ريهام مقبل – القاهرة
بعد مرور عامين على ثورة المصريين التي نادت بالحرية وحلمت برفع يد الدولة عن توجيه الثقافة والإعلام، يعيش مثقفون مصريون حالة من القلق حول ما بات يعرف بـ “أخونة الثقافة”. ويدلل مثقفون ومراقبون على ذلك بالتدخل في عمل الآدباء والمفكرين والاعتداء على رموز الثقافة المصرية الأصيلة.
وأثار اللقاء الذي جمع الرئيس المصري محمد مرسي وعددا من الناشرين، أثناء معرض القاهرة الدولي للكتاب، وهو الحدث الثقافي الأكبر في مصر، استياء كثير من المثقفين غير المنتمين للتيار الإسلامي الذين لم توجه لهم الدعوة لحضور اللقاء، وتعرض مثقفون ليبراليون ويساريون لهجوم كبير من قبل إسلاميين خلال بعض الأنشطة الثقافية والندوات التي أقيمت في المعرض، وهو ما جعل مثقفين يؤكدون أن الحدث الثقافي الأبرز في مصر أضحى تحت سيطرة جماعة الإخوان المسلمين.
الاعتداء على رموز الثقافة “مدبّر ومقصود”
وزير الثقافة الأسبق “الدكتور عماد أبو غازي” في وزارة أول رئيس وزراء مصري بعد الثورة عصام شرف، قال “إن ما تتعرض له الثقافة من ممارسات مثل تغطية تمثال الفنانة أم كلثوم وكذلك أختفاء رأس تمثال طه حسين هو أمر مقصود وليس مجرد سرقة أو نهب.” وأضاف أن المشكلة الأكبر “هي السكوت بعد الثورة عن تلك الأفعال التي شملت الاعتداءات على الأعمال الفنية وأضرحة الأولياء في القليوبية ومحافظات قنا وصعيد مصر عامة”. وتابع “الجهة التي تقوم بها هي الجماعات الإسلامية صاحبة الأفكار المعادية للفن والثقافة والتصوف، والأسوأ أن هناك تواطؤ من قبل المسئولين”.
ويرى الباحث على بكر، المتخصص في الحركات الإسلامية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، أن “هناك تراجع في الحريات مع تضييق تمارسه السلطة الحاكمة، وهو ما لا يتناسب مع طموحات المصريين في تحقيق الحرية بعد ثورة يناير”. وتعليقا على الاعتداءات التي تعرضت لها الندوات في معرض القاهرة للكتاب الدولي ، أكد بكر أن “الاعتداءات جزء من سياسات الجماعات الإسلامية، إذ أنها تتعرض لأي ندوة أو مؤتمر ليس على هواهم أو لا يتفق مع إيديولوجياتهم، فيقومون بالوعيد لها باعتبارها مخالفة للدين والشريعة”. وبسؤاله عن مدي استمرار تضييق الخناق على المثقفين، أكد أن ذلك يتوقف على مدى سيطرتهم على مؤسسات الدولة، و”بمجرد تدشينهم للدولة العميقة سوف يحكمون سيطرتهم على كل شي لأن آلياتهم هي آليات الدولة”، وهو ما قد يلقى اعتراضا كبيرا من جانب المثقفين في مصر برأي بكر.
الرأي نفسه يتفق معه الكاتب والروائي إبراهيم عبد المجيد، الذي كان ضحية “لأخونه الثقافة” بعد أن منع من الكتابة في جريدة الأخبار القومية بسبب كتاباته ضد جماعة الإخوان المسلمين، وأكد عبد المجيد ، أنهم (يقصد الإسلاميين) ينوون أخونة الثقافة في مصر ولن يهدأ لهم بال إلا بعد تحقيق بذلك. ويفسر منع نشر مقالات الكتاب المعارضين للرئيس المصري محمد مرسي، في الصحف القومية بأنها محاولة من قبل رؤساء تحرير تلك الصحف لإرضاء الإخوان، بالإضافة إلي أخونة الإعلام، وهو ما قد يلقي مستقبلا ردود أفعال قاسية من المثقفين.
تدهور الوضع الثقافي يحتاج لإضراب
بدوره يقول جميل عفيفي، الصحفي والكاتب في جريدة الأهرام القومية إن “هدف جماعة الإخوان المسلمين الأساسي هو السيطرة على الثقافة في مصر وفرض ثقافتها على من تعتبرهم “علمانيين ومخالفين للشريعة”، من خلال الترويج لتاريخ حسن البنا “مؤسس الجماعة” . والدليل على ذلك، وفقا لعفيفي، أن “الرئيس محمد مرسي استبعد كل المثقفين من لقائه واستقبل فقط دور النشر الإسلامية”.
أما محمد هاشم، صاحب دار ميرت للنشر، الذي أضرب عن الطعام فترة للإفراج عن 21 ناشطاً سياسيا، فيقول إن “وضع النشاط الثقافي في مصر مترد للغاية في عهد الرئيس المصري”، مشددا أن “الوضع الثقافي بالفعل يحتاج إلي إضراب جديد”.
ويصف هاشم الوضع الثقافي بـ “الأسود”، نتيجة للاستهانة بحرية الرأي والتعبير والدعاوى المقدمة ضد الإعلاميين، لكنه في الوقت ذاته أكد أنه لم يتعرض حتى الآن لأية قيود على النشر.
وبسؤاله عن مدى إمكانية استمرار تضييق الخناق على الثقافة، أجاب أنه بمجرد الانتهاء من إجراء انتخابات مجلس الشعب، سيضع الإخوان يدهم على جميع مؤسسات الدولة وسيقومون بتهديد المثقفين، وهو ما يحدث حاليا من منع لمقالات للكتاب والشعراء، ويصف ذلك بـ “بشائر قمع الرأي” وأضاف “أن المثقفين لن يستسلموا ولن يخشوا شيئا أو يتراجعوا عن أفكارهم أو إنكار ما يكتبوه”.
“أخونة الثقافة” ايجابية أيضاً
أما الدكتور حسن وجيه، أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأزهر، فيرى أنه لا توجد قيود على حرية الرأي في عهد الأخوان، لكن هناك فقط مشكلات سياسية بين السلطة والمعارضة نتيجة للتمحور حول الذات، مشددا أن “الحرية مستجدة في البلد”. وأكد أن “حالة الذعر والمخاوف التي تنتاب الأوساط الثقافية بأن تمارس قيود عليهم تعد أمرا طبيعيا”، وهو ما يبرره بأن هناك ممارسات بالفعل من جانب الجماعات الإسلامية حيال المثقفين.
بدوره يؤكد الدكتور عصام عبد الشافي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة دمنهور أن “أخونة الثقافة” كمصطلح له وجهان. يتمثل الجانب الأول وهو الايجابي في أن هناك بالفعل “أخونة للثقافة” أي بمعنى ظهور عدد من الرموز الاخوانية في معظم وسائل الإعلام وإعادة إنتاج المطبوعات التي تتناول تاريخ الإخوان وأفكارهم وكذلك الحديث المتزايد عن فكر الجماعة واهم الإسهامات الفكرية لروادها. ويفسر عبد الشافي ذلك بأهمية الوقوف على حقيقة فكر الجماعة، التي يصفها بـ “الأهم والأقوى والأكثر تأثيرا في الحياة السياسية في مرحلة ما بعد الثورة”. بينما يتمثل الجانب الثاني والسلبي في تعنت الجماعة والمحسوبين عليها بترسيخ هذا الفكر على حساب باقي أفكار التيارات الأخرى ومحاولة إقصاءهم.
وبسؤاله عن منع كتّاب الرأي من الكتابة في الصحف القومية، قال “هذه ليست ممارسات الجماعة”، لاسيما في هذه المرحلة لأنها تسعى إلي تحسين الصورة بأي شكل من الأشكال . ولا يرجّح عبد الشافي فرض الإخوان مزيدا من الرقابة في الفترة القادمة لكسب تأييد الشارع لهم.
_________________
DW.DE*