الأخْطَاءُ اللُّغَوِيَّةُ “لاَ تَلِيقُ بِكِ”


مولود بن زادي*

تعرَّضَ آنفاً كثيرٌ من النّقاد للتّوبيخ والشّتم والمُضايقة، لا لشيء سوى لأنَّهم سعوا في أداء واجبهم بتقديم قراءات نقدية منصفة تناولت أعمال الكاتبة أحلام مستغانمي، ومنها روايتها الأخيرة (الأسود يليق بك). علينا جميعا أن نتحلَّى بالحِلم وأن نؤمن بالتَّسامح فنتقبل آراء غيرنا وإنْ خالفت أفكارنا ولنا بعد ذلك أن نردّ عليها إنْ شئنا، أو أن نجادل فيها بموضوعيَّة واحترام متبادل وبالتّي هي أحسن. كلّ أديبٍ خطَّاء وكلُّ كِتَابٍ فيه أخطاء. فقد صَدَق المُزنيُّ صاحب الشَّافعي حينما قال: “لَوْ عُرِضَ كِتَابٌ سَبْعِينَ مَرَّةً لَوَجَدْنَا فِيهِ خَطَأً وأبَى اللهُ أنْ يَكُونَ كِتَابٌ صَحِيحٌ غَيْرَ كِتَابِهِ”

لكن، إنْ كثرت الأخطاء في مُؤلَّفاتنا وزادت عن حدّها، أو استشرى وباؤها في كتاباتنا فتكرّرت وانتقلت من مؤلَّف إلى آخر وصارت جزءاً من ثقافتنا، فإنَّها عندئذ تثير تساؤلات حول قدراتنا اللٌّغَويَّة وكفاءاتنا الأدبيَّة.
أنُؤْثِرُ الكِتابة باللٌّغَة العَرَبِيَّة ونعدّ أنفسنا من المساهمين في إثراء أدبها، ومن رواد نهضتها ولا نراعي حتى أحكامها؟!.. أنملأ كتاباتنا بلهجاتنا العَامِّيَّة المعقّدة المتفشيَّة في بلادنا العَرَبِيَّة اليسِيرَة منها والعَسِيرَة ونعدّ ما نكتبه أدباَ عربيّاً؟ أمَا عَلِمَ المُثقّف العربيّ بَعْدُ أنَّ هذه اللٌّغَات العَامِّيَّة إنْ هي إلاّ لغاتٌ تفرّق ولا تجمع، وتحطّ ولا ترفع، وتضرّ ولا تنفع؟ لو نطقت الفصحى لتبرّأت منّا وممّا نسجِّله باسمها وما ننسبه إليها من أدبٍ مشوّهٍ بِعَاميَّة عَمياء فائدته لَعَمْرِي قليلة ولا يمتُّ للعَرَبِيَّة بِصِلة! لا أحد مكره على الكتابة باللٌّغَة العَرَبِيَّة إن لم يكن لها مجيدا، أو كان بيانُها عنه بعيدا. فإنْ شِئنَا الكتابة بها، فلابدّ أن نتقيّد بقواعدها وأن نصون حرمتها تماما كما يفعل الإنجليزي أو الفرنسي بلغته وما أهل الإنجليزيَّة والفرنسيَّة بأحذقَ مِنَّا وإن كانوا أشدّ حباً لسلامة لغاتهم منا. وإنْ أبينا فلنلجأ إلى لغةٍ سواها نُدَنِّسُها بأقلامنا ونُهينُها بكلامنا. سنرى آنئذِ إذا كان يكرمنا غيرنا ويلطف بنا وقد عبثنا بلسانه! فلو انتهك كاتب أوربي قواعد لغته لأثار ذلك سخط المجتمع برمته فالمساس بلغته مساس بمقوماته. يعتنون بلغاتهم ويذودون عنها حتى أنّهم أضحوا يمنعون استعارةَ المفردات والتَّعابير الأجنبيَّة وتداولها في لغاتهم إذا تيسّرت مقابلاتُها عندهم! ألاَ نستقي مِنْ ذلكَ عبرةً؟!
وأنا أقرأ مؤخّراً رواية (الأسود يليق بك) للكاتبة أحلام مستغانمي، لفت انتباهي، على غرار رواياتها السابقة، تعدّد الأخطاء اللٌّغَويَّة وكثرة اللّجوء إلى العَامِّيَّة في رواية قد يصنّفها الإعلام أفضل كتاب في الوطن العربي وقد يباع منها ملايين النّسخ في العالم العربي بحكم شهرة الكاتبة وتأثير الضَّجة الإعلاميَّة الواسعة المحيطة بها وفضول القراء أكثر من أيّ اعتبار آخر.. ملايين النّسخ المحشوة بكل ألوان الغلط والخطأ واللّغط قد تقع بين أيدي قراء غير متمكِّنين من اللٌّغَة فتلعقها أسماعهم وتردّدها أقلامهم وألسنتهم وتتشدّق بها أفواههم! سأكتفي بذكر بعض الأخطاء التّي وقعت فيها الكاتبة أحلام مستغانمي. أركِّز فقط على بعض الأخطاء الموجودة في الجزء الأول من الرّواية وهو ما يعادل ثلث الكتاب لا أكثر. الأخطاء تستمر إلى آخر الرّواية. فسيطول المقال إذا حاولنا الإحاطة بها كلّها:
1. الأخطاء تبدأ في أوّل صفحة للرواية!: (لشدة رغبته بها، قرر قتلها-ص11): لا يُقال أبداً (رغبته بالشّيء) بل في الشّيء. ولا يقال نحن نرغب في فلان. جاء في تعريف “الصحاح في اللٌّغَة”: رَغِبَ فيه: أراده، أي رغب في الشّيء لا في الشّخص!
) لفرط انخطافه بها، ما سمع…-ص14): كلمة انخطاف لا أساس لها في اللٌّغَة العَرَبِيَّة.. لا توجد في أي قاموس فمن أين أتت بها كاتبتنا؟!
) توجَّه مقدّم البرنامج إليها سائلاً -ص34): تَوَجَّهَ إلَى، كما يشير إلى ذلك “المعجم الوسيط”، تعني ذهب أو أقبل أو انطلق إلى. فهذه الكلمة تعني أساسا الحركة والانتقال من موضع إلى آخر. هذا تعبير لا يليق بكاتبة في هذا المستوى. فاللٌّغَة العَرَبِيَّة لا تخلو من الألفاظ والعبارات التّي تحلّ محلها. أين هي أفعال الشّروع في هذه الرّواية؟ فعلى سبيل المثال، يمكن استبدال ذلك التّعبير ب: “طفق مقدم البرنامج يسألها” أو “راح يسألها”، أو مضى، قام، أخذ، أنشأ، جعل، هبّ، أثر… كما تشاء. والمتمكن من اللٌّغَة لن يجد صعوبة في إيجاد غيرها وانتقاء ما يليق بها بين كنوز اللٌّغَة العَرَبِيَّة الثّريَّة بألفاظها وعباراتها.
) تردَّدتْ في طلبه مساء-ص47): الصواب هو (تردّدت في الاتّصال به مساء) أو (تردّدت في مهاتفته مساء) وغيرها ذلك… ففعل (طلب) كما جاء في تعريف “المنجد في اللٌّغَة والأعلام”: طلب الشّيء: حاول وجوده وأخذه . وطلب فلانة: خطبها. وطلبه إلى المبارزة: دعاه إليها.
نلاحظ إفراط الكاتبة في استعمال (طلب) بمعنى (اتّصل). مثال آخر على ذلك: (طلبتْ أمّها تطمئنها-ص67) هذا وضع للفعل في غير موضعه. والحكمةُ وضع الشّيء موضعَه. فلمَ نستعمل كلمة محرّفة المعنى إذا كانت البدائل الصّحيحة موجودة في اللٌّغَة وأذكر منها: اِتّصل، هاتف، نادى، دعى؟! الكاتبة تبدو متأثرة باللَّهجات المشرقيَّة حيث تُستعمل كلمة (طلب) بمعنى (اتّصل هاتفيا(
) طلبها من رقم أرضي-ص51) لا أدري لم استعملت كاتبتنا (رقم أرضي) فالصواب هو (ناداها بمِهتف البيت أو بمهتاف عمومي حسب السّياق، تمييزاً له عن المهتف المحمول. سألت أستاذاً راسخ القدم في الفصحى هل يجوز استعمال تعبير (رقم أرضي) فضجَّ ضاحكاً وردّ مازحاً: قد يجوز في مستقبل أيامنا إذا ما حلّ الإنسان بالكواكب والمجرات أن تقول وأنت تتجوّل في كوكب زحل مثلاً: ناداني منادٍ من رقم أرضي (تمييزا له عن أرقام سائر الكواكب التّي حلّ بها الإنسان( !
)أعطاها الإحساس أنه في اجتماع-ص51) هذه ترجمة حرفيَّة لعبارة معروفة باللٌّغَة الفرنسيَّة وهي كما يلي:
Il lui a donné l’impression qu’il était dans une réunion
لم نستعمل (أعطاني فلان إحساساً أو شعوراً) واللٌّغَة العَرَبِيَّة تملك كلمة واحدة تغني عن ذلك خلافاً للٌّغَات الأجنبيَّة التّي تحتاج أحياناً للفظتين أو أكثر للتعَّبير عن شيء. فلقد قالت العرب (أشعرني، وأوهمني، وألقى في روعي وفي بالي وفي خاطري وفي وهمي…)! فالصواب هناك هو (أشعرني أنه في اجتماع) أو (وأوهمني أنه في اجتماع) وهلم جرّ… استعمال (أعطى إحساساً) لا يليق برواية المليون نسخة ويدلّ على أنّ الكاتبة تفكّر باللٌّغَة الفرنسيَّة – التّي تحسنها – ثم تترجم الفكرة إلى العَرَبِيَّة. وهذا خطأ بديع وضعف فظيع.. إذا كتبنا بلغة فلابد أن نفكِّرَ بها لا بغيرها من اللٌّغَات، وإلا بدا النّصّ مستنكرَ المباني غريب المعاني، كما هي الحال في هذا التّعبير الذي شدّدنا عليه النّكير.
(كان ثمّة في كلّ حيّ شبكات تجنيد، كما شبكات لاختطاف الأطباء والتّقنيين-ص69) كلمة (كما) هنا حالّة في غير محلّها. والصواب أن نقول: “كان في كلّ حيّ شبكات تجنيد، وشبكات لاختطاف الأطباء…” أو: “كان في كل حيّ شبكات تجنيد، كما كانت هناك شبكات لاختطاف…”
)أعتقدت أنه ينادي على أحد): (ينادي على أحد) خطأ والصواب هو ينادي أحدا. مثلما جاء في تعريف “المعجم الوسيط”: نادى فلانا: دعاه وصاح برفع الأصوات. وفي التّنزيل العزيز: (الحجرات-4) “إنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ” ولله المثل الأعلى. فالفعل نادى يتعدّى بنفسه، لا بالحرف “على” الذي عدّته به الكاتبة. ولعل هذا الخطأ أيضاً يدلّ على تأثير اللّهجة العاميَّة على الكاتبة وعدم إتقانها بعض المفردات.
) فرَّ نصف أعضائها للخارج-ص74): (فرّ فلان للخارج) خطأ والصواب هو (فرّ إلى الخارج). فالحرف (إلى) يعني اِنْتِهاءَ الغايَةِ الْمَكانِيَّةِ أما اللام فتعني التّعليل والتّملك والتّعجب وغيرها. واستعمال (اللام) بدلاً من (إلى) في هذا سياق بلا ريب يدلّ على مدى تأثّر الكاتبة بالعَامِّيَّة وابتعادها عن الفصحى.
) ابلغت دموعا لا تريد أن تحتسيها في حضرة أحد-ص86): جاء في تعريف “المنجد في اللٌّغَة والأعلام” احتسى المرق: شربه شيئا بعد شيء. فمن يبكي لا يحتسي الدموع إنَّما يذرّف الدموع أو تَسَاتَلَتْ دموعه أو سَتَلَت عبراته… وما أكثر هذه المترادفات التّي تدلّ على البكاء والدموع في لغتنا العَرَبِيَّة.
)وذلك العشق المتطرف رغبة في استحواذه بالحبيب حد فقدانه في نهاية المطاف-ص91): (استحوذ ب) خطأ والصواب هو (استحوذ على) كما جاء في تعريف “المنجد في اللٌّغَة والأعلام”: استحوذ عليه غلبه واستولى عليه. وخير شاهد القرآن الكريم: “اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ” (المجادلة-19(
)عساه يعرف بوجودها في بيروت): لا يُقال (عرف بالشّيء) بل (عرفه). ويُقال: (عرف بالذنب) ومعناه أقرّه. وخير شاهد القرآن الكريم: “الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ” (البقرة-146(
تطغى العَامِّيَّة على أدب أحلام مستغانمي كأنّه لا محيص لها عنها، مع أنّ اللُّغَة العربيَّة ثريَّة بمفرداتها وعبراتها وتجمع شمل العالم العربي برمّته من مشرقه إلى مغربه.
ففي هذه الرّواية، تكثر الحوارات العَامِّيَّة وتمتزج اللَّهجات العَرَبِيَّة من لهجات شَاميّة وخليجيَّة وجَزَائِرِيَّة.. بل ونشاهد حتى الألفاظ والعبارات الأجنبيَّة لا سيما باللُّغَة الفرنسيَّة والتّي بطبيعة الحال لن يفهمها القارئ الذي لا يحسن اللٌّغَات الأجنبيَّة. قد لا يفقه القَارِىء العربيّ اللٌّغَات الأجنبيَّة وما في ذلك عيب، إنَّما العيب في فرض الكاتبة على القراء ألفاظ وعبارات أعجميَّة غريبة لا حاجة لهم بها! هذه الحوارات العَامِّيَّة، من غير شك، تنقص من جمالية الرّواية وتربك القارئ الذي هو في غنى عنها. فهو لَعَمْري لا ينفكّ عن أن يكون مُلتمساً لِمُتعةٍ تَسُرّه أو عِبرةٍ تُرْشِده أو فَائدةٍ تُبصّره بعيداً عن أيّ متاهاتٍ لُغويَّةٍ إقليميَّة لا يستسِيغُها السَّمع ولا يأتِي مِنها نفع. 
تسهب الكاتبة في استعمال اللَّهجة الجَزَائِرِيَّة وبالتّحديد العاصميَّة فتذكر عبارات مثل (أنا مانيش متاع هذا الشّي.. ص74) أو (خاطيني الكراتي-ص 74) و(الدوفيز- ص92) التّي يستعصي على قُرَائِها المَشارقة فهمها.
وتستعمل اللَّهجات المشرقيَّة التّي بطبيعة الحال لن يفهمها كل القراء الجزائريين عدا ربما المتتبعين للمسلسلات العَرَبِيَّة (وهيدا الأخوت تبع الورد.. كيف طلع؟ إن شا الله حلو؟-ص67(
ونراها تستعمل حتى الإنجليزيَّة وبالأحرف اللاتنيَّة
(I love you)
ونراها أيضاً تستعمل الفرنسيَّة
) la planeteص 92( 
هل أخلط رواد الأدب العربي، من قبل، اللٌّغَة العَرَبِيَّة بلغات أجنبيَّة فيما ورثناه عنهم من أدب مهذّب رفيع؟! هل فعل ذلك عميد الأدب العربي طه حسين والتّاريخ شاهد على مدى تأثّره بالثّقافة الفرنسيَّة وهو من درس في الجامعات الفرنسيَّة وتحصل على شهادة الدراسات العليا في القانون الرّوماني ونجح فيه بدرجة الإمتياز، وهو أيضاً من تزوّج سوزان بريسو الفرنسيَّة التّي أعانته على الاطلاع على الثّقافات الفرنسيَّة واللاتينيَّة. وهو من عرّب قصّة زديج الشّهيرة للكاتب الفرنسي الكبير فولتير فصاغها بعربيَّة فصيحة لا تشوبها شائبة.
الحوارات العَامِّيَّة تشغل أحياناً حيّزاً واسِعاً في هذه الرِّوايَة. فنجدها على سبيل المثال تمتدّ في 3 صفحات كاملة متتالية 92 و93 و94 بمفردات وتعابير قد يعسر على الجزائري نفسه فهمها، فضلاً عن القَارِىء العربي في بلدان المشرق العربي! فمع أنِّي جزائري، أجْبِرتُ على التَّأنِّي والاجتهاد لقراءة بعض هذه الحوارات نظراً للاختلاف الواسع بين العَامِّيَّة والعَرَبِيَّة. وهل تناست أحلام مستغانمي أنّه ثمّة فروق في اللَّهجات العَامِّيَّة في الجزائر؟! هي في هذه الرّواية توخَّتْ لهجة وسط الجزائر العاصمة دون غيرها من اللَّهَجات المحليَّةِ الكثيرة.. فقد لا يفهمها قراء المناطق الجَزَائِرِيَّة الأخرى ممّن لم تطرق سمعهم مثل هذه الكلمات من قبل، فما ظنّك بالمشارقة؟! هل تتوقّع حقّا أن يفقه قُرَّاءُ المشرق العربي عبارات مثل (بزاف) أو (مضروبة عليها)؟ ألم يذكر بطل السينما المصريَّة عادل إمام أنّه حاول مشاهدة الأفلام الجَزَائِرِيَّة غير أنّه عجز عن فهمها؟!
يتهافت القراء على بعض الكتب تأثّراً بشهرة الكُتَّاب والضَّجة الإعلاميَّة الواسعة المسخّرة لخدمتهم وليس بالضَّرورة لقوة أسلوبهم ومتانة ألفاظهم وسعة معانيهم. وإذا بيع مليون كتاب لكاتب من الكُتّاب، لا يعني ذلك بالضَّرورة أن المشتري معجب بالكتاب مقرّ بنجاحه. قد نشتري كتبا إرضاء لفضولنا لأنّنا سمعنا عنها ولا نقرؤها !! وقد نتصفّحها فنقرأ جزءاً بسيطاً منها ونسأمها فنتركها.. وقد نقرأ الكتاب كاملاً ثم نخرج برأي مخالف لِمَا كنّا نتوقّعه!.. بعبارة أخرى، قد ندفع ثمناً لمشاهدة فيلم في السينما أثير حوله كلام كثير ثم نخرج خائبي الأمل.. وقد نبرح السينما قبل أن ينتهي الفيلم لأنّه عكس ما كنّا نتصوّر والأفلام الأمريكيَّة التّي يُروَّج لها كثيراً وتُسَخَّر لها أموال طائلة في العادة تثير انتباه المشاهدين فيتوافدون لمشاهدتها عند صدورها تأثّراً بالإشهار وإرضاء للفضول لا غير! وبعدها بمدّة لا يفكّر فيها أحد!! يَسْلوها المُشَاهد وشيكاً ولا تعلق بذاكرته إلاَّ الأعمال الرّائدة المؤثِّرة أو التي يستقي منها عبرة! تنطفئ شمعتها وينتهي صيتها حال انتهاء الضَّجة الإعلاميَّة المحيطة بها.
وخلاصة القول أنّ الأدب لن يكون أدباً إلاَّ إذا بقي حياً وثبت واجتاز امتحان الزمن.. أجل، الزمان وحده كفيل بالحكم على ما نقدمه من مؤلفات وتحديد ما إذا كانت خليقة بالبقاء أم النّسيان.. ثمة كتب من أمثال “البؤساء” لفيكتور هيجو أو “العبرات” للمنفلوطي ظلّت حيَّة بعد زوال أصحابها بعيداً عن أيَّة ضجّة إعلاميَّة… لا شك أن أحلام مستغانمي بلغت ذروة الشّهرة والمجد منحتها رخصة تُسَوِّقُ بها ما تكتبه بيسر. تستطيع أن تكتب أي شيء كان فتبيع منه مليون نسخة ويشتريها القارئ ما دام يحمل توقيعها.. يشتريها من هو شغوف بالقراءة وحتى من لم يقرأ شيئاً من قبل. صدق أحد الصحافيين لما قرأ إحدى الرّوايات الواقعيَّة الحديثة فتأثّر بها فقال لمؤلفها: بصراحة، يستحق أن يبلغ هذا الكتاب القمة. لكن ذلك غير ممكن لأنّك غير معروف فلو وُضِع اسم “أحلام مستغانمي” على كتابك لبيع منه أكثر من مليون نسخة!!
وأنا أصوغ هذا الكلام في الاتّجاه المعاكس فأقول: لو نُشِرَت رواية (الأسود يليق بك) باسم كاتب غير معروف لَمَا لقيت كل هذا الاهتمام. وإنْ كانت الكاتبة لا تشاطرني الرّأي، فإنِّي أدعوها لنشر روايتها المقبلة بحول الله باسم غير معروف وسنشاهد ردّ القراء.. على كل حال، ستحكم الأجيال المقبلة على قيمة هذه المؤلفات هل تخدم الأدب العربي واللٌّغَة العَرَبِيَّة أم غير ذلك بعيدا عن تأثير الضَّجة الإعلامية والإشهار. مع كامل الاحترام للكاتبة أحلام مستغانمي..
____________________________
*كاتب ومترجم جزائري مقيم في بريطانيا
(المجلة الثقافية الجزائرية) 

شاهد أيضاً

“المثنوى”و”شمس” من كُنوز مَولانا الرُّومي

“المثنوى”و”شمس” من كُنوز مَولانا الرُّومي منال رضوان     المثنوى المعنوى، وديوان شمس لمولانا جلال …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *