ثقافة العراق ضحية المحاصصة الطائفية


علي عبد الأمير *

في مطلع العام 2011 تولى وزير الدفاع العراقي السابق سعدون الدليمي،( في حكومة إبراهيم الجعفري العام 2005) حقيبة وزارة الثقافة في حكومة المالكي الثانية، واعتبر ذلك مؤشراً إلى قضيتين باتتا تمسكان بخناق اللحظة العراقية الراهنة، الأولى تتعلق بالمحاصصة الطائفية التي جعلت «الثقافة» حكراً على «السنة» ابتداء من العام 2005، والثانية هشاشة الطريقة التي تتعاطى بموجبها الحكومة العراقية مع الثقافة، فهي تمنح «الحقيبة غير السيادية» للطائفة «الأضعف»، وغير «السيادية» تعني بلغة الأرقام الأقل موازنة بين بقية الوزارات بل حتى اقل موازنة من هيئات رسمية هي دون مستوى وزارة.

وبما أن الثقافة العراقية لم تعرف منذ «تأميمها» في العام 1958 غير الحكومة ممولاً وداعماً، كان من الطبيعي أن تتعرض حركتها إلى تهميش شبه تام مع غياب التمويل اللازم لوزارة ثقافة مصنفة على أنها «غير سيادية».

اليوم وبحسب الصراع السياسي المحتدم في العراق، أسندت وزارة الدفاع وكالة إلى وزير الثقافة سعدون الدليمي اضافة إلى وظيفته، أي أن الرجل عاد إلى موقعه «الحصين: وزارة الدفاع.

اللافت في اليوم الأول للدليمي بصفته وزيراً للدفاع تصريحه: «عندما تسلمت مهمات وزارة الثقافة قلت إني سأقود وزارة الثقافة بإرادة وزارة الدفاع، واليوم سأقود وزارة الدفاع بعقلية – ومرونة – وزارة الثقافة»، مستدركاً أن «المرونة التي أقصدها ليست بمعنى التهاون مع القتلة والإرهابيين والعابثين بأمن البلد».

ولا يبدو واضحاً معنى القول «سأقود وزارة الثقافة بإرادة وزارة الدفاع» إلا في حدود «الصرامة العسكرية» التي تتطلبها حقيبة الدفاع بما في ذلك خطورة المهمة التي تتولاها في بلد فيه أمواج متلاطمة من العنف.

ومن هنا إن لا عمل بارزاً عرفته الثقافة العراقية، خلال الأشهر الماضية التي تولى فيها الدليمي حقيبة الثقافة، والذي ظل يتذرع بضعف «الموازنة المالية» المخصصة للوزارة. وهنا يطرح سؤال: ما أهمية الصرامة في قيادة وزارة الثقافة بإرادة «وزارة الدفاع» في مؤسسة خاوية مالياً؟ وما أهميتها أيضاً ثقافياً، لاسيما حين نعرف أن ارفع الأسماء المشكلة للثقافة العراقية حالياً وفي العقود السابقة هي خارج التنظيم الرسمي للوزارة؟

وإذا كان هذا المستوى «القيادي» للمؤسسة الثقافية الكبرى في العراق، يكشف عن تدني مستوى طموح العشرات من كتاب العراق وفنانيه وأكاديمييه ممن واجهوا النظام الديكتاتوري السابق، وسعيهم اليائس إلى بناء مؤسسة ثقافية منفتحة على فضاء من الحرية ودعم العمل الإبداعي في ميادين عدة، لا سيما أن الوزارة جاءها قبل الدليمي، وزير هارب اثر اتهامه بالإرهاب (اسعد الهاشمي)، وآخر شبه أمي كان يعمل مسؤولاً عن مخازن زراعية قبل العام 2003 واسمه نوري الراوي، فإن حال مؤسسة ثقافية مهمة أخرى في العراق مثل «بيت الحكمة» ليست بأفضل من وزارة الثقافة.

ويكشف الكاتب الإسلامي المستقل غالب الشابندر تفاصيل عن الانحطاط الذي صارت عليه حال «بيت الحكمة»، فهو يقول إنها «مؤسسة عملاقة بروادها وأصحابها، صحيح إنها تأسست بتدبير من وزير خارجية العراق الأسبق سعدون حمادي، لكن الرجل عالم، ثم هي تضم أفذاذاً من علماء الفيزياء والتاريخ والفلسفة …. ما الذي حصل؟

جاء «فرسان الليل» إلى الحكم، فمن الذي تولى رئاسة هذه المؤسسة العملاقة؟ شمران العجلي! الدكتور شمران العجلي، وأعتقد أنه دكتور في علوم القرآن أو اللغة العربية، وكل العراقيين في لندن من ذوي الاهتمام بالفكر واللغة يعرفون مستوى الأخ شمران العجلي، وما أبدعه هو كتيب عن السجود على التربة الحسينية، وكتيب عن الأذكار وما شابه، فإذاً يستحق أن يكون رئيس «بيت الحكمة»، هذه المؤسسة التي وجدت بهدف تحديث المجتمع العراقي بمؤسساته وأفكاره وتوجهاته»!

ويلفت الشابندر الذي تحول بعد سنوات من حكم أصدقائه القدامي في حزب الدعوة الإسلامية للعراق «الجديد» إلى أن «شمران العجلي صديق، وأعرفه منذ زمان بعيد، وفي تصوري أن مستواه الفكري لا يتعدى مستوى قارئ منبر حسيني جيد، وإلاّ فهل تعلمون أن الأخ شمران العجلي كان يقول عن شارل دارون «مطيرجي» ؟ فهو – أي دارون كما يقول رئيس بيت الحكمة «شرّح حمامة أو حمامتين ومن ثم قال إن أصل الإنسان قرد». هكذا كان يقول الأخ شمران العجلي، الأمر الذي استفز أحد الإخوة من ذوي الحجى، فاضطر على حسابه الخاص أن يصحب رواد المحاضرة إلى متحف دارون في لندن، ليريهم كم كان هذا الإنسان دؤوباً ومثابراً. كانت هناك مئات الأجساد المحنطة من مختلف أصناف الحيوانات، كان قد عمل عليها وبها، وبالتالي، وبحسب منطق رئيس «بيت الحكمة»، لم يكن سوى مطيرجي»!

ويضيف الشابندر في مقالة له: «لم يكتف السيد شمران العجلي بهذا، بل خصص قاعة له باسمه، مكتوب على واجهتها « قاعة الأستاذ الدكتور شمران العجلي»، وعندها تذكرت الفيلسوف التربوي المصري علي عمار الذي أفنى نفسه في البحث والتنقيب ولم يحصل على لقب الأستاذ قبل الدكتور إلاّ بعد عشرات الإنجازات الفكرية العربية والعالمية! لم يكتف السيد شمران بهذا وذاك، بل وعلى سنة أصحابه من «المتدينين» عيّن ابنه مسؤولاً للقسم الفني في «بيت الحكمة»، ثم راح يوفده إلى المحافظات ليفتتح معارض للفن التشكيلي وهو لا يمت بصلة إلى الفن لا من قريب أو بعيد».

ويتساءل الكاتب ذو الموقف النقدي لثقافة الأحزاب الطائفية في العراق قائلاً: «هل ينبغي السكوت تجاه هذه الخروق بحق الفكر والعلم والفن؟ ولماذا نسكت عن هذه القضية فيما يجب علينا أن نشن الهجوم تلو الهجوم بأقسى لغة على غيرنا ممن لا ينتمي إلى بلاء التدين السياسي؟ وهل من العدل أن يتمرس أبناء وأقارب المسؤولين في السلك الديبلوماسي ومنهم من لم يُجد حتى العربية؟ هل لهذا وذاك أصبح العراق واحداً صورياً منقسماً واقعياً»؟

وينتهي الشابندر إلى القول: «نعم … بالعدل تقوم الأمم والدول، وفيما يغيب العدل تتهدم الدول والأمم، والعراق اليوم يمر في مرحلة خراب كلي». 

 

* شاعر وناقد موسيقي من العراق يعيش في الأردن

( الحياة )

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *