” كيف ينبغي لإنسان أن يكون ” لشيلا هيتي


ترجمة: عباس المفرجي

مزيج جذّاب من مذكرات،رواية وفلسفة

ثمة طريقتان لكتابة يوميات. في الأولى، تسجّل أين ذهبت ومع من. تكتب بالتفصيل عن أحاديث الناس، ملابسهم ومزحاتهم. تقول مع من نمت، ومع من نام كل أصدقاءك. الطريقة الثانية هي نظرة باطنية أكثر : قوائم طويلة من تلهفات، آمال، أحلام، مشاعر، قلق، عهود بأن تصبح أكثر روحانية، بأن تنقطع عن العادات غير الصحية وتمارس تمارين أكثر. نحن نعرف بالطبع أنه كلما أصبحنا ذوي نظرة باطنية أكثر، غدونا أكثر بلادة، خاصة حين يكون لمعظمنا تلهف، آمال وأحلام متشابهة. تسجيل ما نتناوله في الإفطار لا بد أن يكون أكثر للاهتمام مما نشعر إزاءه. لكن بعض الكتّاب نجحوا بإيجاد طريقة تعويضية عن مخاوفهم وهواجسهم الذاتية. هيلين فيلدنغ جعلت ذلك مرِحا وخياليا في ” يوميات بريجيت جونز “؛ تقوم به إليزابيث غيلبرت من دون ضحكات في الأكل، الصلاة، الحب. الآن في هذا المزيج من المذكرات، الرواية والفلسفة أضافت شيلا هيتي قليلا من قصة، بضع علاقات من الجنس الشفاهي وبعض من علامات التعجب الوقحة، وفي النهاية جعلته مدهشا. ثم رمت فيه قليلا من ’ مَنْ نام مع مَنْ ‘ أيضا. وأغلب شخصيات الرواية مبنية على شخصيات أصدقاء هيتي الحقيقيين : مجموعة من الفنانين يعيشون في تورنتو.
في حلقة من مسلسل كوميدي للينا دونهام، ” غيرلز “، يقول الشخصية راي للبطلة هانا إن الكتابة حول حياتها الشخصية هي (( تافهة )). ويضع قائمة ببعض المواضيع الإضافية الملائمة، من ضمنها (( المطر الحامضي ))، (( حالة دب الباندا العملاق ))، (( التمدد المديني )) و، في النهاية : (( الموت. الموت هو الشيء الأكثر واقعية. )) تمسرح هيتي قلقا مشابها حول ما ينبغي على الأمريكيين الشماليين المدللين القول عندما تتضمن دراما كبيرة، كما في هذه الرواية، صديقا لك يشتري نفس الرداء الأصفر الذي كنت قد اشتريته لتوك. بطلتنا، شيلا، الكاتبة المسرحية التي لم تستطع إنهاء آخر عمل كُلِّفت به، تقول لنا : (( كل الرجال البيض الذين أعرف يذهبون إلى إفريقيا. يرغبون في أن يرووا القصص عن النساء الإفريقيات. وهم جدّيون جدا. يلقون عليّ محاضرة عن افتقاري للأخلاق. ))
هل على الإنسان أن يكون أخلاقيا كي ينتج فنا؟ أو هل يمكن لإنسان أحيانا أن يبيّن تماما ابتذالهم؟ ( (( كل ما أقوله هو : لو أن هناك مسبحا وناسا هم في المسبح وأنت ليس في المسبح تماما مثل هؤلاء الناس الذين في المسبح. فهذا مجرد حقيقة من حقائق الطبيعة. )) ) هل ينبغي دائما أن يكون الفن توسيعا لمشروع غير مفند لصنع إنسان وعالم إنسان جميل؟ ألا يمكنه حتى أن يبدأ مع السؤال ’ كيف ينبغي لإنسان أن يكون؟ ‘ أو هل سيقود ذلك إلى جواب منغمس في الملذات على نحو رهيب؟
من حسن الحظ، كل من تعرفه شيلا ساعدها في الأسئلة. حتى إزرايل، الرجل الذي لها معه علاقة جنسية متوترة قهرية، والذي يبدو ضحلا إلى حد ما. في مرحلة معينة يحذّر شيلا من (( أولئك الناس الذين يظنون أنهم قادرين على ضبط أنفسهم )). المحلل النفسي اليونغي لشيلا ينصحها بالمعاناة أكثر. تبدأ الرواية وتنتهي مع (( مباراة بالرسم القبيح )) تقام بين مارغو ( المبنية على شخصية الفنانة مارغو وليامسون ) وصديقها شولِم. بينما يذهب شولِم مباشرة إلى البيت ويرسم شيئا يجعله يشعر (( بأني أغتصب نفسي ))، تقول مارغو في أيميل (( قضيت كل اليوم على فراشي أقرأ النيويورك تايمز )). مارغو، التي نحن بالكاد نعرفها ، هي فنانة أفضل.
ما أن تعتقد أن هيتي كانت بارعة أكثر مما يجب، أو أن واحدة من علامات التعجب العديدة التي وضعتها هي سقط متاع زائف على نحو رئيسي أكثر مما يجب، حتى تعود هي بشيء لافت للنظر كهذا : (( لا تدع نهديّ يشبعانك إذن. دع فرجي يضجرك تماما، كي لا تستطيع حتى كل الفروج الأخرى في العالم أن تلهيك عن الضجر الذي يستبد بك حين تفكر به. )) خطة هذه الرواية، كما يبدو، هي أن لا تكون جميلة، أو حتى ملائمة، بل لتكون تحديا لفكرة أن الفن يجب أن يكون له هذه المؤثرات. الفن، كما توحي، يمكن أن يكون مهينا، تافها، وضيعا. هذه الرواية، التي لا تشتمل على أناس حقيقيين فحسب، بل أيضا على رسائلهم الإلكترونية وأحاديثهم المسجلة، وتنوس بشكل متقلقل في ما بين ’’ الحياة الواقعية ‘‘ و’’ الفن ‘‘، هي، في النهاية، تأمل في القباحة أكثر مما هي تأمل في الجمال، في الواقعية أكثر مما في الخيال. إنها لا تجيب عن سؤال، كيف ينبغي لإنسان أن يكون؟ بل هي تجد طريقة جديدة جذابة يُطرح بها السؤال.
____________________
*عن صحيفة الغارديان

شاهد أيضاً

فصل من سيرة عبد الجبار الرفاعي

(ثقافات)                       الكاتب إنسان مُتبرع للبشرية …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *