الكاتب وكيل مبيعات


* صباح زوين

أصبح الكتاب سلعة. أصبح رقماً في التجارة العالمية. إضافة الى انه بات ينقل ادباً معولماً، لا أدباً مهمّاً، عالمياً. بات إذاً ميزاناً في البورصة التجارية ليس الا. لم يعد الكتاب مادة فكرية دسمة، ولا مادة أدبية عميقة ومهمة، ولا مادة فنية مجبولة بكلمات الكتابة الأدبية. لا. أصبحنا بعيدين كل البعد عن هذا المنطق لأن العولمة هي مجرد سوق وكل ما يجاريها او يمرّ من قربها يصبح سوقياً في معنييه، الإبتذالي والتجاري. يصبح تسويقياً. لم يعد الكتاب قيمة أدبية. بات قيمة شرائية فحسب.
هكذا بات الأمر خلال هذين العقدين الأخيرين، حيث تأتينا أخبار الكاتب ودار النشر والكتب وكأنها أخبار البورصة العالمية. هكذا تردنا أخبار أدب العالم والعرب عند كل موسم ثقافي أياً كانت صفته. تطلعنا الأخبار القادمة من أنحاء العالم وأنحاء منطقتنا حول الإنتاج الأدبي، وبدل أن نطلع حقاً على ما هو أدب من معلومات ومزايا أو نقد مفيد، تأتينا جداول حسابية عن عدد الكتب التي بيعت لهذا الكاتب او ذاك، تأتينا أرقام عن كمية النسخ التي نفدت وعن الكمية التي ستتولى دار النشر إعادة طباعتها لتلبي حاجات السوق.
سوق ثم سوق، مبيعات ثم مبيعات، وهذا كل ما يبحث عنه المنطق التجاري الذي وسم بذاته العقلية الثقافية، وهو المنطق الذي تمكّن من كل مفاصل حياتنا حتى الأدبية والفكرية والفنية منها. الكاتب الفلاني باع كذا عدداً من كتابه الأخير، الشاعر الفلاني ضرب الرقم القياسي في حفل توقيع ديوانه الأخير، الروائي الفلاني بلغت كتبه المباعة نحو المليون أو الثلاثة آلاف نسخة الخ. لم نعد نقرأ في النشرات الثقافية سوى أرقام مشقوعة فوق ارقام، حيث اصبح الكاتب في نظر كل من ينظر اليه مجرد وكيل مبيعات لدار نشره. وكيل مبيعات ونجم قبل كل شيء. نجم يسطع اسمه على لائحة افضل مبيعات في عملية التسويق هذه، لكي يقولوا لنا «هذا افضل كاتب، افضل شاعر»!
البائع النجم عوضا ًعن الكاتب المبدع! البائع الذي حقق الرقم القياسي في المبيعات السنوية اثناء حفل التوقيع عوضاً عن أن يكون الكاتب المرموق الذي كتب كذا وكذا والذي قال كذا وكذا! ويتباهون رغم ذلك!
يتباهى الكتّاب، أعني وكلاء المبيعات اولئك، عندما ينتبهون الى أنهم كانوا ملوك المبيعات اثناء حفل توقيع او خارج حفل التوقيع فلا فرق. يتباهون وينسون، وهنا تكمن المأساة او الكارثة، ينسون انه ليس مطلوباً منهم ان يكونوا باعة ممتازين، انما ان يكونوا كتاباً متميزين. لكن يبدو انه في أيامنا هذه اختلطت الأمور وتشوشت الإعتبارات، والكاتب المهم ليس مَن أبدع في كتابته انما من حقق أرقاماً خيالية وقياسية او فقط جيدة في مبيع سلعته الورقية.
* شاعرة وأديبة من لبنان .
– عن “اللواء ”

شاهد أيضاً

الكاتب والكِتابة وأثر فيرتر

(ثقافات)  الكاتب والكِتابة وأثر فيرتر مصطفى الحمداوي يقول أومبرتو إيكو بإصرار لافت للانتباه: “لطالما افترضتُ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *