حلم… وقصص أخرى


إبراهيم غرايبة *

حلم

تحلم، تستيقظ من الحلم، وتكتشف أنك كنت تحلم، ولكن تبقى اللحظة الأخيرة من الحلم حدثاً واقعياً أبدياً موصولاً.. بعد قصة طويلة (ربما) وتجربة سيئة جداً وقعت في حفرة، قناة عميقة من تلك التي تحفر بجانب الطرق لتمديد الكابلات أو الأنابيب، كانت سقطة مؤلمة على ظهري، ورأسي أصيب بجرح مؤذٍ.. استيقظت من الحلم وأنا أشعر أني مازلت ملقى في الحفرة العميقة المرعبة، وأحاول النهوض ولا أستطيع، سألت نفسي برعب وحيرة كيف لا أستطيع أن أنهض وقد انتهى الحلم، مر دهر طويل لا يقل عن ثانية من الرعب والعذاب الذي لا ينسى أبداً، لقد أدركت أني كنت في حلم، وأريد أن أنهض من الحفرة، ولكني أجد أني غير قادر، جسدي عاجز تماماً كأني مشلول، ثم أشعر وكأن الحياة بدأت تدب في جسدي، وعادت إلي الروح، ومازلت أحاول أن أنهض من الحفرة، وكلما نهضت أجد أني فيها من جديد، خائف ألا تعود إلي الروح برغم أني مستيقظ.

——————————————————————————-
غابة

هي غابة أعرفها، ولا يضيع فيها أحد، فالغابات في بلدنا بقعة محدودة ونادرة، ولكن عندما كنت أسير مع أطفالي تفرقنا عن بعضنا وتباعدنا، ركضت بلهفة باحثاً عن ابني الصغير، وتركت أطفالي الكبار، وعندما وجدته لم أستطع وسط الجموع المتدفقة أن أعود إلى أطفالي، وتوقفت بجانب الحافة الخطيرة كأنها الهاوية مؤملاً أن يتوقف تدفق الناس، ومازلت أنتظر!

——————————————————————————–
بحيرة

ليس لدينا بحيرة، من أين جاءت تلك البحيرة في المدينة، تحيط بها المرافق السياحية، وتؤمها جموع كبيرة من الناس، نزلت ابنتاي لتسبحا في البحيرة، ولكنهما تعرضتا للغرق، نزلت إلى الماء وأنقذت الصغرى، حملتها وأحطتها بالأغطية، ثم رجعت أبحث عن الأخرى، ولم أجدها، لم تغرق، ولم تظهر، وناديت بأعلى صوتي وبكل ما في الكون من لوعة وحزن، وأعدت النداء.. ومازلت أنادي!

——————————————————————————–
سفارة

أسير أو أظن نفسي أسير في مجمع تجاري وترفيهي، أسير على سبيل التسلية والترفيه، أو لأجل متعة التسوق كما يحضنا الإعلان التجاري للمجمعات، ثم أفضى الممر إلى مبنى تاريخي جميل ومغلق، كانت ثمة لافتة معلقة تقول: تعتذر القنصلية لإغلاق أبوابها اليوم.
عدت أدراجي، ولكني وجدت نفسي في مواجهة مجموعة من رجال الأمن و(السيكيوريتية) (أمن قطاع خاص)، أتذكر الآن أن أخي الأصغر كان يرافقني، أظنه كان بصحبتي طوال الرحلة، كنا نسير معاً ونتحدث كما نفعل عادة خارج القصة، سلطت علينا أجهزة الأشعة والتصوير، وأطلقت الأجهزة أصواتاً وأضواء ليزرية!! جاء رجل بلباس مدني، اسمه أبو محمد (كيف عرفت اسمه؟)، صافحني مرحباً، قال: تفضل لنشرب معاً فنجان قهوة فتكون الأزمة قد انتهت، هناك أزمة إذن! هل اقتحمت مبنى القنصلية؟ هل كنت أحمل شيئاً محظوراً؟ لا أعرف حتى الآن ما سبب الأزمة؟
ثم نقلت إلى الحجز، كان السجن مثل مبنى تجاري بمخازن لها أبواب معروفة للمحلات التجارية، (لعله سجن قطاع خاص) تلك الأبواب التي تطوى وتفرد، فتح أبو محمد أحدها كان قذراً جداً، ويتكوم فيه عدد من الناس ببؤس وإهمال، وفتح مخزناً آخر، ثم نظر إلى مجموعة من الشباب والصبايا، يشغلون مكاناً مكشوفاً ومليئاً بالأسرة والمقاعد، طلب منهم أن يخلوا المكان لنجلس فيه، انسحبوا متذمرين، ثم أطلقوا قذائف من القيء باتجاهنا، وأصابني بعضها.
عندما جلسنا على الأسرة (ننتظر حتى تنتهي الأزمة) وجدت أننا في مكان مطل على القنصلية، وكان المبنى مليئاً بالموظفين والمراجعين و(السيكيوريتية)، وبعد قليل وضعوا أهدافاً بيننا وبينهم واستعدوا لإطلاق النار، أطلقنا أصوات خوف واحتجاج، فأحضروا عدداً كبيراً من العمال وصفوهم بيننا وبين الأهداف لنطمئن ونتأكد أننا في أمان، ومازالوا يطلقون النار، وأحمد الله أني لم أصب، ولكن يداهمني خوف متواصل، وانقباض مديد.

——————————————————————————–
أسد صغير

كان أسداً صغيراً بحجم قطة صغيرة، على قمة شجرة عالية تبدو بلا نهاية في السماء، كأنها ناطحة سحاب، هل كنت هناك أيضاً؟ أم أنني تسلقت لأجله، على الأغلب أنني كنت هناك، ولا أتذكر متى وكيف صعدت، دعوت الأسد إلي كما تُدعى القطة، فجاء إلي، وضعته على ساعدي، ونزلت بهدوء وحذر، كانت رحلة طويلة، عودة من السماء مثل الهبوط المعقد، وحين وصلت الأرض أنزلت الأسد، وانطلق في سبيله، وبقيت واقفاً مرتبكاً متحيراً، لم أعرف هل أنجزت شيئاً جميلاً؟ هل علي العودة إلى أعلى الشجرة، ومازلت حيران مرتبكاً.. هناك أسد يفترس كل يوم واحداً من أهل القرية،.. هل هو الأسد الصغير الذي أنقذته؟

——————————————————————————–

غدر
أسير في مبنى، في ممر مثل الكاردور، هذا ما أتذكره، كان ثمة باب مفتوح على نحو موارب، فدخلت، وفور دخولي أمسك بي شخص مجهول من الخلف، وصرخت، ومازلت أصرخ، ولكن المجهول مازال مطبقاً على عنقي، ويغمض عيني..

——————————————————————————–
حديقة ومقعد

يجلس الكاتب على مقعد في الحديقة ويقرأ في مجلة، يمر المدير العام لواحدة من الشبكات العظيمة ومعه صديقه، يجلسان بجانبه على المقعد، يواصل الكاتب القراءة متجاهلاً وجودهما، ولكنه في اليوم التالي فصل من عمله..

——————————————————————————–
الصحف التيتانيك

كانت الصحيفة عمارتين توأم، إحداهما حديثة وفخمة، والأخرى قديمة متداعية، كنا نصعد إلى السطح نرافق رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير، عقد اجتماع على السطح في قاعة اجتماعات تشبه مهبط طائرات الهيلوكبتر، وبعد الاجتماع ذهبنا لإلقاء نظرة على المبنى القديم، حاول رئيس مجلس الإدارة أن يمشي على حافة السطح لأنه كان الجزء القوي المتبقي من المبنى المتداعي الموشك على الانهيار، لا يكاد يقوى على تحمل أحد يسير عليه، وسقط الرئيس (رئيس مجلس الإدارة) ظننت أنه مات فوراً، ولكنه نقل للعلاج، وكان في حالة خطرة، قيل إنه سوف يتجاوز الأزمة، ولكنه سيظل يعاني من إصابات دائمة، صار رئيس التحرير رئيساً لمجلس الإدارة.. تبدو الصحف اليوم مثل سفينة عملاقة تمضي في المجهول، ربما تغرق، وربما تنجو، وربما تواصل نجاحها غير المجدي..

——————————————————————————–
صلاة

ذهبت إلى واحدة من قرى الشمال، تحمل اسماً آرامياً، كنت مع رفاق لا أعرفهم، ثم ذهبنا لصلاة الجمعة، تقدم إمام للصلاة، كان شخصاً أعرفه موجوداً في المسجد، هو ليس متديناً ولا يصلي ولا يصوم أبداً، ولكنه يرافق الإسلاميين ويبدو واحداً منهم أو صديقاً لهم، تقدم للإمامة لكنه لم يؤم، الإمام شاب لا أعرفه، لا يحفظ شيئاً من القرآن، توقف مرتبكاً، يخلط في القراءة بين القرآن ونصوص عادية، جاءني يركض كنت أقف وراء جموع المصلين، أطلعني على ورقة أمامه ليعرف النصوص القرآنية من غيرها، ساعدته ومضيت، كان الوقت ليلاً وأنا أسير في الطريق العام، على جانب الطريق، الناس مشغولة –بالرغم من الليل- بجمع القش من بقايا الحصيد (العقير)..

——————————————————————————–
بانتظار النهاية

كنا نسير على غير هدى، نبحث عن طعام، ولا نجد شيئاً، حتى أوراق الشجر أكلها الناس، وهم يسيرون في المدينة المدمرة المهجورة، كأنما أصابها زلزال مدمر، وقررنا أخيراً أن نسير، نواصل السير حتى نجد مأوى، أو نموت.. نسير بلا اتجاه، ولا أمل.

* كاتب من الأردن

( المجلة العربية )

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *