اسطنبول أيضا تهتف ضد حكم الإخوان


* غسان زقطان

عندما اختار منظمو مهرجان اسطنبول للشعر الفندق الصغير لإقامة الشعراء، كانت الفكرة وضعهم بالضبط حيث ينبض قلب اسطنبول القديم غير بعيد عن ساحة ” تقسيم “. الحديقة التي تتوسط المدينة القديمة والتي اقيمت على انقاض مبان عثمانية بعد ازالتها، تحولت الى مكان لتجمع المحتجين ومساحة حرة اقرب الى ” هايد بارك” تركية.

لم يكن ممكنا لمنظمي المهرجان التنبؤ باتساع الاحتجاجات التي بدأت مبكرا في مطلع الأسبوع الماضي، على شكل تظاهرة صغيرة يحتج المشاركون فيها على اقتلاع اشجار الحديقة للبدء في تحويلها الى مجمع تجاري ضخم، كجزء من خطة البلدية لتنمية وسط المدينة القديمة، حسب البلدية والحكومة !، المشاركون في الاحتجاج ” البيئي ” كانوا يدافعون عن اشجار الحديقة وعن الحديقة نفسها، عن تاريخ الاحتجاج وتقاليده ايضا، وهو مالم يفكر به وزير داخلية حكومة اردوغان الذي دفع بأعداد كثيفة من رجال الأمن لقمع الاحتجاج، كانت قسوة الحملة الأمنية مفاجئة تماما، عشرات الجرحى والإصابات وغيمة كثيفة من الغاز المسيل للدموع حملها الهواء الى شوارع اسطنبول الضيقة وحواري المدينة القديمة.
من نافذة غرفتي في الفندق كان يمكن مشاهدة تدفق عشرات الشبان والشابات نحو ساحة ” تقسيم “، وهم يضعون الكمامات البيضاء ويهتفون ضد ” مقتلعي الأشجار ” ، وهو الشعار الذي تحول عند مساء الجمعة الى الدعوة لاستقالة أردوغان وحكومته.
الشعراء الذين وصلوا من دول مختلفة وجدوا انفسهم داخل الاحتجاج ، او شهودا على بدايات تحول في الشارع التركي يقوده شباب دون العشرين في غالبيتهم، وكاحتجاج بأثر رجعي على سلسلة من القوانين التي اتخذتها حكومة اردوغان وحزبه ذو التوجه الإسلامي، التي منع بموجبها بيع الكحول بعد العاشرة مساء ومنعها بشكل مطلق في محيط المساجد، او اظهار العواطف في الأماكن العامة..، واصل الشبان والشابات حمل زجاجاتهم في الشوارع وعلى المفارق والساحات دون الحرص على اخفاء عواطفهم او التستر عليها حسب قوانين اردوغان.
ما زال ” أردوغان ” ظاهرة في الحياة السياسية التركية، ولعله الشخصية الثانية التي تحظى بشعبية الشارع التركي بعد مؤسس تركيا الحديثة ” أتاتورك”، وهي شعبية مستندة بقوة على انجازات اقتصادية واستقرار سياسي واضعاف شوكة العسكر، بحيث حققت البلاد خلال السنوات العشر من حكمه مستويات غير مسبوقة في التنمية ضاعف خلالها دخل الفرد ووصلت المنتج الصناعي الى اسواق جديدة، وحاول استعادة نفوذ بلاده في مناطق استعمارها القديم في سياقات جديدة بما فيها ” الجيوب والاختراقات الإسلامية في البلقان، وتعززت التأمينات الاجتماعية ورفاهية الأفراد، تحديدا المناطق المهمشة والريف حيث المخزون الهائل لشعبيته. ولكن حجم التظاهرات، ايضا، وعنفها احيانا، وانتشارها السريع حيث وصلت اكثر من خمسين مدينة وبلدة، شكل صدمة قيقية لحزب الحرية والعدالة وكسر قداسة زعيمه وثقته المطلقة بحضوره، ولعل الصبغة الشبابية الساحقة للمحتجين هي التي دفعت احد المعلقين في الصحافة التركية ليقول ” وصل الربيع العربي الى اسطنبول”.
في الشارع المجاور للفندق كانت مجموعة من الشباب والشابات يحملون اعلام تركيا الحمراء ولافتة مكتوبة بخط اليد، سألت احدهم : 
ماذا كتبتم على اللافتة
قال:
– ” يسقط حكم الإخوان في كل مكان ” 
– بدا الأمر وكأنه اعادة لمشهد يمتد من اقصى الضفة الجنوبية للمتوسط الى هنا حيث بوابات اوروبا.
_________
* شاعر من فلسطين (الأيام)

شاهد أيضاً

فرويد وصوفيا في جلسة خاصة

(ثقافات) فرويد وصوفيا في جلسة خاصة د. صحر أنور جلس سيجموند فرويد أمامها ينظر إلى …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *