حصــــــــــــــاد


*سعدون جبار البيضاني


(ثقافات) 
يدي الصدئة منقضة على منجل معقوف يعاني من تسوس في بعض أسنانه الا انه ظل يهذي طوال النهار حتى حصاد آخر سنبلة من جوع .
بعد انتهاء مواسم الذبح هذه ستتعرض السنابل الى عملية الوخز بالإبر حتى انصياعها الى دقيق يحمل جواز سفر مفتوح الى البطون / الآبار ، عشرة ثيران وأنا الحادي عشر ندوس على كومة من السنابل بحركة دائرية نصف قطرها خمسة أمتار قابلة للتوسع بشكل عشوائي .
منذ الضياء الأول حتى تسربل آخر حزمة شمس معلنة انتهاء النهار /السعي في المناكب وأنا أدور مع الثيران باتجاه عقرب الساعة وعكسه ، حوافرنا تهشم السنابل اليابسة لتحيلها الى حَب ليأخذ مكانه اللائق / طحن ، كلبي البائس ينتظرني خارج الدائرة / البيدر مقعيا بلسان متدل آملا أن يشاطرني في حبة قمح في النية أطحنها لسد رمق جرو يعوي بين ضلوعي .
الأسبوع الثالث لتاريخ الشروع ، انا والثيران التي اختزل الدوران عددها الى سبعة لازلنا ندور ..ندور ، مطارق القيض تنثال على هاماتنا حتى بانت أضلاع الثيران وتوشم وجهي بالصدأ وقد انفرطت جميع الحبات من سنابلها وأطلق سراحنا بدون كفالة ضامنة .
نحن بانتظار هبوب الريح كي نذري البيدر المكتوم بترهل واضح لتنحية التبن جانبا عل الثيران تسترد بعض عافيتها .. ثلاثة أيام نصلّي من أجل نسمة ريح ، في اليوم الرابع استيقظنا علة صوت الرعد والعواصف ، استمر المطر يهذي طوال الليل كمسامير فضية مستغلا انزياح الشمس وتراجعها أمام كتلة الغيوم المنخفضة الى حد ما ، قال رجل طاعن في السن قبل أربعين سنة أمطرت بمثل هذا الوقت .. في اليوم التالي كانت القرية قد تحولت الى جزيرة محاطة بالمياه على مد البصر وقد استسلمت بعض البيوت لهذا الطوفان وعام البعض الآخر ، جزيرة خالية من النوارس واللقالق والسمك استثناء من بعض الضفادع والدعانيص ، اعتقد البعض ان البيادر انجرفت باتجاه المبزل الرئيس الذي يصب في نهر سريع الجريان فيما انشغل البعض الآخر بتخمين الحاجة من القوارب التي لايجيدون الركوب فيها متوجسين خيفة من غرق الأطفال ولم تتمكن النسوة من إخفاء غبطتهن بعد تحويل نمط المعيشة من الزراعة الى الصيد وهن يحلمن بالنزهة في قوارب صغيرة …
____________
* قاص من العراق

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *