* فاطمة ناعوت
حقائبُ السَّفر
تتخفَّى وراءَ أكوامِ الكُتُب
عَلَّ المسافرَ
ينسَى.
تهمسُ حقيبةٌ لرفيقاتها:
هنا بيتُه!
إلي أين يمضي الفتى
ويتركُ وطنَه؟!
لو أنه فتحَ الشُّرفةَ وأنصَتَ
لصَكَّ سمعَه
نحيبُ الأمهاتِ
يذوبُ بين الترانيم والمآذن
يبكين أطفالهنَّ في الميدان
ويهمسن برغم الوجع:
”بنحبك يا مصر”!
لا يُسافر!
تقولُ أخرى: غافلتُه
ومزَّقتُ جوازَ السَّفر
في جيبي السريّ،
وأوعزتُ للطائراتِ المغادرةِ
أن تتوقفَ بين السحاب.
هنا بيتُه!
ففيم السَّفر!
والأرضُ تنتحِبُ
والبناتُ لا تكفُّ عن الصلاة؟
كيف يتركُ العشّاقُ حبيباتِهم
ويمضون؟
لا يسافرُ!
في وَهَنٍ،
همهمتْ ثالثةٌ:
بالأمس،كلّما طوَى في قلبي ملابسَه
غافلتُه وطردتُها خارجي،
وغلَّقتُ على نفسي ظلامي.
لكنه جنوبيٌّ عنيدٌ،
هذا المسافرُ،
حشرَ القمصانَ والمعاطفَ في جَوفي
حتى انفجرتُ.
لا يسافر!
هتفتِ الملابسُ:
لا عليكن مني.
نسيجي،
لن يدفئَه في صقيع غربته،
خيوطي من أرضِ مصرَ
رواها النيلُ
فلا تُدفئُ الغرباء.
لا يسافر!
ينُصِتُ الخيميائيُّ المهاجرُ لوجيبِ الحقائب
يُطرقُ برهةً، ثم يُردِّدُ:
نعم، هنا بيتي،
وأرضُ طِيبة تسكنُني
مثلما قال القدّيسُ الطيبُ.
لكنَّ لي،
في بلادِ الجليد،
عصافيرَ صغيرةً
تسألُني:
”هل ستعود”؟
أسافرُ
لكي أُلقِمَها الشعيرَ والقمحَ
من كفّي.
هنا أرضٌ
لا تُحبُّ أبناءَها،
لكنَّ أرضَ الصَّقيعِ البعيدة
تُدفئُ الغرباءَ
والمهاجرين!
اصطفَّتِ الحقائبُ جوارَ بابِ البيت
ورنّمتْ في نغمٍ حزين:
دعوه
يمضي
يا رفاق!
غدًا سيعودُ
إذا
ما عادَ الوطن.
______________
* شاعرة من مصر. (أخبار الأدب)