رعد بندر *
( ثقافات )
سَرقتُ شوارع بلادي
كان عليَّ أن أفعل شئيا ما
غير عَدِّ السنوات المهشّمة
التي أعيدُ لصقها بلِزْوْجَة ضحكاتي
ضحكاتي التي تتهشّم هي الآخرى
الفؤوس تحطِبُ الهواء
تكدّسه قرب المداخن
كل الذين يمرَّونَ بالرئات المحتجة
يطقطقون أصابعهم
ويقفزون بِرَكَ الفحم الفائر
مِن السابق لأوانه
فضُّ نزاع البعوض المدجَّج بالأجنحة
وصدّ الركلات عن السنابل
كان عليَّ أن أفعل شئيا ما
غير التدخين
وملاحقة الشريط الإخباري أسفل العتمة
مضغتني الشظايا بموسيقاها الجنائزية
هنا
في لبلاب ادراكي المتسلّق والمتعرّج والمتهوّر أحيانا
أوقد مشكاتي الغابرة
أحرِّضُها على عنادي السائر الى مثواه الأول
هنا
في الأعاصير
لا جذوع لاختباء الأرانب
لا سلال لقطف تفاح الهدأة
هنا
فؤوس حادة تهرب من أمامها النوافذ
وأرحام راكضة تتناسل منها الحماقة
هنا
في البلاد الطاعنة بالطحالب
ليس بمقدور الشرفات أن تبقى عالية لوقت طويل
حين سرقتُ الشوارع
كنتُ متأكدا مما أفعله تماما
وحين أخفيتُها بظلِّي
لم أكن متأكدا من نقاء سريرته معي
ولكنه السواد الوحيد الذي يُؤجِّل الوقيعة بي
الفؤوس تتجمَّع حولي
كان عليَّ أن أفعل شيئا ما
غير التلفّت
وابتلاع الريق على حجر الذاكرة
أرجحتُ فانوسي بضراوة
تكاثرتْ ظلالي دفعة واحدة
تلعثمتْ عيون الفؤوس بقراءةِ أقدامي
فنجوتُ بالشوارع
بعيدا
بعيدا
حيث أنا دائما
وبتروٍّ وفرح
أخرجتُها شارعا شارعا
مثل صيادٍ يُخرج فراءه النادر
وغسلتُها من :
حُفَر الأكاذيب
احتكاكات الأكتاف الناتئة
نقاط ضعف الأنفاس المتقطعة
عَرَق الضغائن
أغلفة الرصاص
لعاب الشعاراتِ الفجَّة
وَساخة العهر السياسي
بلل الشتائم
تقيؤات الأصنام المتحركة
أتربة الحقائب
بقايا القرابين الآدمية
رماد المايكرفونات
صدأ الفخاخ
بقع النفاق
دَبَق حاملي المباخر
الخطوط الحُمر التي يعبرُها الموتى الجريئون
………………………………
………………………………
حين انتهيتُ
ربَّتُّ على كتِف السواد الوحيد
الذي أجَّلَ الوقيعة بي هذه المرة أيضا
ثم أعَدتُها براقةً وأنيقةً لبلادي
أحسستُ أن بمقدور الشرفات أنْ تبقى عالية لوقت طويل
لكنني ….
قبل أن أنهي سجارتي
سرقتُ الشوارع ثانيةً !!
فبراير 2013
* شاعر من العراق