حوار مع الشاعر المغربي رشيد الخديري



حاوره : أيوب مليجي
 ( ثقافات )

زارا / ذئب الخميس / عاشق هيلين / تعددت الأسماء و الشاعر واحد ، هو رشيد الخديري شاعر مغربي تسعيني، يحب مباغتة القصيدة، يعشق تشذيبها كبستاني تثيره حدائقه الشعرية، يتأمل بعمق فلسفي تفاصيل الحياة، شاعر لطالما جذبه الثراث الفلسفي بأساطيره و عوالمه المتعددة . فأجاد توظيفه في معظم أعماله الإبداعية.
صدر له عمل شعري أول ” حدائق زارا ” سنة 2008 عن مطبعة آنفو برانت بفاس ، ثم عمله الشعري الثاني ” خارج التعاليم ، ملهاة الكائن ” سنة 2009 عن نفس المطبعة ، وهو الإصدار الذي فاز مؤخرا بجائزة الديوان الفصيح ضمن ملتقى قصيدة النثر بالقاهرة، كما صدر له عمل شعري ثالث ” الخطايا و المرآة ” عن دار الوطن للنشر و التوزيع سنة 2012،و كان من المحتفى بهم ضمن ملتقى الشارقة الثالث لتكريم الشعراء الشباب المنظم من طرف دائرة الثقافة و الإعلام بالشارقة و جامعة ابن طفيل سنة 2012.

في هذا الحوار نناقش معه عدة قضايا..

– زارا / ذئب الخميس / عاشق هيلين / تعددت الأسماء لشاعر واحد ، لكن من هو رشيد الخديري ؟

حلمت يوما أن أطير على ريش اليمام / فتكسرت أحلامي وما تكسرت أجنحة اليمام / حلمت يوما أن أمشي فوق الرخام / فتكسر الرخام و طرت حرا مع الغمام / لهذا مشيت و مشيت / لم أجد طريقا ولا حرير الكلام / أمشي دائما و كلما التقيت القصيدة تقول لي / ارتق إلى المقام و لج جمال اللازورد.ولدت في فاتح أبريل من أب يكره الحداثة و أم لا تعرف أمها / ولدت هناك بين الريح و الصبار.و كنت في ذكرى المولد النبوي، أذهب إلى جدتي لأشرب حليب الشاة و أنصب للدوري فخاخ دهشتي وكان لجدي حصان قوي وبندقية صيد ورثها عن الإحتلال ثم دربها على حب الوطن. هذا هو رشيد الخديري مزيج من الحيرة و القلق و عجين من كيمياء الروح و الكثير من الألم، ر.خ بكل بساطة طفل يأبى أن يكبر يوما لذلك سمني ما شئت..زارا الرعوي أو ذئب الخميس أو عاشق هيلين أو هاملت، تعددت الأسماء وهناك واحد فقط هو رشيد الخديري.

– المتتبع لتجربك الشعرية و التي راكمت لحد الآن عملين شعرين، يلاحظ اشتغالك على القصيدة الشعرية فلسفيا دون السقوط في لبس الغموض ، ترى ما هو سبب اختيارك لهذا الاتجاه؟ و على ماذا تراهن ؟

الشعر رهان مع الذات و الآخر و قيم الشعر الأثيرة، لذلك تجدني منجذبا بل مسكونا حتى النخاع بالحكمة و التأمل الفلسفي، أهمس لك / ثق في خطوك / وقل ها أنذا منفتح / هذا صدر الليل و نم في حضن القصيدة حتى اكتمالها، إن الشاعر باعتباره كائنا خلاقا و منفلتا و رؤيويا.لا يمكنه التخلص من رواسب و تراكمات معرفية ذهنية وسيكولوجية، أشبه ذلك بالمعول الذي يضرب في الأعماق حتى يخرج الينبوع ماء و شعرا، و حكما فلسفية. و لا أخفيك أنني أجد ضالتي في هذا المنحى رغم انتقادات كثيرة، وجهت إلى العملين، باعتبارهما موجهين إلى النخبة بمعنى أن نصوصي نخبوية ولا يمكن لأحد فهمها ما لم يكن ملازما لي متتبعا لمسيرتي الشعرية التي اخترت لها رهان البقاء و الخلود.أحيانا أتقمص دور جلجامش في البحث عن عشبة الخلود،لذلك تراني أغوص في وأنقب وأسائل هذه الذات المسكونة بوجع اليومي و بالخيبات أيضا.كما قلت لك في البداية أخوض تجربة رهان،وهي كتابة نصوص سيرية على الأقل كي أضمن لنفسي مرآة أناقشها ذاتي، فأتوحد فيها و معها حتى تبدوا شفافة و أكثر ألقا.

– فزت مؤخرا بجائزة الديوان الفصيح ضمن ملتقى قصيدة النثر بالقاهرة عن عملك الشعري ” خارج التعاليم ، ملهاة الكائن ” ، بماذا يمكنك أن تخبرنا عن هذا الإنجاز ؟

في حقيقة الأمر لم أكن أتوقع هذا الانتصار لقصيدة النثر أولا في ظل عدة إكراهات ذاتية و موضوعية ما كان يهمني هو المشاركة وإيصال صوتي إلى الضفة الأخرى لا سيما بعد حجب جائزة المغرب للكتاب صنف الشعر التي كنت أحد المشاركين فيها ربما جاءت هذه الجائزة لكي تنصفني و تنصف الشعراء المغاربة الذين كانوا و ما زالوا يعانون.هذا الأمر يرجع بنا إلى مسألة أساسية عندما كنت ضيفا على صالون الطفل بمدرسة معاذ بن جبل طرح علي هذا السؤال :هل نحن نعيش شعر أزمة أم أزمة الشعر ؟ نحن لا نعيش أزمة بمعناها الحقيقي و الدليل على ذلك كثرة الاصدارات الشعرية على طول السنة في غياب تام للنقد المواكب للتجارب الشعرية الجديدة من لدن من يسمون أنفسهم برواد القصيدة المغربية. كيف نعيش أزمة شعر و الشعر موجود في كل مكان في القصة في الرواية في المسرح في ق ق ج إلى غير ذلك، كم من قاص بدأ شاعرا ثم تخلى عن الشعر ليس بسبب تراجع الشعر على حساب أجناس أخرى بل بسبب شح في القريحة و ضعف في البصيرة و غياب في الرؤيا ، ألم يكن باشلار محقا حين قال :الشعر الرؤيوي هو جسد القصيدة.لم أفكر يوما في جائزة بل كان شغلي الشاغل هو تطويركتاباتي عبر المواظبة في القراءة و الاستماع إلى الآخر و النقد الذاتي و روح التأمل الفلسفي الذي أدرب عليه نفسي يوميا قد أكون خسرت أشياء لكن ربحت نفسي و ربحت هذه القصيدة التي جعلتني أشعر بانسانيتي و كينونتي و بهويتي و ماهيتي لذلك سأكتب وأكتب بأظافري وأسناني كما قال الشاعر محمود درويش.

– بالنسبة إليك ، ماهو الفرق الذي تجده بين عملك الشعري الأول وعملك الشعري الثاني ؟

حدائق زارا بالنسبة لي هو الاقرب الى القلب على اعتباره ديواني الأول و مخاضي العسير الذي خضته في سبيل إخراجه إلى الوجود هو تجربة كباقي التجارب التي أعيشها يوميا فقد صادف هذا العمل حصولي على شهادة الإجازة في الأدب العربي و ما واكب ذلك من إخفاقات و خيبات كانت كفيلة بزلزلة و خلخلة هذه الذات لأن الأدب الخطير هو الذي يهدم و يخلخل و يقيم علائق استمولوجية و نفسية بين ما تكتبه وما تعيشه لذلك وجب أن يكون هناك نوع من الفراغات حتى يتمكن القارئ من ملأها وفق رؤيته و مداركه الخاصة .
حدائق زارا أيضا هو تجربة أليمة عشتها متوحدا مع زرادشت ذلك الحكيم أو المتكلم باسم الإنسان الرافض لكل أشكال العبودية والقهر الحالم بعالم يسوده الحب و العدالة. وكامتداد لهذا الرهان كان لا بد من رثق خيوط هذه الرؤيا فجاء العمل الثاني تكملة لهذه السيرة، سيرة الريح والإنسان و الطفل الذي يشكلني هو أيضا صرخة ضد الأبيسية بكل أشكالها عبر رصد مجموعة من الإختلالات و القيم التي أسعى دوما الى زرعها حتى تخرج برعما متفرعا من القصيد و بين العملين رهان صعب يتجلى في كيفية الحفاظ على هذه الصيرورة و مضاعفة الجهد في الكتابة و الانكتاب على نحو أفضل و دائما أحب أن أبدأ سيئا في الكتابة حتى أستطيع الوصول رغم أن الشاعر عبارة عن محطات و لا يدري في أي محطة سيتوقف قطاره، إن الشاعر باختصار عبارة عن حقيبة من حبر و أوراق.

– احتفل شعراء العالم باليوم العالمي للشعر، كشاعر ماذا تحب أن تقول بالمناسبة ؟
هنيئا للشعر بهذا اليوم، و هنيئا لنا كشعراء بالانتصار لحب القصيدة رغم أن الشعر يحتاج لسنوات من الاحتفاء، لكن رغم ذلك فالشعر موجود. حتى أن بعض المستشرقين يقول أن كل عربي هو شاعر بالفطرة نظرا لالتصاق الشعر بالجسد العربي. أكون حزينا جدا عند الاحتفاء باليوم العالمي للشعر، و أجد نفسي منساقا وراء غريزة البقاء و الكتابة، أليس حيفا أن نحتفي بالشعر يوما واحدا.حلمي يا أخي أيوب أن نجد الشعر في البيوت و المقاهي، في محلات الوجبات السريعة، في القطارات…حتى نغدو مؤهلين لحمل مشعل هذا الذي نسميه بالشعر، ولا يسعني إلا أن أهنأ كل شعراء العالم من المحيط إلى الخليج . آملا لهم الكثير من الألق و طول النفس .

– ماذا تمثل لك الأسماء التالية، في كلمات مختصرة:
زارا : ظلي الذي لم ألتقيه يوما .
القصيدة : امرأة.
سيدي مومن : المهد ، وربما يكون اللحد .
– كلمة أخيرة:
أشكرك أخي أيوب على هذه الالتفاتة في حق حدائق زارا، وفي حق خارج التعاليم – ملهاة الكائن ، لكي لا أقول في حق رشيد الخديري . متمنيا لك مسيرة طيبة في ميدان الكتابة، و أوصيك بالقصيدة خيرا.عش حرا تمت حرا…

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *