المفكرة الحمراء .


هانم الشربيني *

( ثقافات )

 لو إعتاد زرع الأشجار ،لعرف أنني لن أستطيع أن أكون سوى الشجرة الأولى والأخيرة فى قلبه، هذا المجنون الذى يتباهى بشعره المنسدل على رقبته ،لم يعرف أنني لست من النساء الذي يهوى الدخول لعالمهن من بوابة الجسد ، بالطبع لايعرف عني كل شيئ، هل إعتقد أنني بطلاء الأظافر الأحمر، وبشفاتي المصبوغة بالروج الأحمر، وبأصابع يدي الموشومة ، أصبحت مثل فاكهة كل من يدركها يقطفها ويقضمها، لا أعرف لماذا يمارس الرجال دور اللصوص فى الحياة ، يتعمدون سرقة مشاعري قطعة قطعة ، لكنها فى الحقيقة ليست لأحدهم نعم أنا قلبي معلق ، لكن أيها الأغبياء إنه مغلق بالمفتاح منذ ماضي بعيد ، غير مستعد لجراح جديدة ، ولم تعد عيني مؤهلة للبكاء على حبيب ، فالغدر لا يمحوه الزمن ، الغدر قدر المخلصين وحدهم .
تقفز هذه الكلمات عبر الفيس بوك يلتقطها وليد زهدي ، يحدق بسرعة فى بروفايل من كتبتها ، يقول لنفسه :قشطة إزاي عندي ومعرفهاش ، دا عيب والله فى حق واحد صايع زي ، نشوف مين القطة دى كمان اللى عاملة فيها خضرة الشريفة ، بسرعة ينتقل لصورها ، يعاود الحديث لنفسه يلهوي دى مزة جامدة ، لازم أكلمها ، مش هضيع الفرصة ، يفكر فى طريقة للتعرف عليها ، لم يفضل التعليق المباشر على ما كتبته ، فضل أن يرسل ماسج خاص مختصر قال فيه بدون مقدمات :أنا سينارست شاب ، حبيت أقولك كتابتك حلوة وفيها مشهدية رائعة ، كتابة تصلح للسينما، رقمي للتواصل إذا أحببتي 01289104066،فى إنتظار ردك ،ملحوظة يفضل الحديث معي فى غير أوقات الصلاة لإلتزامي بها وحرصي على أدائها فى أوقاتها ، وفيما ماعدا ذلك أنا متاح يا أستاذة سمر ، يرن هاتفه ،ينظر إلى رقم الطالب ، يجد أمنية طليقته ،يقول لنفسه :مش وقتك خالص ،عايز أتعرف على بنت جديدة تشاركني مزاج التماسيح حميمي ودافئ، تصر على مواصلة الرنين بأرف يرد ، ألو أيوة يا أمنية ، معلش مكنتش سامع التليفون .
أمنية :معلش بس كنت عايزك تجي توصل مهند للتدريب وترجعوا تاني .
وليد :حاضر يا أمنية كويس إنك فكرتيني .
أمنية :طيب قبل ماتوصل بخمس دقايق رن عشان انزلهولك ،سلام
وليد سلام ،بعدها يقول لنفسه ،كنت عايز أفضل أون لاين هو مهند ابني ورايا ورايا ابن الكلب ده ،دا بيغير عليا أكتر ما كانت أمه ،الله يخرب بيته وبيت أمه ،يضحك بصوت مرتفع مع نفسه ، هكذا إعتاد فالضحكة هي وحدها صاحبة الصوت المرتفع فى هذا المكان ، وهى من تسكن معه فى الدور ال11 الذى يقع في شقة أوضة واحدة بها مكتب وأنتريه من زمن الأربعينات على أحد كراسيه بطانية تمنحه الدفئ وهوممدد على إحدى كنبتها ،وفى مقدمة الشقة تطل صالة صغيرة بها بلكونة تطل على ميدان عبد المنعم رياض ، وبجوارالصالة يوجد حمام ومطبخ محكوم عليهم بالنفى خلف باب الشقة فى عزلة افتراضية ، بها يعيش كأي عازب فخور بخلع ملابسه والجلوس عريان ، وممارسة هواية قراءة الجرائد فى الحمام ،ومشاهدة أفلام البرنو أوأفلام السينما الأوربية مع أصدقائه البنات فقط ، وتحت راية لا أفكر فى الزواج تقع الفرائس منهن بحريتها الكاملة فى أحضانه ، ويصادق مفكرة حمراءوسط تلك الوحدة المطلة بوضوح فى عينه ،تلك المفكرة تضم خطط سيناريوهاته القادمة وبعض أرقام وإميلات بنات من جنسيات مختلفة على علاقة بهم .
يقرر وليد إرتداء ملابسه والنزول للنادي ، يلقي نظرة أخيرة على بروفايل سمر ، يراها أوف لاين ويقول لنفسه :إمتى تردي بقى ، يقرر بعدها إغلاق الفيس بوك على غير رضاه ، فهو المؤمن بقدرته على مخاطبة انجيلنا جولي وإيقاعها فى غرامه برسالة واحدة ، هكذا يتباهى أمام أصدقائه دائما ،ولذلك يلقبوه وليد “رسالة واحدة تكفى “.

فى نفس اللحظة تقرر سمرإلقاء نظرة سريعة على الفيس بوك الخاص بها ، والذى تعتبره القبر الذي تدفن فيه أسرارها هى وأصدقائها البنات بخلاف أنه ساحة للسجال السياسي والنكت غير المضحكة ، لاتحب الشات ولا تمارسه سوى فى النادر ، تهتم بالمعلقين على ما تكتبه ، فهى المحبة للأدب وللأقوال المأثورة التى تنقلها مباشرة من كتب دار نشر” الغروب “الشهيرة والتى تعمل بها كمسئولة فى قسم البيع ، تفتح الرسائل فتضحك على رسالة وليد زهدي، ضحكة لا تختلف عن أي ضحكة سابقة أطلقت بعد غزل أحد الرجال لعينها شديدة الزرقة التى تشبه بحر غارق متلاطم الأمواج محب للحياة تقف لتنير وجه شديدة البياض، تقرر أن ترسل له رسالة شكر لذوقه ولإهتمامه وتلحقه برقم هاتفها للتواصل ، يدخل مشتري جديد للدار طوله وعرضه كفيلين بسدباب الدار ، ترفع بصرها من الفيس بعد توجيهه الكلام لها :لو سمحتي عايز النص الكامل لملحمة الفردوس المفقود” لجون ميلتون “،ترد على الفور :حاضر، وتذهب لأحد الأرفف البعيدة، وتحضرها له،يشتريها وينصرف ، وتعود هى للجلوس أمام الكمبيوتر الذى يقع فى ركن صغير من الدار المكتظة بالكتب من كل الأنواع ،بضع دقائق فقط ورن هاتفها فردت
سمر :أيوة مين معايا .
وليد:أنا وليد زهدى .
سمر :أهلا بيك.
وليد:أناحبيت أشكرك على كتابتك الحلوة
سمر :ربنا يخليك.
وليد :أنا على فكرةعندي مكتب فى وسط البلد لكتابة السيناريو لو تحبي تشرفينا مرة ،تاخدي فكرة .
سمر :والله ،أنا بشتغل فى طلعت حرب يعنى جيران أهوه .
وليد : شقة 24 الدور ال11 برج معروف ،كل يوم شغالين .
سمر :ماشى هجي أزوركم بكرة الساعة 6 بعد ما خلص شغلي ،
وليد:تشرفي،فى إنتظارك .

تشعر سمر بالسعادة من هذ ا الصوت المهتم بها ، وتذهب للفيس بوك الخاص به لتقرأ كل ما كتبه من بوسات سابقة ، وتبحث فى قائمة أصدقائهم المشتركين ،فهى بحكم عملها صديقة للعديد من الكتاب الشباب ،فرحتها لم تكتمل بعد إستكمال قراءة المعلومات الشخصية ، فهو متزوج وله ابن ، تقول لنفسها :متجوز يا خسارة دا جان أوى ،كان ممكن يبقى عريس كويس ، مش مهم صداقة لا تضر.

تقرر سمر فى اليوم التالي أن ترتدي أشيك طقم عندها ، واحد من الأطقم التى كانت ترتديه وهى تقابل سرا خطيبها السابق ، تدق الساعة السادسة فتنصرف من عملها ، وتتجه مباشرة لشارع معروف ، تترك ورش السيارات المنتشرة وتدخل برجا معروفا ، تصعد من الأسانسير القديم التى تشبه أسلاكه القديمة ،الطوق المستخدم فى تنفيذ حكم الإعدام ، ترن الجرس ، يفتح لها وليد تدخل ،تلقى نظرة سريعة على المكان الذى يحتفظ برائحة مكان مغلق ،خالي من أى لمسة أنثوية ،فقط تجلس كراسي ومكاتب ولوحات تشبة كروت البوستال القديمة ، تترك الصالة وتجلس فى المكتب ، يقطع صمتها ويقول على فكرة انت أجمل من صورك ، تقول لنفسها والنبي إنت الأوحش ، إيه رأيك فى المكان ، ترد بتحفظ لطيف ،بس فين الناس ؟، يرد الورشة متوقفة لأيام ، متخافيش أنا بحترم البنات أوي ،إنتي أختي وأنا حبيت أتعرف عليكي عشان بتكتبي حلو ،ولو عايزة ننزل نقعد فى أى مكان ما فيش مانع ، ترد سمر :لا مافيش مشكلة أنا هنزل عشان متأخرش على البيت ، وليد :طيب ممكن نقعد 5 دقايق بس ، من الواضح أننا هنبقى أصحاب أوي ،سمر:تقول لنفسها إيه المجنون دا ، حاسة أنه ملخبط أوي ، كأنه عازب مش مجوز ،بيقول بيصلى ومربى شعره زى البنات ، كاتب على الفيس مجوز وبيقولي دلوقتي مطلق ، قالي مكتب وطلعت عشة فى وسط البلد عايش فيها ، إيه الكذب دا ، تستمر سمر فى الحديث والإستماع له لكي لاتبدو سخيفة ، تقول له :أنا لا أحب الجلوس فى الأماكن المغلقة ،أنا زى ما إنتا شايف محجبة ومن أسرة محافظة ،يرد وليد أنا من أسرة متدينة ولكني متحرر وصايع فى الحقيقة وبحب البنات أوي ، وعلى علاقة بنساء من جنسيات مختلفة ،تصدم سمر من وقع الكلمات هى فقط تحلم بفكرة الحب العذري وتبحث عن رجل يحضن قلبها وكفى ، تقف فجأة وتقول :معلش همشي إن شاء الله نتقابل تانى ، يرد وليد احنا ملحقناش نكلم بس أكيد سعيد أنى شفتك ولازم يكون لنا لقاء تاني .
ترد إن شاء الله ، يمد يده للسلام عليها ، فترفض قائلة ،أسفة مش بسلم على رجالة ، وكنت عايزة أقولك ما كتبته منقول من رواية ترمى بشرر لعبده خال وهبعتلك الإميل على الفيس عشان تشكره،سلام .

* قاصة وصحفية من مصر

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *