*كرم نعمة
مر خبر فوز الشاعرة الأميركية شارون أولدز بجائزة “بوليتزر” في الشعر هامشيا في وسائل الإعلام التي احتفت بفوز الروائي آدم جونسون الذي فاز بجائزة الرواية عن روايته “ابن السيد اليتيم” التي تسرد ما يشبه سيرة عسكري منبوذ في كوريا الشمالية.
لا يمكن تبرئة وسائل الإعلام من انقيادها للخطاب السياسي السائد، فجونسون “45 عاما” تم الاحتفاء به بسبب كشفه العمق الغامض للدولة النووية المسورة بالخوف في الوقت الذي تتجه فيه نحو مواجهة متزايدة مع الولايات المتحدة، بينما أولدز “مغضوب عليها” منذ إن رفعت صوتها الإنساني بوجه بوش، رافضة احتلال العراق.
مهما يكن من أمر، فهذه الشاعرة تستحق الاحتفاء بها مرتين خلال أسابيع بعد فوز ديوانها “قفزة الأيل” بجائزة ت. س. إليوت الشعرية، ومن ثم “بوليتزر” التي تمنحها جامعة كولومبيا وقيمتها عشرة آلاف دولار، وهي من أهم جوائز الصحافة والأدب.
ومنح “بوليتزر” لشارون أولدز في دورتها السابعة والتسعين، يؤكد موضوعية الجائزة وعدم تأثرها بالضغوط غير المباشرة، وهو ما دفع لجنة التحكيم إلى وصف قصائد هذه المجموعة بانها لا تتزعزع وهي تستكشف الحب والحزن وحدود المعرفة الذاتية.
القصائد محملة بكم من التساؤلات، هي تتحدث من ذاتها تحديدا ولا تلوم الرجل المهاجر من أجل امرأة أخرى، كانت لحظة شعرية مكبلة بالأسى والمرارة، لكنها عندما تستعيدها اولدز اليوم، وتحديدا بعد أن نالت الجائزة الأهم، تعترف كم كان “الوجع شعرياً”!!
وسبق وان وصفت الشاعرة كارول آن دافي رئيس لجنة تحكيم جائزة “اليوت” التي فاز الديوان نفسه بها قبل أسابيع، القصائد بالمفعمة بـ”النعمة الهائلة والشهامة”.
وقالت دافي “من بين 130 ديوانا تنافسوا على الجائزة كانت قصائد شارون أولدز في “قفزة الأيل” الأكثر تأثيرا على ذائقة أعضاء لجنة التحكيم، وخصوصا طغيان حس المرأة فيها”.
بمجرد الإعلان عن فوز مجموعة “قفزة الأيل” بأهم الجوائز الأميركية ارتفع توزيع المجموعة الورقية على موقع بيع الكتب أمازون “لم يتسن بعد إصدار نسخة رقمية”.
وينتظر ان تتراوح الطبعة الخامسة من المجموعة مابين 10 آلاف إلى 25 ألف نسخة وهو عدد غير عادي لكتاب شعري، وهذه الأرقام توضح تدني توزيع المجاميع الشعرية قياسا لما تطبعه كتب الرواية.
الوجع يوصل أحياناً إلى المجد! وهكذا كان الحال مع الشاعرة الأميركية شارون أولدز، فقصائدها الملتاعة بعد أن هجرها زوجها قبل خمسة عشر عاما، جلبت لها جائزة “ت.س. إليوت” وبعدها جائزة “بوليتزر”.
كتبت شارون أولدز “71 عاماً” الأم لابنين، قصائدها، بعد أن أجج زوجها الألم في أحشائها وهو يتركها من أجل امرأة أخرى، لتبث في نفسها شيئا من الأمل.
لم تنشر أولدز القصائد حينها خشية على أولادها بعد فراق زوجها لها، لكنها استعادت شيئاً من رباطة جأشها عام 2012 لتنشر “حسرتها” في مجموعة “قفزة الأيل” وتنال بها اليوم أهم الجوائز الشعرية.
وعندما أطلق سراح القصائد بعد سنوات من الاختفاء بين متن الدفاتر القديمة، أوفت المرأة بعهدها لأولادها بعدم نشر أي شي عن الجرح العميق الذي تركه أبوهم بفراقها، قبل عشرة أعوام.
تقول أولد “أنها لم تكتب قصائد تحت وطأة التذكر والاسترخاء، بل كانت وليدة نتاج العاطفة الشديدة في حينها، بالرغم من إحساسها بأنها كانت قصائد شخصية جداً، وشعرت بعدها إنها ليس مثلما تريد”.
وتتذكر الأيام المُعذبة آنذاك مابين الألم الذاتي بعد هجر زوجها وبين العمل الشاق للكتابة الشعرية، كأنها مخاض ولادة جديدة من دون ان تنتهي بمولود يبدد الألم ويفرح الأم، كانت تسأل نفسها باستغراب “هل حقاً أنا اعرف ذاتي؟” من هذه الأجواء ولدت قصائد ” قفزة الأيل”.
وبرأيها أن القصيدة هي “كشف المكان الخطر فينا” بما يُشبه الغوص غير الآمن في الأماكن الأكثر عمقاً، ودفئاً داخلنا.
شارون أولدز المولودة في ولاية سان فرانسيسكو عام 1942، “نشأتُ في جحيم كالفيني” لكنها ترى ثمّة أدب عظيم، وأدب سيئ في الكنيسة، العظيم هو المزامير، والسيئ هو التراتيل.
كانت في سنوات المراهقة عندما لاحظَتْ أنها تميل إلى الإلحاد، وضد أي شكل من أشكال التعصب الديني، وربما لهذا السبب وقفت بعدها بشجاعة ضد تدمير بلاد النهرين، أبان احتلاله من قبل القوات الأميركية عام 2003، ونظرت إلى دعوات بوش آنذاك بأنها نوع من أنواع القتل الممنهج للبشر.
حينها رفضت دعوة رسمية من سيدة البيت الأبيض لورا بوش، وكتبت “لا مكان لشاعر على مائدة العار” تخاطب فيها زوجة الرئيس الأميركي السابق “فكرت أني قد أحاول أن أجد طريقاً، حتى بصفتي أحد ضيوفك، مع احترامي، للتحدث عن مشاعري العميقة بأنه ما كان يجب علينا أن نغزو العراق، وأن أعلن عن إيماني بأن الرغبة في غزو ثقافة أخرى، وبلد آخر – وما أسفر عنه من خسارة في الأرواح أو بتر أطراف جنودنا الشجعان، وكذلك غير المقاتلين المقيمين على أرض وطنهم – هو ليس نتاج ديمقراطيتنا، بل على النقيض من ذلك هو قرار اتخذ من الأعلى وفرض على الشعب بلغة مشوهة، وقصص لا تمت للحقيقة بصلة”.
وتقول في الرسالة التي لاقت صدى إعلاميا وأدبيا واسعا في حينها “لكني آمل أن أعبر عن المخاوف التي بدأنا نعيشها في ظل الطغيان والشوفينية الدينية – عدوة الحرية، والتسامح، والتنوع الذي تطمح إليه أمتنا.
حاولت أن أرى طريقي واضحاً للمشاركة في الاحتفال كي أتحمل مسؤولياتي – كمواطنة أميركية تُحب بلدها ومبادئها وكتاباتها – ضد هذه الحرب غير المعلنة والمدمرة. لكني لم أستطع أن أقبل فكرة أن أتناول الغداء وأكسر الخبز معك”.
وتعبر بحس أميركي مخلص للحلم التاريخي “عرفت أني إذا ما جلست لآكل الخبز معك، فإني سأشعر نحو نفسي كما لو كنت قد غفرت لما أراه شراً، أو تغاضيت عن الأعمال الاستبدادية لإدارة بوش. أول ما خطر إلى ذهني أني سأتناول الطعام من يد السيدة الأولى التي تمثل الإدارة التي أطلقت هذه الحرب والمصرة على مواصلتها، إلى حد أنها سمحت “بتخلٍ لا نظير له” عن القيم والأخلاق عندما سمحت بنقل أشخاص عن طريق الجو إلى بلدان أخرى كي يتم تعذيبهم هناك نيابة عنا”.
مهما يكن من أمر فأن شارون أولدز التي سبق وان حصلت على جوائز قبل جائزة “ت. س. اليوت” و”بوليتزر”، منها جائزة فرانسيسكو، ولامونت، وجائزة حلقة نقّاد الكتاب القومي، تمتلك لغة شفّافة صادمة، كما يصفها بيلي كولينز “إنها شاعرة المفاجآت اللغوية”.
تتداخل في قصائدها مواضيع الحب، والجنس، وعنف المشاعر المتناقضة، عندما تُطلِق هذيان المكبوت بدون أي تفاصيل تجميلية، وكأنها تحفر في الداخل لتمزج السواد والبياض على الورق.
مازالت تحب الكتابة بالقلم وتشعر ان علاقتها بالدفاتر، أكثر بكثير من العلاقة اليومية الشائعة مع حقائب التسوق والتجوال أمام متاجر البقالة.
_________
* (ميدل ايست أونلاين)