زرقاء خصبة .. كمحيط


سمر محفوض *

( ثقافات )

 

أجنّ.. نعم أجنّ
أو أدافع غالباً عن الجنون
أخلعُ حشودي، وأخترعُ جموعاً..
تقترفُ الكلماتِ لتخونها
مجنونٌ من يفصلُ بين الحالِ والمحال
مجنونٌ من يطوف
المرآةَ خلفَ أثرٍ ولا أثرَ
مجنونٌ من يغلقُ الصيحةَ، قابَ الصوتِ..
ويُسكبها بدمي..
مجنونٌ من يطرقُ بابَ النأي فاتحةَ احتراقٍ
وبه ألقُ الروحِ نحوها.. يمضي
بهذا الحرف أو ذاك

مجنونٌ من ينذر صداه
لهدهدةِ اللحنِ الممتد
بهجرتك حتى الضوء..
ولأن عمراً واحداً.. لا يكفي
أو حتى عشرةَ أعمارٍ.. بمقياس رجاء
أنا المتقلبةُ المتعبةُ والمدعيةُ
لبطولاتِ الانتظار..
أجنّ قليلا وكثيراً أموتُ

مجنونٌ من يحفظُ أمانةَ اللفظِ
ومَن يعدّ نزفهُ بحبقِ الرفضِ الشحيحْ
يا أيها الفرحُ الحنونُ الهاربُ الغائبُ :
هل من فرصةٍ تاليةٍ نكاية بالمعنى..؟
مجنونٌ من يختار أسوءَ الأمّرين..!
كم تسكن الأشباهُ اخضرارنا والصدى..؟

مجنونٌ من يفرقُ بين العتمة والعتيم..
ليسأل الليل! أن يُعيد تشكيلَ السماء
وإن شاء الجنونُ
مجنونٌ.. هو البحر
ومجنونٌ حقلُ الماءِ.. يُتثنى ثم يتثنى
وينتشلك ضلعاً ضلعاً.. أرخبيلاً أرخبيلاً
مجنونٌ من يفصلُ بين الخوف والأمل..
وأنا أخافُ.. أخاف هذا الحوارَ الملتبسَ
أخاف نبضةً تحتشد ولا تأتي؟
أخافُ خوفي.. دون انتظارٍ لشيء
أخافُ الصحو..
فلتجذب حبل النعاس

مجنونٌ من يفرقُ بين الدمعِ وأولهِ
وأنا أحيا.. نعم، وربما أحزنُ أو أخافُ
هو الحزن.. المضيء حولي؟!
مأخوذةٌ أنا بالخوفِ مأخوذة بالضوءِ..
يعمرَ عتمة القلب حقولاً..
فأخونُ ذاكرتي.. و تنكرني المخيلةُ..
لأعشقَ الزرقةَ قليلاً، و كثيراً أحبك

مجنونٌ من يفرقُ بين المحالِ والمحاولة
وأنت ألا تشعر بكثافةِ الأرضيِّ بكَ..
تشفُّ وتشفُّ.. بحيوية نهر..
تخرجُ من قلبِ الزهرةِ مقبرةً مدجنةً
لتكمل نذرَ انعتاقكَ..
فأعرف كم تهتُ عنك فيك
يا الله..
لِمَ تُضاعِفُ السأمَ الموحشَ فينا ؟
مجنونٌ من يتكدسُ بين القرارِ والإقرارِ
وأنت…! لم تغب
أوغلت طويلاً في الحزنِ الجميلِ
صدى لزمنٍ.. أشدَّ رداءةً علينا
مجنون من يسرف بالتفاؤل
فأهيم انتظاراً ويهيم غياباً

مجنون من يدمن الحرقة
بطعم الصدأ أو بطعم التفاح السماوي
مجنون من يشعل قلبه المتيَّم بالأمل
حد الانكفاء على النص الأخير
من الساعة الليلية الكلام

مجنون من يفصل بين الممكن والمستحيل
من يموت عطراً أو يتلاشى ضالعاً بالرفيف
مجنونٌ من يفرقُ بين الصيرورة والنجوى
من يفرق بين النبوءةِ والهذيان
حين يعرّي القلبُ صداهُ.. أفتحُ شباكَ ر وحي
أعبر صفاتي إليكَ.. فأستريح
مجنونٌ.. من يهربُ من السريرةِ إلى السرِّ
بالعناءِ القديمِ..
مجنونٌ من يتجسدُ.. فيما يتبدد ُ منا

الآن :
يكتملُ الضجرُ.. ثم يغيب وينقضي
وأنا.. أُريقُ الحكاياتِ..
في الجنون الممتدِ على نصل الانتظار..
أروي التوقَ والموتَ
بشهقةٍ منتحرةٍ, تطوي ذاتها على ذاتك!
وحدي، ووحدي
يلدني اللونُ الأزليُّ المقيم..
زرقاء زرقاء.. كحقولِ محيطٍ وسماء
مجنونٌ من يعرّي السرابَ من عطشِ الصحراء
مجنون ٌ من يسرق ُ الحلمَ.. لينامَ بنكهة ِ قلب
مجنونٌ ومجنون ومجنون من يتعقـّل..
أن يصيرَ الجنونُ، موعداً لسلام الروح

سلامٌ عليك عليّ.. سَلامٌ هو الجنونُ..
حتى يتركَ الأرقُ البحريُّ تأرجحهُ..
أو يستقيمَ ظلاً ولستُ.. أمشي إليك..
يا أيها المتشابكُ بموجك الريان..
بل أرفع مدائحكَ، أعلى.. ثم أعلى

مجنونٌ من ناجاكَ.. ومجنونٌ من ناداكَ
ومنْ يبارك ما تشوّه منا
تبارك هذا الجنون الجنوح..
تؤويهِ آياتُ شذاكَ المنزلةُ؟
مجنونٌ هذا الكونُ أبداً..
نصلبُ فيه أو نجنُّ..
حتى يمضي الشجرُ خلفَ خضْرته
وينقشنا على سحرهِ صوراً
مجنونٌ من يخشع برفةِ الجفنِ..
آن يستندَ على دمعهِ.. يسيل..
إذا مسّت قلبه فراشة
مجنونٌ من لا يُدركهُ الحب
أُحبك.. هذا أوانُ المحبةِ بطقسِ الربِّ
توشكُ وردةُ الجنونِ أن تغادرَنا..
قبل أن تفتتن بطيش الشوق
هذا آخر الماءِ.. آخر الكواكبِ الزرق
ها نحنُ أول ثمل الضوء
آخر تناغم السحر
مجنون وكفى..
مجنون من يفرّق..
بين هذا الموت والوجود الشائك
الشائك.. الشائك..!!

 

* شاعرة من سوريا

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *