الروائي كمال الرياحي:الغوريلا محاولة لكتابة تاريخ من لا تاريخ لهم


حوار : كارم يحيى *

كمال الرياحي روائي تونسي شاب بلغت شهرته المشرق العربي‏.‏وقد وجدت أعماله الروائية ناشريها في بيروت‏.‏ رصدت روايته الأخيرة الغوريلا المشهد الكابوسي الذي عاشته بلاده تونس قبل ثورة‏14‏ يناير‏.2011‏ .

كما اتخذت من شارع الحبيب بورقيبة و برج الساعة بالعاصمة رمزا للثورة علي هذا المشهد من خلال ما فعله بطل الرواية صالح الذي تسلق البرج وقرر الانتحار. ولذا فإن العديد من النقاد وجدوا في روايته الغوريلا نبوءة علي ثورة14 يناير أولي ثورات الربيع العربي.
وعندما التقيت كمال الرياحي علي هامش معرض الكتاب في تونس في نوفمبر الماضي بادرته بالسؤال عن أبرز المؤثرات في أعماله الروائية, فأجابني:

ـ منذ سنوات وأنا أردد أنني لقيط ثقافي. فمنذ بداية تجربتي في الكتابة حاولت أن أؤسس لاسلوب خاص بعيدا عن فكرة القدوة و الأديب القدوة أو المثال الذي يمكن أن أحذو حذوه. وأعتقد ان هذا ناتج عن تنوع القراءات وبخاصة قراءة الروايات. فهذا التنوع شكل بالنسبة لي بانوراما من المراجع والمرجعيات الأدبية. مثلا أنا أحب هنري ميللر و جيمس جويس كما أحب هنري بوكوفسكي. وربما مثل الأدب الأمريكي لي مرجعا أدبيا لأنني أميل الي أدب الحركة. وأنا أقرأ هذا الأدب منقولا الي العربية أو الفرنسية. وهو ادب ينطوي علي حياة أكثر. وما ينقصنا في الرواية العربية هو هذه الحركة. وأنا أري أن الرواية العربية منذ سنوات تعيش حالة تأزم ناجمة عن الترهل الكبير والشحوم السردية ونتيجة لتحميل الرواية ما لاتحتمل من ثقل أيديولوجي, فيتحول النص الي محض اطروحات.

ولكن ما هي مرجعيتك الاساسية في اعمالك الروائية؟

ـ تجربتي الشخصية. فقد عشت احوالا عديدة و عملت بعدة أعمال يدوية وذهنية منذ المراهقة. كنت أعمل مهربا للملابس من مدينة وجدة المغربية. وعشت تجربة الحرب الأهلية والإرهاب في الجزائر منذ عام.1996 واشتغلت بالتصوير الشمسي والفلاحة. ولقد اضطررت للذهاب الي الجزائر بعد ان قمت باضراب جوع في تونس احتجاجا علي التضييق علي شخصي وحرماني من العمل. وهناك أصبح اختصاصي الكتابة النقدية عن الرواية الجزائرية سواء في الداخل أو المهجر.

تظل لسنوات الطفولة والصبا تأثيراتها على المبدع … احك لنا عن هذة السنوات؟

ـ أنا من قرية تدعي العروشة في منطقة من الشمال الغربي بولاية سليانة. عملت في البداية بالفلاحة في حقول الزيتون مع والدي.وبعدها عملت بالتصوير الشمسي في تلك القري التونسية البعيدة. وأظن أن الصورة وعلاقتها بهذه المجتمعات الريفية الصغيرة هي رافد أساسي للكتابة الروائية عندي. لقد تدربت علي النظر الي الوجوه والناس والعالم. وانتقلت الي تونس العاصمة مع شهادة البكالوريا. ولاحقا تخصصت في النقد الأدبي.

السنوات الأخيرة لـ بن علي ماهي ظروف كتابتك لرواية الغوريلا ؟.. ولماذا جري نشرها في بيروت وليس تونس؟

ـ. أخذ هذا النص يتشكل في السنوات الأخيرة لحكم بن علي تحت وطأة الضغوط السياسية آنذاك. ودائما في رواياتي انطلق من شئ مشترك أو حادث مشترك بيني وبين المتلقي. في عام2009 حدث ان شخصا ما تسلق برج ساعة7 نوفمبر الشهير في شارع الحبيب بورقيبة. كان ذلك في غفلة من البوليس. وظل هناك معتصما لمدة سبع ساعات وسط فوضي كبيرة. وعندما جري انزاله من فوق تم التنكيل به. وخرجت وسائل الإعلام تقول بأن هناك رجلا مجنونا تسلق البرج. لكنني اعتبرته الرجل التونسي الأول والأخير بالنسبة لي, لأنه تحدي النظام في رمزه وضربه في قدسيته. لذا قررت ان اكتب له سيرة تليق به.وأول شئ قمت به عند الكتابة انني استبعدت الشخصية ذاتها. فلم أبحث عنها أو اتقص تفاصيل حياتها,وذلك حتي لا تصدمني أو توجهني الي شئ آخر. فقط جعلت من تلك الحادثة وفي هذا الشخص كل المهالك التي يتعرض لها المواطن التونسي من قمع وتمييز وبطالة,وسعيت لأن أروي علاقة المواطن بالسلطة. وهكذا بدأت أكتب. وبسبب ظروف المطاردات في زمن بن علي كتبت الرواية بين تونس والجزائر وأبو ظبي وبيروت. ولقد جري نشر الرواية كاملة في عام.2011 لكن في العامين السابقين له(2009 و2010) صدرت أجزاء منها عندار الساقي ببيروت ضمن كتاب جماعي عن جائزة البوكر العربية بعنوان: أصوات عربية جديدة.

النشر خارج تونس

ولماذا لم يجر نشر الغوريلا في تونس ذاتها؟
ـ أنا الذي اخترت بوعي النشر في بيروت. لقد كان لدي تجربة سيئةهنا في تونس مع روايتي السابقة المشرط. فهي عانت سوء التوزيع بعدما ووجهت بتضييق من الرقابة. اختيار بيروت بالأساس لمشكلات سوء التوزيع في تونس.ولاحظ أن الكتاب العرب يريدون التعاقد مع دور النشر اللبنانية لأنها توزع في جميع انحاء العالم,وتقوم بتقديم الكاتب علي نحو أفضل. وعلي أية حال فإن الغوريلا متوافرة في المكتبات التونسية أيضا.

لماذا اخترت بطل الرواية – صالح – من بين اطفال بورقيبة (اي الاطفال اللقطاء) ؟

ـ فكرة الرواية جاءت كما أشرت سابقا من حادثة حقيقية. لكنني بحثت عن سبب آخر يقوي الحبكة الروائية ويعطي منطقا للرواية, فوجدته في طفل بورقيبة. لأن برج ساعة7 نوفمبر جري زراعته في مكان تمثال الحبيب بورقيبةبعد انقلاب بن علي عليه.وبالنسبة لي كان ذلك بمثابة اعتداء كبير علي ذكري بورقيبة. وبالنسبة لأطفال بورقيبة فهم أولئك اللقطاء الذي قرر الرجل أن يمنحهم اسمه. لكن ما حدث ان أطفال بورقيبة أخذوا مناحي مختلفة. هم ليسوا مجرد لقطاء. بل هم اطفال أهم رجل في البلاد. وفي نفس الوقت يقع استعمال عدد منهم من جانب الشرطة في فرقة خاصة تسمي البوب.وهي فرقة أوكل اليها تفرقة المظاهرات بأساليب عنيفة. هؤلاء يجري تدريبهم علي الحقد والعنف. وهم الأكثر عنفا.وعلي أية حال, فقد أخذت المسألة في الرواية من جانب آخر. فـالغوريلا هو طفل لبورقيبة لقيط يمثل احساس الشعب التونسي بعدم الانتماء لهذا الوطن. هؤلاء الذين اصبحوا متساكنين وليسوا مواطنين. هم غير منتمين في وطن جري سرقته منهم. ويبقي ما يشدهم الي التاريخ: هو اسم بورقيبة مؤسس دولة الاستقلال.

رواية الهامش

هذا العالم السفلي والعنف والقسوة في الرواية ..الى اي حد تعكس ما وصلت الية تونس في عهد بن علي ؟

ـ مشروع الرواية هو كتابة تونس المعاصرة التي لم يجر كتابتها بعد. فكل ما سبقت كتابته عن تونس اشبه بـ كروت بوستال أوبطاقات بريد جميلة مزينة.لكن عندما كنت أخرج الي الشارع أجد تونس أخري. تونس متوحشة وليست تونس السياحية. عندما تغادر شارع الحبيب بورقيبة( الشارع الرئيسي) تطل عليك تونس الحقيقية من الأحياء. هذا القمع وهؤلاء المهمشون الذي يعيشون في الهامش. كل ذلك ادي الي الانتفاضة.لذا كانت شخصيات الرواية في هذا السياق الهامشي خارج المركز السياحي. أولئك القادمون من الأرياف وعالم المجرمين الصغار في الأحياء الشعبية الفقيرة. حقا كان يجب ان نواجه انفسنا بهذا الواقع. وأعتقد ان الرواية هي رواية الهامش. وفي معني من معانيها تكتب تاريخ من لا تاريخ لهم.

الفصل الاخير في الغوريللا بدا خارج السياق حيث يروي ذكريات المؤلف مع اندلاع ثورة 14 يناير …ما السبب ؟

ـ تعودنا علي البناء الكلاسيكي للرواية.لقد كان بامكاني التوقف عن الكتابة حيث انتهيت منها قبل فصل14 يناير. لكن رأيت ان يكون هناك ايهام بالواقعية حيث يبدو المؤلف وكأنه يتحدث عن نفسه في النهاية.لكن في الحقيقة هذا ليس المؤلف, بل شخصية المؤلف الذي يكتب الرواية, وليس بالضرورة الكاتب الذي يعيش الواقع والذي تحاوره الآن.
عندنا بعد ثورة14 يناير أصبح كل الكتاب في حالة بطولة يدعون مشاركتهم فيها. فكتبت فصلا قلت فيه ان المؤلف خلال الثورة كان بعيدا في الجبال والقري ولم يشارك في شئ.كان يكتب روايته. وعندما نزل الي العاصمة وجد هذا الحدث( الثورة). وهذا نوع من الميتا رواية أو ما وراء الرواية, وهو جنس ادبي موجود في العالم يقوم علي الايهام بالواقعية.

مثل جريمة مصرية

ما الذي يربط بين روايتي الغوريللا والمشرط ؟

ـ الانتصار للهامش و الانطلاق من مشترك عالم الجريمة. روايتي الأولي المشرط تتحدث عن تونس بعد الانقلاب النوفمبري لـ بن علي. وهي رواية متشعبة و مكتوبة بطريقة مختلفة. فهي تحاور الفنون الجميلة وتستخدم السرد الروائي و الفانتازيا انطلاقا من جريمة شبيهة حدثت في مصر,حيث اعترض مجرم يحمل مشرطا فتيات وسيدات. وأدي هذا الي نوع من الفوبيا في الشارع. وهناك في الرواية حبكة شبه بوليسية في البحث عن الجاني.

رواية الغوريللا تطرقت الى السلفيين في زمن بن علي واحتمال توظيفهم سياسيا في نقل السلطة الى زوجته – ليلى الطرابلسي – في الرواية وفي واقع تونس الان كيف ترى هؤلاء ؟

ـ عندما كنت اكتب الرواية كانت الصورة ضبابية بالنسبة للسلفيين. وفي السنوات الأخيرة بدأ ظهور هذا التيار في حضن السلطة.وكأن نظام بن علي يلعب بآخر أوراقه وهو الإسلام. فبدأت البنوك الإسلامية والإذاعة والتليفزيون الإسلاميان بواسطة أقاربه وأصهاره. لقد بدا في السنوات الخمس الأخيرة وكأن البلاد يجري صباغتها باللون الأخضر.وفي الرواية أعطيت صورة عن هذا التحول. والآن يجري نفس الشئ. وفي هذا خطر كبير علي الشعب التونسي لأن السلفيين إقصائيون, ولا يمكن التواصل أو الحوار معهم. ولا أعتقد أن هذا التيار سيجد فضاء له في تونس. فالمجتمع هنا معتدل ومتسامح.ولا يقبل المبالغة والتطرف. وأعتقد ان الأمر في يد الإسلاميين الذين يحكمون الآن( النهضة): إما ان يكونوا مع الشعب.. أو ضده. فالمغازلة بين النهضة و السلفيين أخطر ما يهدد المجتمع التونسي.

( الأهرام )

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *