدُ ماءٍ وقمر


*شجاع الصفدي

(ثقافات)

تواعدنا بعد فراقٍ 
في ساحةِ بَيْتِها القديم
وصَلْتُ مُبكرًا قبلَ النَدى 
نَفَضْتُ الغُبارَ عن ظِلِّ الشجرِ
في باحةِ الدار
وبَدَأتُ أرْقبُ الحَفِيفَ عن كَثَبْ.
أقرأُ شِفاهَ العابرينَ عن بُعْدٍ تُرَدِّدُ اسمَها 
يُنْبِتُ الحنينَ في الحَجَر.
لم أستَطِعْ الانتظارَ على ناصِيةِ الحِياد
فاسْتَحْضَرْتُ طيْفَها
طرقتُ البابَ فانتفضَ الأنينُ في صدري
مع الصَدى، 
تراجعتُ ريثما يعودُ النبضُ
أو لعلّها تأتي فأتَصنعُ دهشةَ حُضورِها 
ثم أنحني لأقطِفَ وردًا ثارَ فجأةً حينَ هَبّتْ ريحُها 
فَصَارَ يَرقُصُ مع إيقاعِ الخُطى 
ويضحَكُ كفتاةٍ في ليلةِ عُرسِها 
تَضِجُّ بالحياة.
تظهرُ بِنتُ الماءِ فجأةً 
فتُمطرُ الدُنيا 
ويَسّاقطُ ثَمَرُ الهوى 
كأنّها بَعثتْ الروحَ فيما اكتَسى بالأطلال. 
كانَ اللِقاءُ خارجَ التَخمين،
فالخَيالُ نسيمُ حقيقتِنا العابِر.
أثَرْنا عاصِفةً أغلقتْ علينا البابَ
فلا عَوْدةً إلى حيثُ كُنَّا “وحيديْن “،
ولا باحَةُ الدارِ تَسْمَحُ بالانتظار. 
أمسكَتْ بِيَدي وقالت: 
لا تحزَنْ ، وإنْ أظلَمَتْ علينا،
راقِب القمرَ عن كَثَبٍ وصَبر
واكتبْ شيئًا للحبيبةِ ، أو غَنِّ نشيدَكَ 
بلا حُزنٍ 
فاكتمالُ البدرِ رسالةٌ للعاشقين 
حينَ يَخسَرون اللقاءَ تحت جُنحِ الظلام.
رحنا معا في غيبوبةٍ 
حَلُمْنا بأرجوحَةٍ تَضُمُّنا 
طِفلَيْن عابِثَيْنِ 
داهَمَتْهُما الحَرب 
فضَمَمتُها بينَ ذراعيَّ 
مَزهُوًا بالبطولةِ 
حتّى فرَّقتنا النيرانُ 
وتاهَتْ في الزحام باكيةً
وحينَ استَفقتُ من نَوْبةِ الصراع 
بحثتُ عنها في كواليسِ الحياة 
حتى التقيتُها بثوبِ السواد 
حسناءَ لا شِيَةَ فيها .
قالت : لقد بَرِئتُ من سقمِ الهوى 
لكنّي أحملُكَ بينَ الضلوعِ كما أحْمِلُ قلبي 
هَمّانِ لا يقبلان الزوال.
فَطِبْ عَيْشًا واهنَأْ بما لديكَ من الذكرى
واكتب على لِحاء الشجرِ القديمِ في باحاتِ الدار
أنني كنتُ وإيّاكَ هنا 
نَمْتطي الغَمامَ كلّما ساوَرَتْنا الريحُ
عن عِشْقٍ يفيضُ حينَ يَتَمَطّى
على هُدْبِ غيمةٍ حُبْلى بالماء.
________
*شاعر من فلسطين

شاهد أيضاً

كأس وظلال

(ثقافات) كأس وظلال عبد القادر بوطالب تلك الظلال التي طوت تفاصيل أجفاني سارت خلفي ما …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *