( ثقافات )
في كتابه الجديد الصادر عن دار ورد الأردنية بعمان يذهب د. جمال نصار حسين أستاذ الفيزياء النظرية وفيزياء الطاقات العالية في جامعة كاليفورنيا/ سانتا بربارة (UCSB).
إلى أن العلم المعاصر متحيّز وذلك بسببٍ من تركيزه على دراسة ظواهر الوجود المألوفة وتغاضيه عن الظواهر الخارقة للمألوف لا لشيء إلا لأنها تستعصي على التفسير من قبل منظومته المعرفية التي يفسّر بها الظواهر المألوفة. ولأن الظواهر الخارقة للعادة والمألوف تحدث بالفعل، فإن هذا الكتاب يدعو الى تأسيس علم جديد، وفلسفة جديدة، يستوعبان ظواهر الوجود قاطبة خارقها ومألوفها. وهذا ليس بالأمر الهيِّن؛ فهو يهم كل إنسان في كل مجتمع وذلك لأن من شأنه أن يغيّر من قناعاتنا ومما اعتدنا على التسليم بأنه يمثل الحقيقة المطلقة، وبالتالي فانه يغيّر نظرتنا إلى الحياة بأكملها.
ويمثِّل هذا الكتاب ايضاً اتجاهاً جديداً في التفكير العلمي على ساحتنا العربية، وإن كان هذا الاتجاه غير جديد في الغرب؛ حيث تميزت السنوات الأخيرة من القرن المنصرم بتبلور الأفكار الرئيسة المُشكِّلة لهذا الاتجاه الرائد، وذلك بقيام مجموعة من العلماء، ومن بينهم عدد كبير من حملة جائزة نوبل، بصياغة مفردات هذا الاتجاه الفكري المميِّز لمدرسةٍ في التفكير المنهجي العلمي أبت على نفسها أن يكون موقفها من المسيرة العلمية المعاصرة موقف المشارك السلبي والمردِّد الببغائي دونما نقدٍ بنّاء أو تمحيصٍ هادف.
لقد آلت هذه المدرسة الجديدة من علماء الغرب على نفسها أن يكون دورها في رفد الحضارة المعاصرة مقتصراً على المشاركة من قبيل ما هو مميِّز للغالبية من علماء المؤسسة العلمية الرسمية، لذا فقد اتخذت هذه المدرسة منحىً أبستمولوجياً جديداً يتميز بموقف انتقادي رصين من النتاج العلمي وذلك بغية الحيلولة دون تكرار الأخطاء التي أدت في الماضي إلى جعل مسيرة التقدُّم العلمي تجنح إلى وهادٍ جعلت من العلم أسيرَ ميتافيزيقا كبَّلته بكثيرٍ من القيود التي حالت دون تمكُّنه من الانطلاق حراً على طريق الاستكشاف والاختراع. وقد تميَّزت سنوات العقد الأخير من القرن المنصرم بانضمام أعداد لا بأس بها من خيرة علماء الغرب إلى هذا الاتجاه الفكري الجديد، خصوصاً بعد ما تبين للجميع مقدار العجز الكامن في صلب البنيان المعرفي للمنظومة النظرية للفيزياء المعاصرة. كما وعزَّز من ضرورة القيام هكذا مراجعة تمحيصية بناءة للمسيرة العلمية المعاصرة التلكؤُ الشديد الذي تميَّزت به الأبحاث النظرية في مجال علم أسباب الأمراض Etiology ومباحث البايولوجيا التطورية بالقياس إلى النجاحات الباهرة التي حققها علم الطب التجريبي بفروعه ومباحثه المختلفة وما لم تفتأ مختبرات بحوث البايولوجيا التطورية تخرج به علينا بين الحين والآخر من نتائج أعجزت النظريةَ الطبيةَ السائدة وقعدت بها عن اللحاق بركب هذا الإنجاز المختبري الثر.