*ترجمة: عباس محسن
كتبت الغارديان البريطانية في تقرير لها للكاتب أليسون فلود بتاريخ 4 يونيو/حزيران الجاري عن مزاد علني لمسودات رواية “مورفي” للكاتب البريطاني صاموئيل بيكت، أن مسودات أولية للرواية تعرض للمرة الأولى في مزاد علني يقام في لندن الشهر القادم، وتتضمن هذه المسودات التنقيحات والتعليقات – أو بالأحرى التصحيحات – التي أجراها الكاتب على روايته المذكورة، كما يتضمن رسومات شخصية له عن صديقه المقرب جيمس جويس.
وتعد هذه المخطوطات النادرة لبيكت وثيقة أدبية تحتوي على أهم الملاحظات الأولية لهذه الرواية، ومن المقرر أن يصل سعر هذه المخطوطة إلى أكثر من مليون جنيه استرليني، وسوف يتم استكمال إجراءات عرض المزاد الشهر القادم. ودونت هذه المخطوطات في ست دفاتر مليئة بالحذف والشطب، كما تحوي بعض صفحاتها على رسومات – سكيتشات – وبخطوط سريعة، عن صديقه جيمس جويس، والفنان الكوميدي تشارلي تشابلن، ورسومات شخصية لمعالم وجهه أيضا. ويذكر أن الفنان تشابلن تأثر كثيرا بمسرحية بكيت “بانتظار غودو”.
وتعد الصفحات الـ 11 الأولى استعراضا كافيا لما تحتوي عليه من التغيرات والتنقيحات والإجراءات المتخذة بحق هذا العمل، حتى ظهر بصورته الأخيرة. فقد جاء فيها: “أشرقت الشمس لأنها وحدها التي تشرق على لا جديد”.
وصارت في النسخة المنشورة: “أشرقت الشمس على لا شيء لأن لا خيار آخر لديها”.
كتبت هذه المخطوطات في الفترة الممتدة ما بين شهر أغسطس/آب من عام 1935 وشهر يونيو/حزيران من عام 1936، ويصف المشرف على المزاد في دار سوذبيز المخطوطة على أنها “أهم مخطوطات بيكت، التي ظهرت للبيع في أسواق المزاد، وهي مهمة جدا لكل المتخصصين والدارسين. ويرى أن السعر الأولي الذي قد تصل إليه هذه المخطوطة هو من 800.000 إلى 1.2 مليــون جنــيه إسترليني. والمخطوطة مختلفة، كلياً، عن النص النهائي الذي صارت عليه هذه الرواية في صيغتها الأخيرة، وقد نشرت في عام 1938، وهي، بالتالي، مادة مهمة لكل المهتمين، إضافة إلى جامعي التحف الفنية النادرة والمخطوطات.
• أسلوب بيكت
يقول غابرييل هيتون عن هذا المزاد: “إنها مخطوطة مميزة جداً، إذا كنت تمتلك تصورا عن أسلوب بيكت في الكتابة، فهي جهد يستحق الاهتمام والمتابعة من الجمهور، وهي تحتوي على مادة علمية كبيرة، ومن النادر أن تعرض مثل هذه المخطوطات في المزاد، وهي بالتأكيد ستثير فضول الكثير من المهتمين بهذا الشأن.
ورأى أن هذا الموضوع جدير بالاهتمام من ناحية الانشداد نحو هذا العمل الأدبي، وما يكشف عنه من تطور في الأفكار وطريقة التفكير التي يتميز بها الكاتب خلال عمله في نصوصه الأدبية، فضلا عن القيمة الخاصة للرسومات الموجودة في هوامش هذه المخطوطة، وهذه إحدى أهم المميزات المكتشفة أخيرا في عمل بيكت الأدبي، وقد تُشكل إضافة إليه.
ويعتقد هيتون أن هذه المخطوطات تفيدنا بأول عمل أدبي للكاتب يمكننا من ملاحظة الكيفية التي حصل وفقها التطور في أفكار الكاتب نتيجة لعزلته، وهي مزيج رائع بين الفلسفة والإحساس المرهف الشاعري، والذي يمكن أن نطلق عليه الـ (الأسلوب البيكتي) الاهتمام بفكرة الحرمان، والفقر، والمومس، والبغاء، والدعارة وكل قبائح الحياة، والتي يمكن أن نتبين انتقالها بأسلوب واقعي وجميل جداً في كتاباته. أما الرسومات التي تتعلق بجيمس جويس فيفيدنا هيتون بأنها تكشف مدى الاهتمام الكبير بـجويس أدبيا.
• بيكت رائد الحركة التجريبية الأدبية
بيكت ربح جائزة نوبل للآداب عام 1969 بسبب أسلوبه الروائي المبتكر الذي برز فيه، ورواية “مورفي” نشرت قبل ظهور “بانتظار غودو” أكثر أعماله الأدبية شهرة، وذلك في عام 1953 وقد واجهت صعوبة كبيرة قبل أن تنشر للمرة الأولى، إذ أنها رفضت أكثر من 40 مرة من قبل الناشرين.
وبالعودة إلى المخطوطة المذكورة فإنها عرضت في دار سوذبيز في نيويورك من الفترة 5-10 من شهر يونيو/حزيران الحالي، ومن ثم في دبلن في يوم 17 من الشهر الحالي، أما في لندن فسيكون عرض هذه المخطوطة في الفترة من 9-10 من شهر يوليو/تموز المقبل.
وحسب مختلف المراجع، ومنها ويكبيديا، يعتبر صاموئيل باركلي بيكت المولود في مدينة دبلن أيرلندا في 13 إبريل/نيسان عام 1906، واحدا من الكتاب الأكثر شهرة والذين ينتمون للحركة التجريبية الأدبية في القرن العشرين ولحركة حداثة الأنكلو. وكان رمزا من رموز مسرح العبث، وواحدا من الكتاب المؤثرين في عهده. وكان يكتب أعماله باللغتين الفرنسية والإنكليزية، ومعاصرا للروائي الشهير جيمس جويس. وعمله الأكثر شهرة هو بطبيعة الحال “في انتظار غودو” وتعتمد أعماله وبشكل كبير على رصد عوالم الكآبة والسواد، وتتجه دائماً نحو البساطة. ووفقا لبعض التفسيرات فهو يميل إلى التشاؤم حول وضع الإنسان. وهكذا ومع مرور الوقت أصبحت أعماله أكثر إيجازا.
• لا أعرف يا سيدي
ومن الحوادث المهمة في حياة أشهر كتاب مسرح العبث وأدبه أنه بينما كان يسير في أحد شوارع باريس ذات مرة توجه نحوه متسول مستجدياً صدقة فأشاح بيكت عنه، وكان أن غضب المتسول ورد بطعنه، من سكين مزقت صدر بيكت وكاد بسببها أن يموت، لكنه نجا، ويقال إن صديقه الكاتب جيمس جويس كان يعتني به في المستشفى. وفي التحقيق لم يتهم بيكت المتسول بأي شيء لكنه سأل المتسول عن سبب طعنه بالسكين، فأجاب: “لا أعرف يا سيدي”، هذه الجملة سوف يستخدمها بيكيت كثيراً في مسرحياته خاصة “في انتظار غودو”.
قضى بيكت فترة الثمانينات منعزلاً في بيته الهادئ، وكان أحياناً يتردد على مقهى قريب ليلتقي برفقة أدبية صغيرة وفي عام 1989 ماتت زوجته سوزان وبعدها بشهور في 22 ديسمبر/ كانون الأول 1989 مات بيكت بعد تعرضه لأزمة في جهازه التنفسي. وهو يعد من أهم كتاب القرن العشرين في مجالات المسرح والرواية، وهو بأدبه الممتد لفترة 60 عاماً يعبر أصدق تعبير عن مشاكل إنسان هذا العصر.
______
* (ميدل ايست أونلاين)