فيصل خرتش *
يصف كتاب “نزار قباني.. قنديل أخضر على باب دمشق”، لمؤلفه الدكتور خالد حسن، الشاعر الراحل نزار قباني، بالمبدع الذي يتمتع بحضور آسر، ويرى أنه يتميز بسيطرته على المتلقي، كما لو أنّ حضور الشاعر هو القصيدة، فكتابة نزار الشعرية هي تلك الكتابة التي تحتفظ بوهج الصوت ودفئه، ورغبته في التواصل. لا الكتابة التي تنزع نحو البرودة والانفصال والصمت.
ويرى حسن أنه تكتسب القصيدة، في أعمال قباني، معناها ودلالاتها، من الشاعر نفسه. وهذا التطابق بين الشاعر وقصيدته هو الذي يفسر قوة الرنين الذي يتمتع به نزار قباني في ذاكرة المتلقي، إنه يعيد إنتاج الشاعر الشفاهي، شاعر الصوت بامتياز، في راهن الثقافة العربية، حيث تأتي القصيدة بوصفها حدثاً للصوت. ومن هنا يمكننا إدراك شغف الشاعر بإلقاء القصيدة، فهي لا تكتمل إلا بالصوت، بتصويتها، بقذفها من سطح الروح. عبر عن ذلك مرة: “.. ما أشقى القصيدة التي لم تلق… إن طعمها في الحلق يصبح كطعم العصفور الميّت…”.
ويؤكد المؤلف أن الشاعر يسمع ذاته، فلا يغدو ثمة فارق بين القصيدة والشاعر، فالقصيدة هي الشاعر والشاعر هو القصيدة، وتكون القصيدة قد اكتملت فترتد على صاحبها، لتعلنه شاعراً وتنصبه إمبراطوراً على شعرية القصيدة دون منافس.. إنها وليدة عفوية نزار ورهافته، نزار العاشق لميتافيزيقيا الصوت حتى الموت، الصوت الذي يؤيد حضوره في جسد المتلقي لتبقى القصيدة صدى لصوته الآخذ بالتبعثر والانتشار والتلاشي.
ويتثبت لحسن أن ما يثير الانتباه في شعرية نزار قباني، الحضور العنيف للمكان. ولأن دمشق عشيقة نزار الأبدية، يخصها نزار بعنوان دالٍ “دمشق نزار قباني”، ذاك في تحدٍ سافر لمنطق النحو بإضافة المعرفة إلى المعرفة:
“بعد صدور هذا الكتاب، لن تجدوا مشقة في العثور عليَّ
فعنواني موجود في مفكرة أية وردة دمشقية
ولغتي مشتقة من مفردات الياسمين”
يؤكد حسن أن المكان يكتب ألفته من يدي الأم، في أشعار قباني، وبغياب تفاصيلها ينفتح على الكائن/الشاعر جحيم الغربة.
كما أن نزار طالما أمسك بخاصية التماثل بين غرناطة المدينة الأندلسية، ودمشق، مكاناً وبشراً. فالثانية هربت بحضارتها وأشيائها وكائناتها إلى بلاد الأندلس في لحظة تاريخية، لتسكن فضاء غرناطة، واحتضنتها الأخيرة لتعيد إنتاجها، ولهذا يأخذ التخيل الشاعر بعيداً، حتى يحس أنه محاط بحارات دمشق وناسها وأهلها. ويبين المؤلف أنها تلك هي الصورة التي تمثل فعلياً، أنثى نزار قباني، سيدة الماء والنجوم، السحر الذي يعصف باليباس والتيه، ليبقى العالم أخضر، ليستمر الكائن الكاتب، كما يقول نزار نفسه: “وسيماً، أنيقاً، طالما أنه موجود في كنف المرأة وفي حمايتها، إنها الأنثى التي لم يضجر الشاعر من الكتابة عنها، حباً وانتقاماً واحتراقاً”.
ويدرج حسن ما قاله أدونيس عن قصيدته الشاعر نزار: “ابتكر نزار قباني تقنية لغوية وكتابية خاصة، تحتضن مفردات الحياة اليومية بتنوعها ونضارتها، وتشيع فيها النسم الشعري، صانعاً منها قاموساً يتصالح فيه الفصيح والدارج، القديم والحديث، الشفوي والكتابي”.
وكذلك يعرفنا المؤلف على شهادة قاسم حداد بنزار، إذ اعترف أنه من علمه الدرس الأول في الشعر: “من أزيده مجداً إذا قلت إنه علمني الدرس الأول في الشعر، لكنها حقيقة تعنيني وأشعر بها في تجربتي، وأدرك وحدي خطورتها في تكويني الشعري. أنا جزء صغير من جبل شاسع أخذ من نزار قباني الدرس الشعري مبكراً”.
كما قال عنه عبدالله الغذامي: “إنّ نزار نموذج مطلوب في الذهن الثقافي، ولذا انوجد واستمر وثبت واتسعت رقعة انتشاره وتوزيعه”.
وكذلك قال عنه محمود درويش: “علمني نزار أنّ الشعر ليس له هيبة، يمكن أن تشتغل قصيدة من بنطال، ومفرداته ليست مستعصية، وأن ما نعيشه يمكن أن نحكيه ببساطة تامة”.
المؤلف في سطور
خالد حسن. كاتب وناقد سوري. لديه دراسات ومؤلفات متنوعة. يعنى بحقول الأدب كافة. قدم إسهامات وقراءات وتحليلات، كثيرة، في صحف ومجلات عربية عديدة.
الكتاب: نزار قباني قنديل أخضر على باب دمشق
المؤلف: الدكتور خالد حسن
الناشر:إصدارات الأمانة العامة دمشق 2012
الصفحات:105 صفحات
القطع:الكبير
( البيان )