د. مريم جبر*
( ثقافات )
أنفاسي تتصاعد، وعجلات السيارة تطوي المسافة بحذر.
عيناي ترقبان قطعتين سوداوين تتناوبان إزاحة مايعلق على الزجاج من ندف بيضاء، بينما تحاول عيناه احتواء الطريق أمامه حذر مفاجأة قد تكسر ألق مغامرة لم يبادر إليها، لكنه لم يرفض دعوة الصوت حين انبجس مثل قطعة شمس في نهار يزدحم بتراكمات أولى لثلج وعربات متوقفة هنا وهناك، ورؤوس متلفعة وأيدي تلح بالرجوع .
ثمة نظرة دافئة يلقيها إلي بعد كل شارة تحذير تأتي من أحدهم، أو من ضوء رباعي لعربة قادمة من الاتجاه الآخر للطريق.
إلى أين تمضي ؟
– لا أدري، عمان ما زالت بعيدة، وثمة طريق عن يسار توصل إلى العالوك ثم الزرقاء ثم…
ضحكت من دهشة أو فرح بلحظات نادرة لا تتكرر..
لا يتكرر أن ينحاز إلي إلى حد المغامرة، لا يتكرر أن يمتطي كل جنونه ليمنحني الوقت المندى بما يتساقط عن صمته، فيهيئ لي السراب ماء، واللغة مائدة تحفل بألوانه.
– مادة حية للوحة جديدة ؟!
– ربما !
– جميل أن نرسم لوحة من لون واحد..؟!
– (……)؟
نعم نعم
نعم نعم
نعم نعم
نعم
نعم نعم
نعم نعم
نعم نعم
نعم نعم
– قصيدة أم نكته ؟!
– لآرنست ياندل، عنوانها القبلة!
هز رأسه وغامت عيناه طويلا قبل أن يلقي إلي نظرة سريعة، الأسئلة القريبة أريد لها أجوبة بعيدة أو أن تظل بلا أجوبة.
الأجوبة القريبة تخلخل سكون الأشياء من حولنا، وقد تعيد بعثرتها وتنشر قلق فوضاها.. لكني للان لم أتقن فعل الصمت حين لا أنتظر إجابة، أو حين أدرك أن أية إجابة تحمل وخزها.
للآن لم أقل له كل عام وأنت بخير بعد.. لم أنس.
رنين الهاتف لم يتوقف.
ثمة تحايل في الرد على الطرف الآخر، إجابة قريبة أنفضها من راسي وألقي بها بعيدا تستفزني الكلمات المقتضبة التي يرد بها، لعلها تشبه الكلمات التي يرد بها علي حين يكون محاصرا بالآخرين.. لكني لا أشبه أحدا.. أشبهك وتشبهني.. بيتك يشبه بيتي.. أرضك تشبه أرضي.
لكن ثمري لا يشبه ثمرك، فيه من غيمة تراود ليلي عن جثة تتململ حلما بما تمطره الخمسون نقشا على جدار يتصدع هناك.. بعيدا خارج وقتي .
– صوتك يكسرني .
– (…..)
أغيب أتأمل ثماري طويلا وأحصيها..
شهية تسر الناظرين، لكني أخطئ العد مرارا ولا أتقن الوصف، أتلعثم في بسط أعذاري وأتقن جيدا تجميل خيباتي.
– أين أنت ؟
– (…..)
يخونني حذري ويخونني صوتي..
تتلبسني امرأة تجاذب ورقي وألواني، تحمل سراً ما تبقى من ملامحي، تعاتب حينا وحينا ترثي ما كان، تنسل مني لتكون غيري، لكنها حتما تظل خارج الإطار، كما الصورة العابرة بينما ترتد أنت خاويا لا تسر من يشبهك.
أسوأ ما في هذا الاختراع أنه يسلمك للآخرين في أي وقت وأي مكان!
(….)
كان يمكن أن ترد بارتياح.
(….)
وحدي أدرك أن صباح الخير لا تكفي.. صباح الورد تهيئة ممكنة!
(….)
كلام أبيض على ورق أبيض من شرفة نافذة بيضاء..
*من مجموعة “فتنة البوح”
* أكاديمية وأديبة من الأردن