كازانوفا يعود …حراً


*ترجمة : عدوية الهلالي

عن دار نشر (لابلياد ) الفرنسية صدر مؤخرا الجزء الأول من كتاب (قصة حياتي ) للعاشق الايطالي الشهير جياكومو كازانوفا الذي عاش حياة مليئة بالعشق والمغامرات في مدينة البندقية ..ويبدأ كازانوفا سرد مذكراته بمقولته : ” أعلن لقارئي بان كل ما فعلته طوال حياتي ،ان كان جيدا أو سيئا ، فانا متأكد انني كنت استحقه أو لا استحقه وبانني بالنتيجة علي ان أؤمن فقط انني كنت حرا ” ..

والحرية التي يؤمن بها كازانوفا الذي عاش مابين سنوات (1725-1798) كانت حرية فاسقة ومتغطرسة فهذا الكاتب الفينيسي كان قد طاف أوروبا وتنقل مابين البلاطات الامبراطورية المختلفة ودخل عشرات البيوت المشبوهة وكان يقول انه أحب النساء بجنون لكنه فضل عليهن حريته دائما وعندما كان يجد نفسه موشكا على التضحية بها ، كان ينقذ نفسه بسرعة لتعود إليه حريته …

في المخطوطة الأصلية التي عثر عليها عام 2010 في البندقية وتم مراجعتها بدقة من قبل دار نشر لابلياد ، يقول كازانوفا ان باربي دورفيلي وهي إحدى عشيقاته كانت تدعوه (اله الريف ) وكان يمارس عدة مهن ويتخذ عدة صفات ليتقرب من النساء فهو قس شاب ومشعوذ وكيميائي وزير نساء ومتطفل على القلوب البريئة ونصاب وجاسوس ومولع بالكذب والنميمة كما كان مبارزا بارعا بالسيف وقادرا على إمالة أصعب القلوب بحديثه الجذاب وكلامه المعسول ..وكان يمكن ان تراه يعزف على الكمان في دار الأوبرا او يمارس الطب كأي دجال وعلى الأغلب كان يمكن ان يتواجد في السجون كنزيل دائم ..

مع كل تلك الصفات السيئة كان كازانوفا يمتلك مواهب عدة إضافة الى العشق فهو شاعر وكاتب درامي مولع بقراءة كتب هوراس وروسو كما كان ماهرا في الترجمة وكتابة القصة بشكل خارج عن المألوف وقصة حياته التي كتبها جعلها مثل موسوعة تضم كل تفاصيل حياته الجيدة منها والسيئة وكأنه يعيد تمثيل حياته اذ كان يستمتع برواية مغامراته وتسكعه بين الصالونات ويمتلك رغبة ماكرة في اجتذاب القارئ بذكاء ساحر..

في تمهيده للكتاب ، تحدث الكاتب جيرار لاهوتي عن فلسفة كازانوفا في البحث عن المتع الزائلة فهو يفضل التصرف بطيش وعبث في عالم تسود فيه تفاهة التغيير الفجائي ..عالم يسود فيه حب المال والفائدة حيث الكل يمكن ان يبيع نفسه من اجل بضعة دوكات (عملة ايطالية قديمة ) أو بضعة فرنكات أو أية عملة أخرى ..

في عام 1790، كتب كازانوفا مذكراته بعيدا عن مدينته الأثيرة البندقية ..كان مغامرا أو ” أمير المغامرة ” كما كان يطلق عليه احد رفاقه ..اما حين كتب مذكراته بوقت متأخر فقد بدأ نجمه يخبو حينها وكان قد تحول الى رجل عجوز منفي وعجوز ظريف وسقيم ومنسي من الكل ..كان يعمل وقتها كأمين مكتبة بسيط لكونت من والد يسكن في مدينة صغيرة في بوهيم بعيدا عن أجواء الصالونات وأصحاب السمو ، تاركا لنا أكثر من 4000 صفحة كتبها ليحارب بذلك الكآبة السوداء التي سيطرت عليه وكان يكتب على مدى عشر ساعات متواصلة في اليوم ..

ويقول كازانوفا في مذكراته : “قد تضحكون عندما ستعرفون بانني غالبا لم أكن بحاجة الى ممارسة خدع وأساليب ماكرة لأرى النساء لأن الحب عندما يدخل قلب المرأة يجعلها مغفلة بصورة أو بأخرى فيسهل بذلك طريقي إليها ..أنا أهنيء نفسي أحيانا عندما أتذكر النساء اللواتي وقعن في شباكي خصوصا السفيهات والمزهوات بأنفسهن جدا ” ..

في عام 1774 ، وفي سن الخمسين انتهى الجزء الأول من قصة حياة كازانوفا بهربه من سجنه في فينيسا ووصوله الى باريس – تلك المدينة التي يحصل فيها من يمارس الغش والمكر على ثروة كبرى –وهذا الجزء هو الذي سيصدر في نهاية نيسان ..

بموازاة ذلك ، سيصدر كتاب آخر عن كازانوفا يحمل عنوان (عودة كازانوفا ) كتبه النمساوي آرثر شنتزلر عام 1918وترجمه الى الفرنسية موريس ريمون في 138 صفحة ويتضمن هذا الكتاب الأيام الأخيرة من حياة كازانوفا ومحاولاته العودة الى فينسيا ليموت فيها بسلام …كان كازانوفا العجوز كما يقول شنتزلر فاسقا قديما يمتلك العديد من الحيل ووسائل الإغراء للنساء فضلا عن قدرته على الفوز على خصومه في المبارزات لكنه لفظ أنفاسه الأخيرة في قصر دوكس بعد عام من سقوط الإمبراطورية التي امتدت ألف عام في فينسيا والتي أسقطها نابليون وانتهى معها عصر الدوجات ( الدوج هو الحاكم الأول في جنوه والبندقية ) وأعضاء مجلس الشيوخ وغزوات كازانوفا النسائية التي ضمت العديد من النساء الجميلات بينهن معبودته الروحية ليا هينرييت والجميلتين ارميلين وبيتين والشابة ميمي كينسون وراقصة الباليه الباريسية كورالين وغيرهن كثير …
__________
* (المدى)

شاهد أيضاً

العهدُ الآتي كتاب جديد لمحمد سناجلة يستشرف مستقبل الحياة والموت في ظل الثورة الصناعية الرابعة

(ثقافات) مستقبل الموت والطب والمرض والوظائف والغذاء والإنترنت والرواية والأدب عام 2070 العهدُ الآتي كتاب …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *