الروائي الاريتري حجي جابر: الشعر سابق على الرواية في الأدب الاريتري


محمد مسوكر


 على الساحل الغربي للبحر الاحمر يطغى السياسي على باقي تفاصيل المشهد الانساني الزاخر بالثقافة، فينتشر المصطلح السياسي ‘القرن الافريقي’ ليحجب الصورة. 
الروائي الاريتري حجي جابر ابن هذا الساحل، مواليد مدينة مصوع، ونشأ وتربى في مدينة جدة السعودية على الساحل الشرقي للبحر، وصاحب رواية ‘سمراويت’ التي نالت جائزة الشارقة 2012 وبمناسبة صدور روايته الثانية ‘مرسى فاطمة’ وكلاهما صدرتا عن المركز الثقافي العربي التقته ‘القدس العربي’ في هذا الحوار:


الأدب العربي في إفريقيا يصنف ضمن مكتسبات اللغة العربية عبر الاجتهادات الفردية او أنه حاضر بضرورات الدين الاسلامي، هل القرن الافريقي يقرأ في ذات السياق أم أن الامر له خصائصه المغايرة؟

‘ سأتحدث هنا عن اريتريا لأن ثمة تعقيدات في الحديث عن القرن الإفريقي ككتلة واحدة.بظني أن لاريتريا خصوصية ما في إفريقيا عموما فيما يتصل باللغة العربية، فهي لغة رسمية في البلاد وحضورها أساسي في النسيج الاجتماعي والثقافي، وتتحدث بها شريحة واسعة، كما تدخل مفرداتها في تكوين معظم اللغات المحلية الاريترية الأخرى. ساهم في ذلك الهجرات العربية الواسعة من الجزيرة العربية إلى اريتريا، واحتكاك الإريتريين وسكان السواحل بالخصوص بمحيطهم العربي. وعليه فالأدب العربي قديم قدم العربية في اريتريا وإن كان قد اتخذ أشكالا عدة نحت باتجاه الأدب الشفاهي قبل أن يبدأ تدوينه. ومرور هذا الأدب بمراحل خفوت لأسباب كثيرة لا ينحدر به ليكون صنيعة اجتهادات فردية، أو حاضرا فقط لضرورات دينية.
‘ القرن الافريقي تعريف سياسي هل يصلح أن يكون هوية ثقافية يعرف بها الادب.
‘ باعتقادي أن القرن الإفريقي مصطلح يتوقف عند حدوده السياسية ولا يتعداه ليشمل الهوية الثقافية. فرغم محدودية عدد الدول المنضوية تحت هذا التعريف فإنها تزخر بلغات وهويات وثقافات شتى، قد تأخذ شكلا تنافسيا يصل لحد الصراع بعض الأحيان داخل البلد الواحد ناهيك عن مجمل المنطقة. تدخل في ذلك عوامل عدة قبلية ودينية وبعض ما خلفه الاستعمار. اريتريا وحدها على سبيل المثال بها تسع لغات، بعضها امتداد لثقافات تتجاوز حدود البلد، والقرن الإفريقي، ما يجعل من الصعب بعض الشيء الإمساك بهوية ثقافية واحدة لعموم البلاد. هذا الأمر موجود أيضا بشكل أو بآخر في دول القرن الإفريقي الأخرى. مع هذا كان يمكن لأي وحدة سياسية جادة بين دول المنطقة أن تخلق مناخا يتحرك فيه الأدب بشكل متقارب كأن يناقش قضاياه وهمومه وهذا قد يكوّن في النهاية هوية ثقافية بشكل أو بآخر.

 المجتمع الاريتري متعدد الالسن والأديان كيف تصف لنا ملامحه الادبية؟

‘ تعدد اللغات في اريتريا شكّل إثراء للأدب الاريتري بشكل عام، غير أن اقتصار اللغات المكتوبة على لغتين حصر الأدب الاريتري في مجمله داخل إطاره الشفاهي. فمنذ القدم يتوارث الناس الشعر والحكايات والأساطير المحفوظة في الصدور، دون أن تجد طريقها للتدوين. بينما وقفت ظروف أخرى قاهرة دون أن يتطور الأدب الاريتري داخل اللغتين المكتوبتين، كانت الحروب أبرز تلك الظروف.

 ما هو الوصف الدقيق لوجود اللغة العربية في إريتريا في ظل وجود ألسن خاصة؟

‘ موسى صالح مغن مشهور بلسان التقري وهي لهجة لعدد كبير من القبائل وهو رجل أمي الابجدية كان يشتري النسخة العربية لصحيفة اريتريا الحديثة وهو لا يستطيع قراءتها قائلا حتى لا يتحجج النظام بعدم وجود قراء لها ويغلقها، وذلك في تصديه للتهميش الممنهج الذي تتعرض له اللغة العربية من قبل القوى الحاكمة تلك هي العلاقة.

 المشهد الشعري في اريتريا سبق الرواية في تأكيد حضوره منذ عهد الثورة الاريترية على يد شعرا ء مثل محمد عثمان كجراي، وأحمد سعد، ومحمد مدني،وآخرون لماذا توقفت الرواية في إريتريا بعد رواية الاستاذ ناود وعاودت الظهور مجددا؟

‘ يبدو لي أن ذلك عائد لطبيعة الشعر كإبداع أدبي، وحالة شعورية. فهو متوائم مع حالة الإبداع الشفاهي التي سادت طويلا ونمت وسط بيئة خصبة، إذ كان للشعراء في اريتريا مكانة سبقت قيام الدولة وصيت عابر للقبيلة أو المنطقة. بينما الإبداع الروائي يتطلب ما هو أكثر ليبقى ويتطور، وهو ما كان شحيحا في الحالة الإريترية، فلا التجارب المحلية كانت كافية لتؤسس بيئة روائية، ولم تكن الظروف مواتية للاطلاع على تجارب الآخرين.

 السياسي والروائي الاريتري الراحل محمد سعيد ناود في روايته صالح التي صدرت قبل عقود تناول الحركة الطبيعية لانسان المنطقة بين السودان واريتريا وكتبت انت عن فكرة الانتماء والرحيل في روايتك ‘سمراويت’ التي نالت جائزة الشارقة للرواية العام 2012 هل الذات الاريترية تعيش هذا الهاجس الأمر الذي جعل الرواية في اريتريا تنحى هذا الاتجاه؟ 

‘ بظني أنها تعيشه مع اختلاف جوهري. فالعظيم ناود وجيله كان يتنازعهم الحنين إلى اريتريا التي لم تكن قد جاءت بعد. كان الاستقلال هو الحلم المنشود لجيل الآباء، بينما يعاني جيلنا من حالة أكثر تعقيدا، فقد جاء الاستقلال دون أن يتحول واقعاً ينعم به الإريتريون، ما جعل فكرة الانتماء قائمة، وحالة الحنين إلى اريتريا الحلم حية لا تخمد. وكان من الطبيعي ربما والحال هذه أن تنعكس هذه الحالة الشعورية الطاغية على الأعمال الإبداعية بوعي أو بدونه.

هل جاءت ‘سمراويت’ مرافعة امام الثقافة والتاريخ والدين والبحث عن مأوى جديد للإنسان جراء قسوة الحاضر؟

‘ إلى حد ما، لكنها مع هذا لم تمثل حالة هروب كلي من هذا الحاضرالقاسي، أو هذا ما أردته لها على أقل تقدير. ثمة فضح لهذا السوء الذي يكتنف واقعنا الاريتري وتحريض على تغييره. 
ثمة ضجيج تعمدته و أنا أمرّ على ما نعيشه. كنت حريصا على إسماع الآخرين ولفت انتباههم. وددت قبل ذلك إسماعنا نحن الذين أُصبنا بالاعتياد حتى على أكثر الأمور مأساوية.
برأيي أن اريتريا والاريتريين يستحقون ما هو أجمل. هذه العذابات يجب أن تنتهي. لا ينبغي أن نكتفي بالأمل بأن يتجنب أبناؤنا ما نعيشه. هذا تماما ما اكتفى آباؤنا بفعله. مع هذا كنت حريصا جدا ألا يجرفني موقفي هذا ليحوّل الرواية إلى منشور سياسي.
‘ في ‘مرســــى فاطمة’ كمــــا في ‘سمـــراويت’ الفكرة الأساسية للرواية تسير خلف علاقة عاطفية هل شخصية سلمى إمتداد لشخصية سمراويت؟ 
‘ سعيت قدر استطاعتي أن ُأخرج عملا مختلفا عن سمراويت، ولا أعرف إلى أي حد وفقت في ذلك. لكني مع ذلك أبقيت على الخيط الرفيع الذي يحيل لمعنى الأنثى في نصوصي. هذا الخيط الذي قبض عليه القارئ في سمراويت سيجد امتداده لدى سلمى، مع أجواء مختلفة بالطبع.

هل رواية ‘مرسى فاطمة’ تتحدث عن غياب الدولة وأجهزتها في السودان واريتريا أم أنك تساويهم بالدولة الثالثة القابعة في الحدود عصابات الاتجار بالبشر وتصديرهم إلى الكيان الصهيوني عبر سيناء؟

‘ فعلت هذا وذاك. في لحظة ما تصل لقناعة أن مجرد التوقف عند هذا السؤال هو عبث طالما كانت النتيجة واحدة. ما معنى أن يجد الإريتري خلاصه من عذابه بعذاب أكبر؟ ما معنى أن يكون الضحية لآخرين مهما اختلف الزمان أو المكان؟ هناك تنافس محموم بين الحكومة الإريترية وعصابات الاتجار بالبشر في التنكيل بالشعب الاريتري. لا يمكن تخيل مدى التطابق في أساليب هذا التنكيل ولا مدى بشاعته. الناجون وحدهم يحملون عذاباتهم كوشم ملتصق بأرواحهم المنهكة.

– القدس العربي

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *