باسم يوسف: الجمهور يحدد السقف



*رامي سلوم – دبي

اعتبر المتحدثون، في الجلسة الرابعة من فعاليات اليوم الثاني بمنتدى الإعلام العربي، التي عقدت، أمس، بعنوان «الإعلام الساخر.. هل تتسع له صدور العرب؟»، أن الإعلام الساخر وسيلة لتغيير الواقع، والتعبير عن الألم، وهو «أحد الألوان المهمة في الإعلام، ويحتاج إلى مهارات شخصية، لا تتوافر في جميع الاعلاميين».

وأضافوا، خلال الجلسة التي أدارها الإعلامي اللبناني طوني خليفة، وتحدث فيها كل من إعلامي قناة «سي.بي.سي» المصرية باسم يوسف، وكاتب صحيفة «عكاظ» السعودية خلف الحربي، ورئيس تحرير صحيفة «الإمارات اليوم» سامي الريامي، وكاتب صحيفة «الوطن» المصرية محمد فتحي، والكاتبة الساخرة في مجلة «روتانا» السعودية، وصحيفة «الرأي» الأردنية، هند خليفات، أن الإعلام الساخر هو نوع من مقاومة الفساد، والأخطاء الموجودة في السلطة والحياة الاجتماعية، بالضحك، مشددين على عدم القذف والشتم في الإعلام الساخر، والسخرية من المواقف، وليس من الأشخاص أنفسهم، وإلا خرج عن الأخلاق.
وفي مستهلّ الندوة، قال مديرها طوني خليفة إن الضحك من كثرة الألم، وتحول الدموع إلى ابتسامات، بات بمثابة بدعة عربية محضة، إذ تمكن العرب من تحويل العذاب والضجر والغضب إلى ضحكات وابتسامات، وذلك من خلال الإعلام الساخر والنكتة اللاذعة.
وقال إنه مع تطور ظاهرة السخرية، وازدياد أعداد المتابعين والمهتمين، انتقل بعض هؤلاء المبدعين من الفضاء الإلكتروني إلى قنوات فضائية، وسجلوا نجاحاً مبهراً واستقطبوا نسب مشاهدة عالية، فاقت التوقعات، وصلت في بعض الأحيان إلى ملايين المشاهدين للحلقة الواحدة. إلا أن هذا اللون من البرامج أثار زوبعة من ردود الفعل والانتقادات والملاحقات القانونية، واتُهم بأنه لا يُميّز بين الشتم والنقد، وأنه حاد في معظم الأحيان عن تقاليد المهنة، فاصطدم بالقوانين والأعراف الراسخة، ليظل تفسير ذلك حائراً بين مدى تقبّل العقلية العربية لهذا القالب التعبيري الجديد وفهمه واستيعابه من ناحية، ومدى إتقان القائمين عليه لتوظيف أدواتهم بالأسلوب الصحيح، ليحافظوا على اتزانهم على هذا الخط الرفيع، من دون الوقوع في زلات، أو الانجراف بعيداً عن النسق القيمي والأخلاقي لثقافتنا العربية.
وتساءل طوني خليفة: «إلى أي مدى اضطلع الإعلام الساخر بدور الجلاد، ورد التجريح بالتجريح، والإساءة بالإساءة»؟ متابعا أن خير من يرد على هذا التساؤل هو الإعلامي الساخر باسم يوسف، الذي علق بدوره، قائلا إن مفهوم السخرية لا يحمل معنى الإهانة أو التجريح، معتبرا أن الحاكم هو المسؤول الأول عن تعرضه لأي سخرية أو انتقاد؛ فالحاكم العادل لا يمكن أن يتعرض لأي سخرية من شعبه، بل لا يلقى من شعبه إلا كل تقدير واحترام. وأضاف أن الأمر ببساطة أنه يعرض منهجا ورأيا إعلاميا، ولأيّ شخص أن يتقبله أو يرفضه.
كما سأل طوني عمّا إذا كانت هناك أي حدود للسخرية، فقال باسم إنه لا يقبل بوضع أي قيود على محتوى ما يقدمه، ما دام أنه ينتقد مواقف وتصرفات الأشخاص، ولا ينتقد الأشخاص أنفسهم، أو صفاتهم التي خلقهم الله عليها.
وأشار باسم إلى أن الإعلام الساخر يقدم منتجا، والجمهور هو الذي يحدد السقف المسموح به، فإذا لم يراع المقدم ما هو مسموح به، وقدم شيئا ممجوجاً، فإن الجمهور سيرفضه، ولن يقبل على المحتوى الذي يقدمه.
وقال يوسف: «يلومونني على انتقاد رئيس منتخب، ومن قال إن الانتخاب (شيك على بياض)؟ لقد انتخبناه ليعمل، والسخرية ليست إهانة أو تجريحا، أو سلوكا غير مقبول، يستدعي وضع خطوط حمراء للبرامج الإعلامية الساخرة»، معتبرا الجمهور هو الفيصل، وتساءل عمن يحدد تلك الخطوط الحمراء.
وأوضح أن الجمهور سيترك البرنامج، حال اتبع الإسفاف والإهانة، وخرق خصوصية المجتمع وتقاليده، التي يتذرع بها البعض في رفض الإعلام الساخر، الذي يحظى بمشاهدة جماهيرية كبيرة جدا.
ورفض يوسف الانتقادات الموجهة للإعلام الساخر بعدم وجود سقف، خصوصا في مصر، وقال ردّا على سؤال من مدير الجلسة حول: هل كانوا يجرؤون على الوصول إلى السقف نفسه أيام النظام السابق، وأليس هذا نوعا من الديمقراطية لدى النظام الحالي، إن «من يعيرنا بالسابق عليه أن يعود إلى السابق، ففي عصر النظام السابق، لم يكن (الإخوان) يحلمون بالوصول إلى السلطة، وها قد وصلوا».
أما بالنسبة لديمقراطية النظام الحالي، والسماح للإعلام بسقف أعلى، فأشار يوسف إلى أن سقف الحرية والإعلام مكتسب من دماء شباب الثورة، وليس منة من أحد، فالحرية لا تعطى بل تؤخذ.
وأضاف يوسف أن السخرية عادة تتجه إلى الحاكم والتيار اليميني، واللافت في مصر أن الحاكم والتيار اليميني اجتمعا في الشخصية نفسها، ما جعلها مادة جاذبة للسخرية. وأوضح أن مفهوم السخرية الاجتماعية موجود منذ وقت طويل، غير أن ظهور السخرية السياسية اجتذب الانظار كونها جديدة على المجتمع، مؤكدا أنها لم تلغ السخرية الاجتماعية، أو الاقتصادية، أو غيرهما.
وأكد أن السخرية لا تتعلق بانتقام أو حقد على أحد، إنما هي مفهوم جديد محبب للتغيير، ولعلاج المشكلات في جو من الضحك، لافتا إلى أن السخرية أمر واقع موجود، ولا يمكن العودة للوراء إلا حال تراجع الإعلام الساخر أو خوفه، وهو ما لن يحدث مجددا.
عيون المخبر
وأفادت الإعلامية هند خليفات بأن المجتمعات العربية والقارئ العربي لايزالون يتعاملون مع الكتابة الساخرة بعيون المخبر، ويحاولون التقاط جملة أو لقطة تدين الكاتب الساخر، مشيرة إلى ضرورة ابتعاد الإعلام الساخر عن الألفاظ الرديئة، والشتيمة، لأنها لا تحقق بعدا تراكميا للتغيير، مشددة على ضرورة أن يكون النص أنيقا، لا يحتوي على ألفاظ نابية، ولو كانت تحمس الشارع. وأوضحت خليفات أن الشتيمة ليست عملا أدبيا يمكن أن يبنى عليه، كما أنها سريعة الزوال في التأثير المجتمعي، مبينة أن المجتمع العربي انقلب إلى مجتمع ساخر، خصوصا في ما سمته ميادين التحرير الجديدة مواقع التواصل الاجتماعي، إذ يجد المرء أفكارا ساخرة، وأنيقة غير أن أصحابها لا يعملون في وسائل إعلام تظهرهم للمجتمع. وتابعت أن «الاعلاميين عموما يطمحون إلى الوصول لمناصب، وبلوغ مراتب عليا، أما الإعلامي الساخر فتفكيره وطموحه كله هو عدم الوصول إلى مركز الأمن».
مهارات خاصة
واعتبر الإعلامي سامي الريامي أن الإعلام الساخر جزء رئيس ومهم في الفنون الإعلامية، وهو من أصعب فنون الإعلام، وقلة قليلة من الإعلاميين تجيده، كونه بحاجة إلى موهبة ومهارات خاصة، في شخصية الإعلامي نفسه.
وأوضح الريامي أن هناك خيطا رفيعا للغاية، بين الإعلام الساخر والتجريح، الذي يعتبر أمرا مرفوضا يخرج الإعلام من نطاقه الأخلاقي، لافتا إلى أهمية مراعاة الحساسية الاجتماعية والعادات والتقاليد، عند إصدار الرسالة الإعلامية، وإلا كانت الاستجابة معاكسة للاستجابة المرغوب فيها.
وأشار الريامي إلى أن الإعلام الساخر يجب أن يبقى وسيلة، وليس هدفا، وإلا تحول إلى ابتذال، و«ثقل دم»، حال أصبح «موضة» دارجة، يحاول كل من يعمل في الإعلام تقليدها. وأكد أهمية البقاء تحت سقف معين، وهو الاحترام، وعدم التجريح، وعدم السخرية من الأشخاص أنفسهم، بل من الواقع أو السلوك، وتناول قضايا محددة، ومواقف معينة، حتى لا تخرج السخرية عن إطارها.
وأضاف أن بعضا من البرامج الفكاهية بدأت بصورة جيدة، ثم انقلبت، أو بدأت برامج أخرى باستخدام السخرية من الآخر لإيجاد مادة للضحك، وذلك بسبب إقبال الجمهور على البرامج الفكاهية، ومحاولة إنتاجها بغزارة، من قبل أشخاص لا يمتلكون حس الفكاهة. وأكد سامي أنه يؤيد حرية التعبير، بشتى الوسائل الإعلامية، شرط أن تكون مسؤولة وبناءة، وليست هدامة، وأن ترتبط برابط أخلاقي واجتماعي وديني، قوي ومتين.
خطوط حمر
وقال خلف الحربي في مداخلته: «نحن متخمون بالخطوط الحمر، لذلك نلجأ إلى الكتابة الساخرة، بغية الهروب والالتفاف على الواقع، وكسر الحواجز، ومحاولة تحقيق مكتسبات في كسر بعض الخطوط. وأضاف أن هناك قيودا على الصحافة والإعلام في السعودية، وهناك قائمة من التحديات، عندما يتطرق الحديث إلى الإصلاح السياسي، مضيفا أن باسم يوسف استمدّ شعبيته وجرأته من اتساع نطاق الحريات في مصر بعد الثورة. واعتبر أن عمل الإعلامي الساخر في نظام غير منفتح على الحريات الإعلامية تحدّ كبير، وخطير، وهو نوع من المقاومة، ويشكل خطرا حقيقيا على الإعلامي، مشيرا إلى أن التحدي في الدول التي لديها حرية صحافة أقل بكثير، من تلك التي لا تؤمن بحرية الصحافة.
ورفض الحربي لجوء الإعلاميين بصورة عامة إلى مواقع التواصل الاجتماعي، للتعبير عن آرائهم الساخرة، معتبرا الإعلام الساخر رسالة ومقاومة، وطرقا دائمة لفتح ثغرات في جدار الرقيب، ورفع سقف الحريات في الإعلام العربي.
وقال محمد فتحي إن الاعلام الساخر سيستمر باستمرار الثغرات والأخطاء في الحكومات، واستـمرار تجـاهلها للقوانين التي وضـعتها، مشـيرا إلى أن السـخرية بدأت في مصر الحديثة في اللحظة التي أدرك المواطن المصري فيها أن الحاكم ليس إلهاً.
وأشار فتحي إلى أن السخرية كانت موجودة منذ العصور القديمة، طريقة في التعبير، مبينا وجود لوحات فرعونية في المعابد تسخر من الحاكم، ومن بعض الأمور الحياتية. وأكد أنه «لا سقف للحرية في مصر، لأن الحرية لا تتراجع، ولم يعد من الممكن أبدا لأي شخص أن يقمع حرية التعبير بمصر، مشيرا إلى أن السخرية تتنامى، حال كان الحاكم لا يستحق شعبه، وهو الأمر الحاصل».
_______
*(الإمارات اليوم)

شاهد أيضاً

أول رسالة دكتوراة رقمية تفاعلية في الأدب العربي

(ثقافات) أوَّل رسالة دكتوراة رقمية تفاعلية في الأدب العربي: أركيولوجيا الصورة في رحلة ابن بطوطة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *