* زياد صيدم
(ثقافات)
تململت من سريرها متثاقلة، تتحسس شعرها المنكوش، تباعد خصلاته المتهدلة عن عينيها ..تلتفت يمينها فلم تجده بجانبها كعادته .. لربما ذهب للحمام أو أنه هناك فى مكانه المفضل ينفث سجائره .بدأت تتمطى متثائبة، وأسفل قدميها تشاركها نفس الحركات قطتها المدللة ..ما هذا الثقل فى رأسى؟ تساءلت فى نفسها، تسترجع ذاكرتها من ليلة البارحة بكل حيثياتها، علها تجد تفسيرا منطقيا لهذا الصداع الصباحى، فهذا زائر ثقيل الدم غير محبب، يرافقه جفاف فى ريقها و آلام فى الظهر وشعور بالغثيان ! لكنها تنبهت إلى ميعادها غدا لجلب النتائج المخبرية التى نصح بإجرائها طبيب الاسرة …
اتجهت نحو المطبخ ..ومن ثلاجتها التقطت قنينة ماء بارد، اجترعت منها جرعتين، نظام يومى تتبعه مذ نصحها طبيبها كعلاج طبيعى لتخفيف الوزن، والتخلص من السمنة وتنشيط الدورة الدموية .. مرت سنوات على هذا الحال تجد فيه ارتياحا وتحصد فوائده الإيجابية فداومت عليه حتى اصبح جزء من روتينها الصباحى..تخرج من الحمام الى المطبخ ثانية وتحديدا صوب البوتاجاز لتلقيم غلاية القهوة، حيث يكون الماء قد بدأ بالغليان، فيعبق المطبخ برائحتها المنعشة التى لا يعيها سوى من يعشق القهوة الصباحية .. انها تتعمد عدم تشغيل الشفاط لتستمتع اكثر برائحتها الزكية المنبعثة بالأرجاء .. فهى التى اختارت التصميم الغربى لمطبخها المفتوح،وشاركت بوضع لمساته الفنية مع مهندسة الديكور ، بالرغم من مخالفة رأى زوجها الذى اضطر إلى التأقلم بعد اقناعه بأن جهاز الشفط والفلترة يتكفل بالتهام الروائح المنبعثة من الطبخ الدسم، أو من قلي البيض الذى كان يحسب له الف حساب، فوافقها على امتعاض فى حينها …
تحمل الصينية إلى الصالة.. صبا…ح ..تبتلع فورا حروف تحيتها.. فلا وجود لزوجها فى صالة المعيشة؟ أو على تلك الكنبة المفضلة له.. تنادى : أحمد ..أحمد أين أنت حبيبى ؟ القهوة جاهزة ..لا أثر له فى البيت ! فلا استجابة، ولا صدى لصوتها سوى مواء قطتها التى تتبعها متمحكة بين قدميها تطلب فطورها فى كل صباح …
لكن اليوم عطلة الجمعة .. فهل يكون قد ذهب الى السوق على غير عادته ؟ وقبل أن يحتسى قهوته، أو يخبرنى أى غذاء يريده اليوم ، فأين ومتى وكيف .. تساؤلات تنهمر على رأسها الذى ما استعاد توازنه بعد.. فبقايا ألم يكز على جنبات دماغها .. يرن هاتفها النقال ..آه تنفست الصعداء ،تنهدت، وأخيرا..ايوه يا أحمد أقلقتنى عليك ماذا حدث ؟ أين أنت بالله عليك ؟
مدام أحمد، عفوا على الازعاج! انتفضت ،تسمرت، أوجمت .. تغيرت معالم وجهها …لم يكن صوت زوجها ..أين أحمد؟..من المتحدث ؟ هل حدث شيء لأحمد ؟ نعم انا زوجته لكن …عاد الصوت وبهدوء فى نبرته وبرودة اعصاب : نحن شرطة قسم الحوادث فى مستشفى الشفاء.. لقد تم نقل زوجك ليلة البارحة إلى هنا مصابا على أثر حادثة طرق .. ويمكث الآن فى العناية المركزة.. فنرجو الحضور سريعا إن أمكن وإعلام ذويه أيضا ..تضحك ساخرة مستهجنة: يبدو أن هناك خطئا معكم وتشابه بالأسماء، فزوجى نام هنا الليلة ولم يخرج ليلة البارحة، وعربته فى كراج الصيانة منذ أيام ..عفوا يلتبس عليكم الأمر سيدى .. يكرر ضابط الشرطة حديثه بأكثر جدية ووثوقا : مدام أحمد.. نرجو التفضل بالحضور للتأكد بنفسك، فالبيانات لدينا كلها تشير إلى أنه زوجك ..ويلبس بدلة بلون كرميدى فاتح، وله لحية خفيفة، وساعة يده بيضاء من نوع كذا….نعم..نعم..أجابته بصوت متقطع مرتجف، وبنبرة غرقت فى حشرجة فلم تعد تخرج الكلمات من فمها وساد صمت قطعه الصوت المتصل: مدام سارعى بالحضور فنحن بالانتظار وأقفل الخط… غرقت سائدة فى حيرتها واستهجانها، لكنها استطاعت الاتصال بأمها متوسلة أن يلحقوا بها إلى هناك بأـقصى سرعة ممكنة.. حيث انهمرت دموعها فيض يغرق وجنتيها المحمرتين تسبقها لهفتها وخوفها الشديدين على أحمد دون التفكير بحيثيات الامور المتشابكة خطوطها …
يتبع..
___________________
* قاص من فلسطين.