باولو كويلو
“الجحيم هو فقدان السيطرة على ذاتك رغم السلطة التي تتمتع بها.. أما الفردوس فالسيطرة على النفس مع الخوف الذي تستشعره”
الحكام والمحكومون
دخل الصوفي الشهير إبراهيم الأدهم، ذات يوم، قصر أحد الملوك، ولما كان معروفاً لدى الكافة في تلك الأرجاء، فإن أحدا من الحراس لم يعترض سبيله، وهكذا تمكن من المثول أمام الملك. فخاطبه: “أود قضاء الليل هنا”. ورد الملك مندهشا مما قاله الصوفي لتوه: “ولكن هذا القصر ليس فندقا”.
فأجاب الأدهم في هدوء: “هل لي في أن أسألك من الذي كان يملك هذا القصر قبلك؟”. ورد الملك محاولاً كبح جماح غضبه: “كان أبي مالكاً لهذا القصر، وتوفي. فغدا القصر ملكاً لي”. فباغته بسؤال جديد: “ومن الذي كان يملك هذا القصر قبل أبيك؟”.
استبد الغضب بالملك، حينها، ولكنه كظم غيظه. وقال: “كان القصر ملكاً لجدي. وتوفي بدوره، فغدا القصر ملكاً لأبي”. ولحظتذاك، عقب الأدهم: “هكذا إذاً فإن هذا القصر هو مكان يمكث الناس فيه قليلاً من الوقت، ثم يرحلون عنه. أليس هذا هو على وجه الدقة الوضع في الفندق؟”.
أبدى الملك تقديره واحترامه لشجاعة إبراهيم الأدهم وحكمته، وسمح له النزول ضيفاً عليه في القصر، طوال الوقت الذي يريد.
الشجاعة والبصيرة
مضى ملك يدعى نوبوشيغي، إلى معلم الزن الشهير هاكوين، وسأله: “هل للجحيم والفردوس وجود حقاً؟”.
ظل معلم الزن معتصماً بصمته، ولكن الملك ألح عليه بالسؤال مرتين، حتى بادر الاول: “من تظن نفسك لتجيء إلى هنا وتبدد سكينتي؟”. وعندها، تضرج وجه نوبوشيغي احمراراً، بفعل غضبه الشديد. فرد: “أنا الملك، سيد كل هذه الأراضي التي تمتد أمامك”. ولم يتأخر هاكوين في الاجابة: “ما أغرب هذا! ارتحلت طويلا، لا لشيء، إلا لكي تطرح سؤالا سخيفا لا معنى له”.
شرع نوبوشيغي في استلال سيفه فبادره معلم الزن ضاحكاً. وأردف : “هكذا فإنك مسلح. حسناً أراهن أن هذا السيف يعلوه الصدأ، ومضى وقت طويل على آخر مرة شحذه فيها”. فصاح الملك: “سترى. فغضبي كالجحيم على الأرض”. وفور ذاك، فتح معلم الزن رداء الكيمونو الذي كان يلبسه وكشف عن صدره. ثم خاطب الملك نوبوشيغي: “هلم. اقتلني، فما أن يمس هذا النصل فؤادي حتى أجد نفسي في الفردوس”.
سادت لحظة من الصمت، تطلع معلم الزن خلالها إلى الملك. وقال له: “هل أجبت عن سؤالك؟ إن الجيم فقدان السيطرة على نفسك، على الرغم من السلطة التي تتمتع بها، أما الفردوس فالسيطرة على النفس برغم الخوف الذي تستشعره”.
المسافر الصامت
كان حاكم إحدى الولايات الأميركية، يسافر بالقطار مع طاقم مساعديه، عندما لاحظوا شخصاً غير مهندم، يجلس مغمض العينين في عربة القطار نفسها التي يستقلونها، وقرر أحدهم إبعاده. ولكن الحاكم أوقفه، حيث إن هذا المخلوق المسكين سيسليه خلال الرحلة.
وهكذا مضى الجمع على امتداد الطريق، يوجه النكات والإهانات الى الرجل ذاك، غير أنهم عندما وصلوا المحطة التي يقصدها القطار، لاحظوا أن كثيراً من الناس تجمع للترحيب بهذا الغريب، إذ كان واحداً من أكثر رجال الدين شهرة في أميركا. وساعد المتحمسين له في انتخاب الحاكم لتولي منصبه.
وفي التو، أدرك الحاكم جسامة غلطته، فانتحى بالرجل جانباً وقال له: “هل لك يا سيدي أن تغفر لنا نكاتنا وتدعو لنا بالتوفيق؟”. رد الرجل قائلًا: “بمقدوري أن أدعو لكم، ولكنني لا أستطيع أن أسامحكم، فقد كنت على متن ذلك القطار أمثل، دون قصد، كل المساكين على امتداد هذا العالم، ولكي تحظوا بالغفران ينبغي عليكم أن تجوبوا أرجاء الأرض جميعها، وأن تنحنوا أمام كافة مساكينها”.
( البيان – مسارات )