نساء عاديات!!


السعد المنهالي *

 
“اجعلهن عاديات يا إلهي.. لتصبح الأرض أكثر هدوءاً”! كان هذا دعاء توجه به أحد الشخوص في رواية “طوق الطهارة”، وحسب الرواية فصاحب الدعوة عاشق تسببت الصبابة في تردي حالته النفسية، وفعل فيه حب امرأة مميزة ما فعله، فأصبح حاله لا يطاق، ما اضطره اللجوء إلى طبيب نفسي باحثاً عن حل يُذهب به ذلك الألم الشديد الذي اعتصر صدره، وأفقده النوم وحجب عنه متع الحياة. ولذا جاءت دعوته، بعد أن أسداه الطبيب نصيحة ذهبية بأن لا يقترن بامرأة مميزة، وقد تأكد للعاشق المنكوب في قلبه وعلى حد قوله: ‘’البسيطات عادةً لا يحزنَ كثيراً، سطحية التفكير كثيراً ما تتعارض مع عمق الهموم”!
في الرواية التي كتبها -المميز- محمد حسن علوان، تأثر الطبيب النفسي بحال مريضه فقال له محاولاً التخفيف من حالته: “كل امرأة مميزة خلقها الله، خلق معها أحزاناً ومشاكل كثيرة، لأن تميزها خروج عن المألوف؛ ولابد من خسائر مرادفة يجب أن تحدث في مكان ما على الأرض، إما في قلب رجل، أو في أوراق كاتب، أو في مصير أسرة، أو حتى في تاريخ دولة، إلى آخر فساد تنفثه في الأرض أنثى عظيمة ما”؛ هكذا كانت الطريقة التي ساعد بها الطبيب مريضه المتيم بحب امرأة مميزة.
استرجعت الرواية وتفاصيل الحوار بين المتيم والطبيب، وأنا أحضر بعض النقاط في ورقة أعدها للمشاركة في ملتقى الصحفيات الخليجيات الذي يعقد اليوم في مدينة الكويت، والذي من المفترض أنه يطرح المشكلات التي تعانيها الصَحَفية الخليجية أثناء ممارستها لمهنة المتاعب، وهي مهنة لا يجيد العمل بها إلا من يحمل هماً ورسالة، ويذهب للعميق لكي يحقق التمكن بها. حسب ما يعتقده الرجال في نموذج شخصية الرواية، فإن “عمق الهموم” صفة سيئة غير مستحبة في النساء، وإن من كانت منهن سطحية التفكير ستكون الأفضل، وأكثر جلباً للسلام، وبناء على هذه الفكرة، فإن الصحفيات جالبات للهم ومسببات للتعاسة الأرضية!
بالطبع ‘’عمق التفكير’’ ليس صفة موروثة، بل هو إحدى الصفات المكتسبة التي يجتهد الإنسان كثيراً لتكون له؛ من الطبيعي هنا أني أتحدث عن أمر إنساني مرتبط بالنساء والرجال، وعندما نطالب البشر بإبقاء موروثاتهم العقلية دون أي جهد لتحسينها، لأن التغيير سيذهب بهم للعميق، وذلك سيضر الأرض، فهذا هو قمة السطحية؛ ولنتخيل معاً شكل الحياة مع امرأة أو رجل تمر عليه الحياة بقشورها ولا يرى فيها أبعد من كف يده؟ لا يدرك من الأشياء إلا شكلها، ولا من الأفعال إلا حركتها، ولا من الأسماء إلا حروفها؟ وما أبعد من هذا، أمر غير ذي جدوى لديه، ولا يستحق التفكر! مجرد التواجد بقرب أناس كهؤلاء يذهب بالساعات والأيام والعمر إلى اللا شيء.
◆◆◆

سيطول حزنك كثيراً، سيجري نهراً متدفقاً قادماً من أعلى مكان على سطح الأرض، وسيشق أخاديد طويلة في روحي؛ وهناك قبل أن يقرر سيلك أن يفيض، ستجدني أبتسم لك منتظرة اخضرار السهول، محدقة في شفافية دموعك التي تأبى أن تتدحرج معاكسة قوة الجاذبية، لتخبر العالم أن هناك دموعاً تعلو بمن يذرفها.. عكس ما يعرفون.

* كاتبة من الإمارات

( الاتحاد )

شاهد أيضاً

فصل من سيرة عبد الجبار الرفاعي

(ثقافات)                       الكاتب إنسان مُتبرع للبشرية …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *