*إيمان شمس الدين
عندما يتحكم الجهل بالدين تضيع البوصلة، فيصبح النهج الديني نحراً وسحلاً وقتلاً لبعض ابناء الدين نفسه.. لكن من يقتل باسم الدين سيقتل باسم الجهل.
ينسب إلى ابن رشد قوله «التجارة بالأديان هي التجارة الرائجة في المجتمعات التي ينتشر فيها الجهل».
والجهل عدم العلم، لكن هل كل علم يؤدي إلى وعي؟ فما نعيشه اليوم من أحداث يدلل وبشكل صريح على أن ليس كل علم رافعا للجهل، بل رب علم يؤدي بصاحبه لمزيد من الجهل والضلال، وكمثال صارخ لذلك، كثير من تجار الدين الذين يطلقون عليهم علماء أي فقهاء سلطة ومال.
وللدين والفتوى سلطتهما النافذة في المجتمعات كافة لارتباط الإنسان فطريا بهما وحاجته اليهما، لذلك كان موقع عالم الدين في كل الأديان موقعا حساسا ودقيقا ويتطلب صفات ومعايير ومؤهلات عالية جدا في الشخص الذي يتصدى لهذا الموقع.
لكن الواقع لا يحاكي هذه الحقيقة غالبا، فتجار الدين راجت تجارتهم في ظل وفرة البترودولار، والتي انعكست وفرة في الفتاوى التي تفصل على مقاس مطالب السياسيين والأنظمة، وعلى أهواء تجار الدين وميولهم المذهبية والطائفية، بل وفق بوصلة العداء يوجهون قبلة الفتوى التي يغلب عليها طابع شريعة الغاب وليس الله.
فتاوى التكفير والتضليل والنحر والسحل تحت صيحات «الله أكبر» راجت في كثير من المجتمعات، التي لم نكن نظن يوما أن تتلقف هذه الثقافات الاقصائية، ولكن واقعا كان رواجها في أوساط البسطاء والجهلاء من الناس الذين غرروا بهم باسم الدين فثارت حميتهم للدفاع عن دينهم بالقتل والتمثيل بالقتيل، والمصيبة أن هكذا أفعال تجد مؤيدين لها في أوساط الأكاديميين والمثقفين الدينيين لا لشيء إلا لأن الطرف المعتدى عليه من مذهب مخالف أو له موقف سياسي مخالف فأجازوا قتله وكله باسم الدين.
وتناسوا أن عقوبة القتل لها ضوابطها الشديدة في الشريعة الإسلامية وأنها لا يمكن أن تطبق إلا من خلال محاكمات وأدلة وعلى يد الحاكم الشرعي، وليس أيدي الناس وإلا عمت الفوضى، واختل النظام وهو خلاف العقل.
للأسف في خضم هذه الأحداث زالت الأقنعة وبانت حقيقة كثير من النخب والمثقفين الذين اغرقونا بخطاباتهم ومقالاتهم وكتبهم، التي تتحدث عن التعايش والتسامح والتعدد والدولة المدنية، وإذا بهم بقدرة قادر ينقلبون إلى عصر الجاهلية والإغارات القبلية والسلب والنهب والقتل والنحر والسبي وهتك الأعراض، وأصبحت نظرياتهم وخطبهم ومقالاتهم فجأة حبرا على ورق، وليست قناعة راسخة كعقيدة يحمونها بأنفسهم لحقن دماء الناس.
من يرتض اليوم بثقافة النعاج في النحر والقتل والسحل فسيقتل غدا بالطريقة والفتوى نفسيهما وعلى يد عقلية من صدّرها.
_______
*باحثة وكاتبة من الكويت (القبس)